أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
جماهيرية الحركة النسائية الفلسطينية !

بقلم : ريما كتانة نزال ... 28.5.08

مؤشرات تراجع جماهيرية الحركة النسائية الفلسطينية واضحة للعيان؛ ولا يحتاج المراقب الى جهد كبير لاكتشاف المراوحة، وفي شباط الماضي؛ أصدر مركز العالم العربي للبحوث والتنمية "أوراد"؛ استطلاعا للرأي العام؛ "حول وضعية المرأة الفلسطينية وعلاقات النوع الاجتماعي"؛ أبرز تأييد النساء الفلسطينيات لحركة حماس؛ بشكل يفوق عن تأييد قطاع الرجال للحركة.
الأسباب الموضوعية للتراجع النسوي؛ ذات صلة بالأسباب العامة لتراجع الحركة الوطنية الفلسطينية؛ وذلك بحكم ظروف النشأة والتأسيس؛ حيث تشكلت ونشأت الحركة النسائية في ظروف الاحتلال بقرارات سياسية؛ حيث تشكل الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بقرار من منظمة التحرير الفلسطينية؛ كما هو الحال في جميع الأطر النسوية التي تشكلت بقرار من الأحزاب السياسية الفلسطينية؛ وكلا من الاتحاد العام والأطر النسوية يشكلان العمود الفقري للحركة النسائية، لذلك كان من الطبيعي ان ينعكس واقع الحركة الوطنية وتحولاتها على الحركة النسائية في ظروف المدَ والجزر؛ وهذا أمر بديهي بحكم العلاقة العضوية ما بين الجسمين.
النقاش العملي لواقع الحركة النسائية؛ يجب ان ان يبدأ من الموجود على أرض الواقع؛ وهو الجديد الذي أحدثه " تسونامي" اتفاق اوسلو؛ الذي تعددت قراءاته السياسية على الصعيد النسوي؛ وتعددت سبل التعاطي مع نتائج تطبيقاته، وهي المرحلة التي أنتجت التوجه الى تشكيل المنظمات غير الحكومية بكثافة؛ وشهدت مأسسة العمل النسوي القائم على أساس تقديم الخدمات للمرأة انطلاقا من احتياجاتها المتنوعة؛ كما شهدت كذلك حراك كوادر الاتحاد والأطر النسوية للعمل في المؤسسات الحكومية الوليدة؛ وفي المنظمات غير الحكومية الحديثة؛ ضمن خيارات ورؤى فردية عبَرت عن رؤيا لطبيعة المرحلة الجديدة ولاستحقاقاتها، كما انها عبَرت بقوة عن توجه الأطر النسوية وفصائلها للمأسسة، وذلك في اطار بحث القوى عن البدائل التنظيمية الجديدة المعوضة لانحسارها التنظيمي؛ متوجهة نحو المأسسة ببرامج تتقاطع مع مصالح مباشرة للمرأة بعيدا عن التسييس؛ بهدف تجديد حيوية العلاقة مع القاعدة ومن أجل استعادتها وتوسيعها، وذلك للالتحاق بالركب والمنافسة التنظيمية في المجال الجديد الذي بدا بأنه سيحقق استعادة النفوذ ويستقطب القاعدة، ولقد وجدت الأطر النسائية بعض ضالتها في المأسسة؛ التي ساهمت في تجديد وبثَ الحيوية جزئيا في علاقتها مع القاعدة؛ الا ان المأسسة أيضا ادَت الى تبهيت وتحجيم دور الأطر النسائية؛ وأصبح بعض المؤسسات التي انبثقت عنها أهم منها.
وفي الوقت ذاته كانت حركة حماس؛ تتجه الى التجربة التي خطَتها سابقا الأطر النسوية ذات التوجهات الوطنية والديمقراطية؛ عاملة على تأسيس المنظمة النسوية المحيطة والرديفة للحركة؛ وتنظم النساء على أساس البرنامج الذي يجمع ما بين تقديم الخدمات الاجتماعية لشرائح واسعة؛ وبين الأبعاد السياسية لبناء نفوذ وقوة الحركة السياسي؛ ويؤمن دخول الحركة وتغلغلها في القاعدة النسائية بمنطلقات عقائدية؛ مقدمة للمجتمع نموذجها البديل للحركة النسائية ذات التوجهات الوطنية والديمقراطية؛ وقد استفادت في سعيها من تراجع دور الأطر والاتحاد؛ وبدت على أرض الواقع أكثر جاهزية لخوض الانتخابات المحلية والتشريعية.
في ضوء هذا الواقع لا بد من فتح النقاش حول المشهد النسوي؛ والآليات المحفزة لاستعادة شعبية وجماهيرية الحركة النسائية الفلسطينية التاريخية؛ وهذا ما هدفت إليه مؤخرا الهيئة الإدارية للاتحاد العام للمرأة الفلسطنية في رام الله؛ لدى تنظيمها النقاش لواقع الوضع النسوي المتراجع من أجل تجاوز كوابحه، وفي فتح النقاش لا أغيب ما تحدثه الاجراءات الاسرائيلية؛ التي تخلق المزيد من الوقائع الاحتلالية؛ وطبيعة البرنامج والأداة التنظيمية المطلوبين والذي على أساسهما يمكن تنظيم النساء؛ والتساؤل الذي أود طرحه اليوم يدور حول ممكنات إعادة الإعتبار لدور الأطر النسوية في ضوء الواقع ..
وتبعا لذلك يداهمنا التساؤل حول واقعية وجدوى "وصفة" تشكيل الأطر النسوية التي نجحت قبل ثلاثين عاما من تنظيم المرأة وتقويتها وتوسيع الانتشار الجغرافي والطبقي للوجود النسوي المنظم؛ وجدوى الوصفة ذاتها بعد ان تم تجاوزها ببنى جديدة على أساس متخصص ومهني من قبل أصحابها على أرض الواقع.. وماذا سنتوقع من الأطر التي أصابها الوهن والترهل؛ وأصبحت لا تجد عمليا كثير ما تفعله وقد زحفت عليها مؤسساتها؛ وبعد ان أصبحت عضويتها تقتصر على عضوات الفصيل السياسي.. وتبعا لذلك يفرض نفسه تساؤلا جديدا.. عن موانع اندماج عضوات الأطر في عضوية الفصيل وهيئاته المختلطة في جميع مستويات الهيكل التنظيمي.. ألا يوفر اندماج العضوات في الحزب السياسي من تمكينهن بشكل أفضل على الصعيد السياسي؛ ويوفر لهن الفرصة والمساحة الرسمية الملزمة لنقاش الاعضاء بالقضايا المجتمعية ومن ضمنها قضايا المرأة؛ أليس من الملاحظ ان هناك فجوة مفاهيمية بين الأعضاء من النساء والرجال في إطار الحزب الواحد على صعيد القضايا الاجتماعية، وهي الفجوة المتسعة باضطراد وبات من الضروري تجسيرها؛ وصولا الى تحقيق توحيد موقف الفصيل السياسي على الصعيد الموقف الاجتماعي؛ بالقدر الذي يسعى فيه الفصيل من اجل توحيد أعضائه على الموقف السياسي..
ان الوقوف أمام تجربة الاحزاب اتجاه قضايا المرأة مطلوبة لاستخلاص العبر؛ لكن الأهم من ذلك؛ الوقوف أمام مستقبل المجتمع الديمقراطي الذي نريد؛ وهذا يتطلب طرح المواقف الواضحة اتجاه القضايا المجتمعية دون تردد او تلعثم؛ لأن قضية المرأة وتحقيق تقدمها ومشاركتها وتحررها الاجتماعي؛ مرتبط بإشاعة مناخات ديمقراطية في المجتمع؛ ومرتبط بنشر وتعميم قيم الثقافة الديمقراطية وبالمشروع التنويري في المجتمع؛ وهي قيم آخذة في الانحسار التدريجي بمؤشرات ودلائل واضحة..

المصدر: المركز التقدمي لدراسات وابحاث مساواة المرأة