بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 3.4.06
يبدو واضحا ان الاعلام العربي ومن يقف وراءه من أنظمة ومؤسسات قد دخل في مرحلة حراثة العقل العربي وتحويله الى ارض مَشاع وبُور تَصول وتجول فيها مُصطلحات اعلامية موجهة ومُبرمجة في اتجاه قصف الحقيقة ونسف كل عناصر علاقة العرب بقضاياهُم وانتسابَهُم الى مُحيطَهُم وتاريخهُم من جهة، وفي اتجاه إقتلاع المنطق الانساني من جذوره الى حَد مُحاولة تَحويل العرب الى أصنام وكومة من الحجارة البشرية لا علاقة لها بما يدور من حولها من أحداث من جهة ثانية، وبالتالي ما يجري على مستوى الاعلام العربي هو إنتزاع سافر للمشاعر العربية وإغتيال غاشِم للعقل العربي وفَقأ للعيون التي تُشاهد ذلك العدوان السافر على الحقيقه والواقع العربي اللتي تقوم وسائل الاعلام العرلبي بتسويفه وتزييفه الى درجة تعليب العقل العربي من جهه وتغريب العرب حضاريا وسياسيا!!
ان ما يجري من تَسويق وتزييف إعلامي عربي انحطاطي لواقع الشعوب العربيه وعلى ر اسها الشعبين الفلسطيني والعراقي, الذي يُمارسه الاعلام العربي الرسمي والفضائي يهدف بكل وضوح الى تَغرِيب العالم العربي وترويض العقل العربي في اتجاه قُبول وتَقَبُل ما يجري في العالم العربي كأمر عادي وروتيني ومُجرد ظواهر طبيعيه في خضم وضع طبيعي يعيشه العالم العربي سواء ظاهرة الاستعمار الداخلي والخارجي او ظواهر الفقر والعنف والاميه والكثير الكثير من ّإشكاليات إجتماعيه وسياسيه تُعاني منها الشعوب العربيه في المشرق والمغرب العربي!!
لم يَعُد هُناك خجل و حتى أخلاق مهنية او انسانية حِين يقف مُراسلو الفضائيات العربية للمثال فوق رُكام البيوت الفلسطينية, ودمار البيوت العراقيه حين يبث هؤلاء هذا الكم الهائل من التضليل والحديث المجرد عن مايحدث في العالم العربي وكأن ما يُسمى بقوات " المارينز" في العراق مجرد قوات لا علاقه لها بوجود إحتلال امريكي بغيض في العراق, وكأن ايضا قضية القدس اصبحت مجرد قضية " إنتخابات" ومشاركة سكانها او عدم مشاركتهُم في كذبة ما يسمى بالانتخابات الفلسطينيه هي المشكله بينما المشكله الحقيقيه هي بالفعل عدم إعتراف الاحتلال الاسرائيلي بعروبة القدس كهويه تاريخيه وحق فلسطيني!!
كل شيء اصبح بالمقلوب.. فالفلسطينيون هُم الذين "يستفزون" اسرائيل, وفحوىالاعلام العربي في اخباره وتحليلاته واهدافه الظاهرة والمُبطنَّة تُوحي بأن الفلسطينيين يُقدمون الذرائع لاسرائيل باجتياح الاراضي الفلسطينية، وكأن الفلسطينيون هُم الذين يَعِيثون خرابا ودمارا ويحتلون تل أبيب,.وكأن العراقيون ايضا اللذين يدُافعون عن ارضهُم وبيوتهُم واطفالَهُم هم مجرد " مسلحون او ارهابيون" يحتلون واشنطن! في زمن سقط فيه القناع الانساني الكاذب ليس عن وجه كوفي عنان وهيئة أُممِه الامريكية والامبريالية لا بل اصبح فيه العرب وحُكامهُم فضيحة انسانية عارِية بِكامل فضيحتها وتتجلى في فحوى واسلوب الاعلام " العربي" الساقط اللذي لم يترك سننيمترا واحدا في العقل والوجدان العربي إلا ولوثَهُُ سياسيا وحضاريا!!
في هذا الزمن أصبح العرب يَنضحُون من صحن الاعلام الاسرائيلي والامريكي مُصطلحات اعلامية تَهدف الى تَغرِيب الصحن العربي عَما بِداخله إن لم يَكُن قلب هذا الصحن على رأس أهله كما يَقلب الاعلام العربي حقيقة ما هُو جارٍ في فلسطين والعراق, وفي هذا الزمن تبدو حقيقة هَول سَحِق إنسانية وكرامة العرب جَلِيه ليست في سكوتَهُم على ما يجري في الوطن العربي فحسب لا بل في تَعاملهُم الاعلامي مع ذاتهُم وتَحقيرهُم للعقل والانسان العربي على هذه الشاكلة الكارثية التي يَصبح فيها الاعلام العر بي العدو الاول لِمُشاهديه والمُشوه الاول لجوهر القضية الفلسطينية والعراقيه وإن شئتُم الداعم الاول لامريكا وحُلفاءها من طُغاة عرب!!
مما لا شك به ان ان الاعلام العربي المُحنط والخائن قد فتك عمليا وموضوعيا بمقومات الهويه والوطنيه والحضاريه, وقام على مدى عقود بتشويه الواقع وتوظيفه لخدمة حكام طُغاه يحكمون العالم العربي بالحديد والنار من جهه ويحتكرون الاعلام الترويضي والساقط من جهه ثانيه وبالتالي يبدو العرب للأسف بواقعهُم الخانع بانهُم ضحية الضحايا لما تعرضوا له من تعليب وتغريب إعلامي وفكري مُبرمج جعلهُم عمليا حقل تجارب مفتوح الى اشد اصناف القمع السياسي والحضاري والوطني, والنتيجه هو ما هو حاصل اليوم من واقع مُر يعيشه العرب في المغرب والمشرق العربي!!!