بقلم : نواف الزرو ... 09.03.2012
على الارض المقدسية تسابق دولة الاحتلال الزمن والعرب والمجتمع الدولي -قبل ان يفيق الجميع- وتقوم ببناء حقائق الامر الواقع الكبيرة وجدا من الوزن الثقيل جدا، كي تحسم قضية القدس نهائيا، وتحولها الى مملكة توراتية لهم فقط...؟!
وفي نيويورك هناك، تقوم منظمة يهودية- "منظمة حباد" – احد التيارات الدينية اليهودية المتشددة - مؤخراً بعرض مجسم كبير لحائط البراق، على أنه "حائط المبكى اليهودي"، في متحف خاص في حي بروكلين في مدينة نيويورك الأمريكية، وذلك في اطار خطة ترويجية تهدف من ورائها دولة الاحتلال الى تضليل الراي العام العالمي حول حقيقة الاوضاع في القدس وفلسطين، معتمدة في ذلك سياسة الطمس والتزوير والتزييف، وقد وصلت يد التزوير الطولي إلى الولايات المتحدة.
مؤسسة الاقصى للتراث تقول في بيان لها بأنه قد نظم حفل افتتاح رسمي للمجسم وشارك فيه وزير إسرائيلي، فيما تعهدت شركة الطيران الإسرائيلية "إلعال" بنقل " أوراق الأمنيات" التي ستوضع في المجسم ببروكلين، لوضعها بين حجارة
"المبكى" في القدس المحتلة، وقالت المؤسسة" إن إقامة هذا المجسم "التهويدي" جاء ليكرّس أسطورة " المبكى" و"الهيكل المزعوم"، ويشير إلى المسعى المحموم الذي يبذله الاحتلال لإقامة "الهيكل المزعوم" على حساب المسجد الأقصى المبارك، مؤكدة على أن حائط البراق هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك، ويرتبط ارتباطاً كلياً برحلة الإسراء والمعراج، وأن هذا الجدار والساحة التي أمامه هما وقف إسلامي بحت.
وفي قضية البراق ايضا، كان نتنياهو قد دعا السلطة الفلسطينية إلى نبذ وإدانة الدراسة الصادرة عنهاعام -2010-التي تدحض المزاعم الإسرائيلية بشأن حائط البراق، الجدار الغربي للمسجد الأقصى والذي تسميه إسرائيل "حائط المبكى"، فزعم بيان صادر عن مكتب نتنياهو "إن إنكار العلاقة بين الشعب اليهودي وحائط المبكى من قبل وزارة الإعلام الفلسطينية أمر باطل من أساسه ويشكل فضيحة حقيقية"، مضيفا:" أن هذا الإنكار من قبل السلطة الفلسطينية يضع علامة استفهام كبيرة جدا على نواياها الحقيقية في ما يخص السعي إلى اتفاقية سلام تعتمد على التعايش والاعتراف المتبادل"، زاعما "أن الحائط الغربي أكثر الأماكن قدسية عند الشعب اليهودي منذ نحو ألفي عام حين تدمير الهيكل الثاني، وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الفلسطينيون تشويه الحقائق التاريخية، وذلك من أجل إنكار العلاقة بين الشعب اليهودي ووطنه".
وجاء هذا البيان الاسرائيلي ردا على دراسة للمتوكل طه نائب وزير الإعلام في السلطة الفلسطينية، تضمنت عددا من الحقائق التاريخية التي تؤكد "أن الحائط الغربي حائط إسلامي وجزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف، وهو موقف كرره الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات".
وذكرت أن الحائط يقع في مدينة القدس القديمة، "وليس أثرا باقيا من الهيكل اليهودي الذي هدمه الرومان عام 70 ميلادية، بل هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى القريب".
كما قالت الدراسة إنه حتى عام 1917 لم يكن اليهود يصلون مطلقا عند هذا الحائط، "لأن أجيال اليهود احتشدت هناك للبكاء على ضياع الهيكل".
ومن الحكومة الاسرائيلية الى الادارة الامريكية، فلم تبق الادانة حصرا ب"اسرائيل"، اذ سارعت الخارجية الامريكية ايضا الى ادانة الوثيقة الفلسطينية، فقال بي.جيه.كراولي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية للصحفيين "نحن ندين بشدة هذه التصريحات، ونرفضها رفضا تاما بوصفها خاطئة من منظور الوقائع ولا تراعي أحاسيس الآخرين وتنطوي على استفزاز شديد "، مضيفا "لقد أثرنا مرارا مع قادة السلطة الفلسطينية ضرورة الاستمرار في مكافحة كل أشكال السعي لنزع الشرعية عن إسرائيل، بما في ذلك نفي الارتباط التاريخي لليهود بالأرض"، وكذلك أصدر رئيس لجنة الخارجية التابعة للكونغرس، هاورد برمن، بيانا أدان فيه الدراسة، وقال إنه "يستنكر بشدة الدراسة، وأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود بعاس ورئيس حكومته سلام فياض يدركون الأهمية الروحية للحائط الغربي بالنسبة لليهود في العالم"، كما اعتبر نفي "علاقة اليهود بالحائط الغربي" استفزازا وتحريضا لا يقل عن نفي علاقة الفلسطينيين بالحرم الشريف"، وطالب السلطة الفلسطينية بإدانة الدراسة فورا، وإصدار بيان ينفي أن يكون الحديث عن موقف رسمي للسلطة. كما طالب ب"إزالة أي ذكر للدراسة من موقع السلطة".
وفي هذا النطاق فاننا لا نستغرب المزاعم وردود الفعل الاسرائيلية التصعيدية بهذا الصدد، غير ان الغرابة في ان تلتحق الادارة الامريكية هكذا انجرارا باطلا وراء المواقف الاسرائيلية، والواضح ان كراولي اراد بتصريحه ان يستدعي وعد بوش لشارون الذي اعترف بحقائق الامر الواقع التهويدي في القدس والضفة.
تستدعي هذه المزاعم الاسرائيلية-الامريكية المتعلقة بالعلاقة الروحية بين اليهود والقدس، شيئا من ادبياتهم واساطيرهم المزيفة للمشهد المقدسي، فقد كان نبيهم ثيودورهرتزل مؤسس الحركة الصهيونية اول من ادعى مثل هذه العلاقة، فقال في إحدى خطبه في المؤتمر الصهيوني الأول [ 29 – 31/ أغسطس – آب/ 1897 ]: " إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء .. فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها، وسأحرق الآثار التي مرت عليها قرون".
واذا ما اضفنا لكل ذلك هذا التصعيد الاخير من قبل نتنياهو بخصوص حائط البراق، فان النوايا والمخططات والاهداف الاسرائيلية المبيتة ضد القدس والاقصى والبراق جزء لا يتجزأ منها تغدو واضحة صريحة، والواضح ان الغطرسة الاسرائيلية التي يجسدها نتنياهو في تصريحاته ومواقفه الاستخفافية بالعرب وحقوقهم التاريخية في فلسطين لم تكن لتحصل لو كان للعرب دور وحضور آخر مختلف، فالقدس تحتاج على الى عربها ومسلميها كي يتم انقاذها من براثن نتنياهو التهويدية...!