أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
بلاد الأفواه المكمّمة!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 30.5.07

بعد أن هاجم كلب طفلاً رضيعاً، سنّت السلطات السويسريّة قانوناً يلزم أصحاب الكلاب بتكميم أفواهها أثناء الخروج بها للشوارع والحدائق العّامة، حفاظاً علي سلامة المواطنين.
بريجيت باردو ـ يا تري هل انتخبت ساركوزي أم رويال، المحافظ أم..الاشتراكية ؟ هي متعصّبة فرنسيّاً ولذا أرجّح أنها منحت صوتها لساركوزي، ولعلّها ستدعمه أكثر في آتيات الأيام، والقرارات، والقوانين، التي تستهدف المهاجرين ـ انتقدت القانون، وانحازت لحريّة الكلاب، لأفواه الكلاب مفتوحةًً، ثقةً منها بأخلاق تلك الكلاب، وبحقّها في العواء، والتنفّس براحتها، والتثاؤب بأفواه تنفتح علي وسعها، وإبراز أنيابها النضيدة التي يحافظ عليها أصحابها بتفريشها بعد كّل وجبة دسمة..هل تأكل كلابهم غير الوجبات الدسمة الغنيّة بالفيتامينات، والسعرات الحرارية، المنعشة لطاقتها، والقيام بواجباتها الحضاريّة...
باردو في تصريح نقلته صحيفة تريبيون دي جنيف ، دافعت عن الكلاب بحجج قويّة : لا أعتقد أن كلباً من نوع يوركشير، أو كلباً صغيراً يمكن أن يشكّل أي تهديد للناس...
أضافت ب ب : للأسف تدفع الكلاب ثمن جهل وعدم مسؤوليّة وسوء سلوك أصحابها...
الجريدة تخبرنا بأن عدد الكلاب في جنيف يبلغ 30 ألف كلب من شتّي الأصناف والأصول.
الجينيفيون انقسموا تجاه القرار، فبعضهم فقط يوافق، وعلي مضض، علي تكميم أفواه الكلاب الكبيرة!.
قارئ نزق ردّ علي القرار بحجة غير حجّة بريجيت باردو : يمكننا أيضاً أن نكمم أفواه أولئك الذين يدفعوننا للجنون في المواصلات العامّة بمكالماتهم الهاتفيّة الصاخبة!...
عندما مزّق كلب طفلاً تركيّاً قرب زوريخ لم يتّخذ هذا القرار، ولكن بعد نهش طفل سويسري، ونقله للمستشفي، وخضوعه لخمس عمليات جراحيّة.. اتخذ القرار!
أنا شخصيّاً أحّب الكلاب، وأحترم من يعني بسلامتها، في أي مكان من هذا العالم القاسي غير المعني بأطفال فلسطين والعراق...
العالم الذي لا يسمع صوت ندي الآتي عبر الهاتف من غزّة : جدّو..أنا بخاف من التيّارة!
يعني يا جدّي أنا أخاف من الطائرة!
هكذا تبدأ رحلة الطفل الفلسطيني في زمن (إسرائيل)، والحصار العولمي الأمريكي، الأوروبي، العربي الرسمي..رغم حفلة الدروشة والزار في مكّة التي تمخّضت عنها حكومة سياميّة ألصقت دون حّب، أو رغبة، وبكراهية، وشّك..ودون ضمانات تكفل هذه الأخوّة الإجباريّة، فكّل واحد له اتجاه، والذي يتمزّق هو شعبنا...
وأنا صغير يا جدّو خفت من تيّارة لاحقتنا إلي (بيت جبرين) ألقت (قيزان) قطع يّد جارتنا..وجدّك عاش بالصدفة..آمل أن تعيشي يا ندي الفلسطينيّة وصحبك كما يعيش أطفال العالم...
نعود للكلاب : الكلاب لا تعّض دائماً، حتّي الكلاب الضخمة المخيفة يمكن أن تهرب دون تفسير لسلوكها إذا ما بوغتت بخطر ما، أو بمن لا يخافها...
أنا لا أفهم في علم نفس الحيوان، والذين يتخصصون في هذا (العلم) لهم دراسات بذلوا فيها جهداً يقدّر، وإن كنت لا أدري ما هي وجهة نظر الكلاب في تلك الدراسات التي هي أنبل وأصدق وأكثر نزاهة من دراسات جماعات (الأنجزة) عن شعبنا الفلسطيني، والتي هي تقارير استخباريّة تمّهد للفتك بشعبنا بعد جمع كل المعلومات حول مكوناته الروحيّة والاجتماعيّة والنفسيّة والثقافيّة...
يوم 3 نيسان 2007 ـ التاريخ هنا ضروري ـ في مدينة هامبورغ الألمانيّة، هاجم صاحب كلب ضخم، الوصف لجريدة ألمانيّة، ونقل الخبر للعربيّة بدون توضيح إن كان الكلب هو الضخم أم صاحبه!
المهّم، صاحب الكلب هاجم شرطيّاً و..عضّه بعد أن فرّ كلبه نائياً بنفسه عن صراع صاحبه مع الشرطي!
يعني الكلب تخلّي عن صاحبه بعد أن رآه يعّض الشرطي، فالعّض للكلاب، وما دام صاحبه قد أخذ دوره ومهمته في العّض فلا يؤتمن جانبه، لأن من يعّض الشرطي قد يعّض الكلب نفسه..وياما عضّت كلاب رجالاً..لماذا رجالاً وليس نساءً ؟ ربّما لأن الرجال عدوانيون خشنون وغير ودودين، رغم أن هناك ما ينفي هذه الفكرة، فقد رأينا كلباً إسرائيليّاً، من وحدات جيش الدفاع وهو ينهش يّد امرأة فلسطينيّة مقدسيّة، ويمعن في نهشها والجنود المتحضرون يتأملونه بوّد، ويعاملونه برفق، فهي عربيّة و..هو مشمول بالوعد بأرض الميعاد، وهذه هي الديمقراطيّة!...
نحن في بلادنا العربيّة لا مشكلة لنا مع الكلاب، لأن أصحاب الكلاب هم الذين يعضوننا، وينهشوننا، وينبحون علينا بقوانين مكتوبة، وغير مكتوبة وكلّها لا تخضع لاستفتاءات، ولا تناقش في الصحف، ولكنها تسقط علي رؤوسنا كالمصائب، ومن يقترفونها لا يتوقعون منّا أن نعضّهم، أو حتي ننبح عليهم من قبيل تذكيرهم بأن لنا حقوقاً و..أنيابا قد نستخدمها إذا ما فارت دماؤنا!.
في البادية يستفاد من الكلب فهو ينبح الطرّاق، عابري السبيل، وينبّه لهم، ويأخذ منهم موقفاً عدائيّاً إلي أن يتبيّن أصحاب المضارب إن كان المنبوح عليه ضيفاً مسالماً، أو لصّاً...
وهو للفلاحين حارس القطيع، والبيت، يهّز ذيله لصاحبه علامة الولاء والحّب، والفرح بعودته بعد غياب.
الكلب عند العرب يتّصف بالأمانة، والشاعر الجلف القادم من البادية علي بن الجهم خاطب الخليفة الأموي (نسيت اسم الخليفة وحفظت ذاكرتي اسم الشاعر):
أنت كالكلب في الأمانة
وكالتيس في قراع الخطوب
والخليفة لم يزعل، بل أوعز بأن يترك في البلاط، في القصور، في الحدائق الغنّاء وبين الجواري الخنّس، علي ضفاف دجلة، ثمّ..بعد ستة أشهر مثل بين يدي الخليفة، وقرأ:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوي من حيث ندري ولا ندري
من وصف الخليفة بالكلب ـ لم يزعل ويأمر بقطع رأسه ـ إلي عيون المها...يعني عيون البغداديات...
آه يا عيون البغداديات النائحات الباكيات اللاطمات النادبات!
آه يا رصافة ويا جسر، ويا دجلة!
الكلاب الأمينة التي تحرس البيوت هربت، وبدلاً منها استُجلبت كلاب تنهش، وتبتر، وتمزّق، وكلاب محليّة تنبح بشعارات ومقولات تجعل الحياة مكلبةً!
الكلاب حاليّاً سيّدة شوارع بغداد، والناس يلوذون وراء الأبواب مرعوبين، جائعين...
في بلاد العرب الأفواه مفتوحة ولكن للفراغ، فهي أفواه ليست للكلام، ولا لتذوّق الطعام، ولا للتقبيل، ولا للغناء...
بريجيت باردو تنافح عن حريّة أفواه الكلاب، وتحمّل أصحابها مسؤوليّة أخطائها!
في بلادنا من يفتح فمه عليه أن يهاجر، وهذا لم يعد متاحاً، فالقوانين باتت صارمة في تحديد الهجرة!
الكلب الألماني هرب، تخلّي عن صاحبه الذي عضّ الشرطي، لأن المعركة ليست معركته!
بلاد الله واسعة، وهو سينبح علي كيفه في الشوارع، وخارج الأحياء، أو عندما يقاد إلي مراكز إيواء الكلاب الضّالة!..ليس من الضلال، ولكن لأنها مقطوعة من شجرة فلا أصحاب لها يعتنون بصحّتها البدنيّة والنفسيّة.الدولة راعية (هناك) حتّي للكلاب، وفي بلادنا تحوّل المواطنين إلي كلاب يمنع عليها إلاّ النباح التأييدي.
في دول العرب يوصف المعارضون بالكلاب الضّالة!..وماذا عن (الموافقين)؟إنهم الكلاب المدللّة، لأنهم مرضي عنهم، ينبحون وقت يؤمرون، يمعنون في المديح دون أن يطلب منهم. أبدانهم صحيحة سمينة..وصحّتهم النفسيّة لا تعنيهم، فلا نفوس لهم، فهم ينتمون لدول تكميم الأفواه العربيّة، حيث حوّل البشر إلي كلاب...