أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
لجنة فينوجراد ومثلث الفشل الإسرائيلي: أولمرت، بيريتس وحالوتس !!

بقلم : مسلم مناصره محاميد ... 1.5.07

من المعلوم أن الفشل الإسرائيلي في حرب تموز الأخيرة، منوط بمثلث الفشل المتمثل برئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه ورئيس أركان جيشه. وكما قيل في المثل الشعبي "جاجة حفرت على راسها عفرت". ,, ونحن هنا لا نصبو في هذا المقال لتحليل النتائج العسكرية لهذه الحرب، ذلك أن التحليلات ما زالت تعتمد على معلومات أولية، وأن معظم البيانات حول هذه الحرب ما زالت سرية وغير مسموح بها للنشر، كما وأننا تطرقنا في مقال سابق لتحليل النتائج الأولية للحرب. ولكن ما يسعى إليه هذا المقال، هو السياسة العامة في موضوع الحرب والأمن عند الإسرائليين، وأثر ذلك على مكانتها العسكرية.والجميع يعلم، أن الإبداع القتالي لمقاتلي حزب الله كان سبباً وعنصرا اساسيا لا يحتمل النقاش في هزيمة الجيش الإسرائيلي في الحرب. ولكنّ أسباباً أخرى لعبت دورا هامّاً في ذلك، وهي في غالبيتها أسباب تتعلّق بالسياسة العامة العسكرية الإسرائيلية. ولعلي أجمل هذه الأسباب بالتالي:
1. لقد لعبت العنجهية الإسرائيلية دوراً هامّاً في الفشل في حرب تموز الأخيرة، ذلك أن الجيش الإسرائيلي الذي طالما ادّعى بأنه لا يُقهر، قد وجد نفسه عاجزا عن صدّ ثلّةٍ من المقاتلين اللبنانيين. وهذا يعود العجز يعود إلى مسبّبين رئيسيين، أولهما منوط بالجيش الإسرائيلي ، وثانيهما منوط بحزب الله. أما ذلك الذي يتعلق بالجيش الإسرائيلي، فيذكرني بقصة الأرنب والسلحفاة الذّينِ اتفقا على أن يتسابقا في الوصول إلى هدف ما. فأخذت السلحفاة تجرّ أقدامها المتثاقلة، تكاد لا تنتقل خطوةً إلاّ بعد جهد وعناء، وأما الأرنب فقد قفز قفزاتٍ قليلة لم يعد بعدها يرى السلحفاةَ خلفه. وعندما تأكّد الأرنب من أن السلحفاة لن تصل إليه، استلقى ليستريح فداعب جفنيه نعاس نسائم الغابة فأخذته سنةٌ لبعض الوقت. ولكن السلحفاة ظلت على دأبها تنقل خطواتها حتّى مرت بالأرنب نائمان فنظرت إليه مبتسمة وتابعت مسيرها. استيقظ الأرنب وقفز وقفز حتّى وصل الهدف، فإذا بالسلحفاة تتربّع على عرش ذلك المكان معلنة أنّ التصميم والإرادة هو أساس النجاح والتفوق. فالإسرائيلي الذي استخفّ بقوة حزب الله، حسب أنّ الغلبة ستكون حليفته بمجرّد معالجة هذه الثلة من المقاتلين لبضعة أيام يكون فيها حزب الله في عداد التاريخ الماضي، إلا أن العكس هو الذي حصل. أما الأمر المنوط بحزب الله، فهو الذي ينطبق عليه المثل القائل "الحاجة أم الاختراع". فحزب الله الذي لا يعتبر لاعباً دولياً، بل منظمةٌ صغيرةٌ نسبياً، وجد عملاق العدو أمامه وبحر الهزيمة وراءه، فعلم أن عليه أن يخرج من هذا المأزق منتصراً. وعلى ما يبدو أن حزب الله كان على علم –من حيث تقدير قوة وضعف الخصم- أن إسرائيل لا تقيم لقوته وزناً، فاستطاع أن يستغلّ الموقف بذلك وأن يخرج من الحرب غير مهزوم.
2. هنالك تداعيات تراكمية ناتجة عن سياسة عامّة ينتهجها الساسة الإسرائليون، وهي نابعةٌ من ثقافة التمسك بالمنصب وعدم الاستعداد للاستقالة. وهذا الأمر وارد ليس في المجال العسكري فحسب، بل في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية وغيرها. فقلما وجدنا أن مسؤولاً إسرائيلياً استقال لأن سياسته أدت إلى فشل ما. بل نجده على الأغلب يعلّق ذنوبه وتقصيراتِه على مشاجب أخرى يختارها إما لأنها أكثر ضعفاً منه أو لتصفية حسابات سياسية بينه وبين أحد هذه المشاجب.وها نحن نرى في أول تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرتن بأنه لن يستقيل من منصبه رغم أن لجنة فينوجراد قد حدّدت أن أسباب الفشل باتت واضحة –وأن لم أوافق أنا شخصيا على أن هذه الأسباب هي وحدها السبب في هذا الفشل-. وقرّرت اللجنة أن أولمرت وبيرتس وحالوتس هم أساس هذا الفشل. وإن كان حالوتس هو أولَ المستقيلين، وهو ربما الوحيد الذي أبدى أن لديه شيئاً من المسؤولية، إلا أننا نجد مقابل ذلك أن الشخصين الذين يفوقانه منصباً، والذين يعتبران أكثر منه مسؤولية عن نتائج الحرب، قد تمسكا حتّى هذه اللحظة بمنصبيهما. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، فلطالما رافق الفضائح الكثيرة تصميم المسؤولين عنها بالتمسك بمناصبهم، ومنهم شارون، ونتانياهو، وباراك وغيرهم.
3. على ما يبدو أنّ التقديرات العامة للخصم، لم تكن سليمة على مستوى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وبالمفاهيم العلمية العسكرية، يجب على كل طرف من الأطراف المتخاصمة، أن يقدّر قوة خصومه وأن يعرف ما يمكن أن يدور في أذهانهم وهو ليس بينهم، وهذه هي أصلاً العظمة في الفكر العسكري والاستخباراتي بل والمخابراتي أيضاً. ويعتمد العسكريون في ذلك على الكثير من النظريات العلمية المتصلة بالعلاقات الدولية وعلم النفس والرياضيات، منها مثلاً ألعاب رياضية تستعمل رياضياً لتحديد ماهية وكيفية اتخاذ القرار في ظروف غامضة جدا، كظروف تقدير قوة العدو وقدرته ونواياه، ولا يتسع المجال هنا لذكرها وتفصيلها. ولكن ما يمكن قوله هنا إن الأجهزة المسؤولة عن تناقل البيانات والمعلومات الاستخباراتية قد فشلت في توقير المعلومات الصحيحة. ولعلّي أستطيع أن أربط هذا السبب بالسبب الأول وهو العنجهية العسكرية، التي هي أيضاً عنجهية مخاباراتية واستخباراتية.
وخلاصة القول: إن السياسة العامة اللذي ينتهجها الإسرائيليين، والمتمثلة بالكِبْر[التعالي] والعنجهية، وعدم الاعتراف بالخطأ والتقصير ومن ثمّ الاستقالة هي سبب الفشل المتواصل في كل مناحي الحياة الاسرائيليه. وما يثير العجب أن الإسرائليين يعتبرون أنفسهم مجتمعاً ديموقراطياً غربيا، في حين أن الدول الغربية عموماً لا تقبل أن يتمسك مسؤول بمنصبه إذا تبيّن أنه كان سبباً في فشل ما!!.

الكاتب: فلسطيني من مدينة ام الفحم ,خبيرعسكري واستراتيجي.