أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
اغتيال رئيس..

بقلم : رشاد أبوشاور ... 3.1.07

هاتفني صديقي الدكتور أحمد الصديق، المحامي التونسي، عضو هيئة الدفاع عن الرئيس صدام حسين، وأخبرني باسم الفندق المتواضع الذي يقيم فيه، وفي طريقي للالتقاء به، كان سؤال واحد يشغلني، بعد إصدار المحكمة المنصبة أمريكياً حكم الإعدام بحقه:
ـ هل للأمريكان مصلحة في إعدام الرئيس صدام حسين، وماذا ينفعهم هذا؟
علي غير عادته كان في صوت صديقي أحمد شيء من الحزن والتسليم بالأمر الواقع:
ـ كنت أعتقد بأنه ليس للأمريكان مصلحة في إعدام الرئيس صدام، ولكنني بت متأكداً أن بوش وإدارته يريدون إعدامه والتخلص منه.
كان صديقي قد أنهي مع بعض أعضاء لجنة الدفاع (دفوعهم) علي عجل لمحكمة التمييز، بلا أدني أمل بأن يتغير شيء، فالأمر بات واضحاً، والمحكمة كما قال الدكتور نجيب النعيمي بعد تنفيذ عملية الإعدام البشعة: كانت ضحكاً علينا...
الجهل والاستهتار من صفات إدارة بوش، تضاف لها الحماقة التي لا دواء لها، وهي بعقلية المجرم تهرب من جريمة لتغطيها بجريمة جديدة تزيد من ورطتها.
ـ لماذا أعدموه اليوم تحديداً، يوم عيد الأضحي ؟
أي رب يقدم بوش الصغير رئيس دولة أسيرا أضحيةً له ؟! ألا يعرف بوش الصغير وإدارته معاني يوم عيد الضحي عند مئات ملايين المسلمين في العالم ؟!
ـ ولماذا يصرح (شخبور) الفارسي، والذي يتخفي باسم عربي، وكنية عشيرة عراقية عريقة هي (الربيعي )، بأن العيد هو يوم غد، متجاهلاً أن عيد الأضحي هذا اليوم هو عيد الأكثرية الساحقة من المسلمين في العالم ؟
صدام حسين، رئيس العراق، سلمه الأمريكان لأدواتهم لإعدامه، بادعاء أن القضاء العراقي هو الذي حكم، والسلطات العراقية هي التي تنفذ.
يحدث هذا والعراق مستباح باحتلال أمريكي، يمضي بالعراق من محنة إلي محنة.
إدارة بوش الغارقة في المستنقع، مع تفاقم خسائرها الفادحة بضربات المقاومة العراقية، تخطط للبقاء في العراق، وهي تريد بإعدام الرئيس صدام حسين أن تعمق الشرخ الطائفي، وتلعب عليه، وبه، فبإنهاك العراقيين، واستنفاد حيويتهم، وإغراقهم في الحقد، وإشغالهم في الثارات المتبادلة، يوجد الاحتلال مبرراً لبقائه، بعمالة أطراف تربط مصيرها به، دورها تأجيج العصبية الطائفية، وزعامات لا تؤمن بدين، ولا بوطن، لا انتماء لها، وهذا ما نراه في عراق الاحتلال الأمريكي، والنفوذ التخريبي الإيراني، والعبث الصهيوني، وهذا ما رأيناه في (الأنشوطة) التي عقدت حول عنق الرئيس صدام حسين، والتي تلتف حول عنق العراق العربي لقتل انتمائه تماماً، وتحويله أثراً بعد عين.
إعدام الرئيس صدام حسين، وهو عندي عملية اغتيال، تضاف إلي مسلسل جرائم إدارة بوش، يرمي إلي إشعال الحرب الطائفية، لا في حدود العراق، ولكن بعيداً عن العراق، بين سنة وشيعة، وهنا تلتقي الأهداف الأمريكية و(الإسرائيلية)، ولا يغيبن عن بال أحد منا أن ميدان المعركة يمتد إلي لبنان، وفلسطين، فلسطين التي ستبقي دائماً السؤال، وكلمة السر، والنداء لليقظة، وميدان الفرز بين عدو وصديق...
إدارة بوش هي من يتحمل وزر جريمة إعدام رئيس العراق صدام حسين، أسير الحرب في قبضتها، بنفاق غرب ما زال يعيش بعقلية استعمارية عنصرية، فتصريحات وزيرة خارجية بريطانيا أعادت إلي ذاكرتنا كل تاريخ نفاق وعنصرية الإمبراطورية البريطانية، فبريطانيا ترفض عقوبة الإعدام، وتدعي أنها لا تتدخل في سيادة واستقلالية القضاء العراقي!
المواطن العربي الجريح الروح، الذي يئن تحت وطء الفقر، الذي تحيط به المصائب من كل قطر من أقطار وطنه الكبير، ازداد عيده كآبة، هوالذكي القلب الخبير في نذالة مواقف حكامه واستخذائهم وخذلانهم، وهو يسمع تصريحات رسمية تافهة عن الأسف والاستغراب لإعدام الرئيس صدام حسين يوم عيد الأضحي !
هم فقط ما كانوا يريدون للإعدام أن ينغص عليهم الاحتفال بيوم العيد، بما فيه من تقبيل أنوف، وأكتاف عريضة مكتظة بلحم مترهل ،والاستمتاع بنعم لم يتعبوا في جنيها، ويحرمون من فتاتها رعايا غرباء في أوطانهم.
ربما يحتسب لمعمر القذافي أنه أعلن الحداد في ليبيا لثلاثة أيام، وإلغاء مظاهر العيد، فهوعلي الأقل فعل أضعف الإيمان، وشارك ملايين العرب والمسلمين مشاعرهم...
مضي صدام حسين إلي الموت مرفوع الرأس، شجاعاً، يهتف لأمته، ولفلسطين، وللعراق.
وهو في أصعب اللحظات دعا العراقيين للمصالحة الوطنية، والتسامح، والمقاومة.. فهل بغير المصالحة الوطنية، والتسامح، والمقاومة يخرج العراق مما يدبر له، حراً مرفوع الرأس؟
العراق بات مقبرة كبيرة، موتاًَ يومياً مروعاً، فتنةً تعصف بالعائلة الواحدة، أرضاً للندب والخراب، نخيله يبكي، وأنهاره تنوح، ونساؤه يتشحن بالسواد، والجميع شعر بحزن وفقدان وحسرات، والاحتلال الأمريكي هو السبب، والمجرم هو كاوبوي البيت الأبيض الحاقد والمريض والفاشل جورج بوش الصغير.
رحل صدام حسين، ولكن العراق باق، فهو وجد قبل صدام وبعده، وفي حياته حكام كثيرون ماتوا قتلاً واغتيالاً، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولكن العراق دائماً عاد للحياة كما في أساطيره التي تجسد الانبعاث وديمومة الخصب.
لم يحاكم صدام من شعبه علي أخطاء اقترفها اثناء حكمه، أمام محكمة عراقية، بعدل عراقي، ولأن قاتله أمريكي محتل غاشم، فإن ملايين العرب والمسلمين يتعاطفون مع صدام حسين ويبكونه قهراً من هذا الهوان العربي.
العدالة لا يمكن أن تتحقق بأيدي الغزاة المحتلين، وحكام أمريكا بالنسبة للعرب والمسلمين والناس العالمثالثيين هم الشر والظلم والطغيان.
في اليوم الأخير من هذا الشهر الأخير من العام 2006 بلغ عدد القتلي الأمريكان المعترف بفقدهم رسمياً 3000 قتيل، والجرحي زادوا عن 22000 ألفاً، وبوش في العام 2005 نفخ صدره وأعلن : نحن نكسب الحرب، وفي مطلع العام المنصرم 2006 هز منكبيه واعترف : نحن لا نخسر الحرب ولا نكسبها في العام 2007 المقاومة العراقية هي التي تقول وتفعل...
هذا الإعدام السياسي رحبت به (إسرائيل) وقادة إيران، وبلغ الأمر برفسنجاني أن اعتبره عدلاً إلهياً..مع أن هذا (العدل) نفذه الشيطان الأكبر!
هنا التقت المصالح، الثأر والانتقام، تقاطع مصالح الشياطين، لا حول عنق صدام، ولكن حول عنق العراق العربي، العراق الذي تفترسه وتمزقه أمريكا بوش، عدونا رقم واحد، راعية الكيان الصهيوني...
ليس للعراق والعراقيين غير المصالحة، والتسامح، ووضع العراق فوق كل اعتبار، وتوجيه السلاح كله صوب محتلي العراق...