أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
خطيئة أمريكا.. !!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 17.11.06

بالأرقام هو الفيتو رقم31 ضد فلسطين وشعبها. وبلغة واضحةً بدون لّف ودوران: هذا الفيتو برهان جديد علي أن سياسة أمريكا جمهوريّة وديمقراطيّة ثابتة الانحياز للكيان الصهيوني، فيّد مندوب أمريكا الديمقراطي في مجلس الأمن قد ترتفع بدون تشنّج، ويّد بولتون تنتفض في حركة متشنّجة، وتشرّع في وجه العالم مهددة متوعدة وآمرة.
نعل بولتون قبل يده محقت مشروع القرار (العربي) الذي غيّر، وبدّل، وخفف، عدّة مرات ليحظي برضي الإدارة الأمريكيّة ممثلةً ببولتون العدواني، والجدير بتمثيل سياسة أمريكا الثابتة الانحياز والرعاية والحماية للكيان الصهيوني.
هذه هي الشرعية الدوليّة يا سادة: السطوة أمريكيّة، والخنوع دولي، في زمن الاستخذاء العربي الرسمي المذّل المهان أمريكياً.
المواطن العربي البسيط غير المعني بالتوثيق والأرشفة لبدايات الانحياز الأمريكي للمشروع الصهيوني قبل نجاح العصابات في انتزاع أغلب أرض فلسطين، وطرد وتشريد مئات الألوف من العرب منها، يعرف عملياً مدي انحياز الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة من عدد الطائرات، والمدافع، والدبابات، وأرقام المليارات من الدولارات الداعمة لتأسيس وتوطيد هذا الكيان، ولقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين بالأسلحة الشديدة التطوّر، المشحونة فوراً من مصانعها لتصل إلي جيش الاحتلال قبل أن تصل إلي وحدات من الجيش الأمريكي نفسه!
علي شاشات الفضائيات العربية التي استفتت بعض الفلسطينيين، كان جوابهم عن ما يتوقعونه من مجلس الأمن واحداً : لا نتوقّع إنصافاً ولا عدلاً، وأمريكا هي السبب.
شطّار السلطة الكئيبو الوجوه، لا حزناً علي المذبوحين في بيت حانون، ولا كمداً علي عائلة (العثامنة) والطفلة (مرام) ابنة السبعة أشهر التي رفعها المشيّعون عالياً في وجه العالم، ولكن لفقدانهم بهجة مناصبهم السلطويّة، يظهر بعضهم علي الفضائيات مباشرة بعد فيتو أمريكا الجديد، فتسمع منهم أعاجيب التحليلات : كنّا نتوقّع الموقف الأمريكي، ومن مقدمة تبدو حازمة ينتقل مائة وثمانين درجة: ولكننا مع ذلك يجب أن نتعامل مع أمريكا لأنها الدولة الأعظم والأقوي.
هذا الصنف من البشر ينتمي لمدرسة سياسية تفاقم فسادها، اعتادت أن تنطق بنصف الحقيقة في المقدمّة ثمّ تقفز إلي استنتاجات مناقضة، صنف اعتاد اللعب السياسي، تهيمن مصالحه وامتيازاته التي كسبها من دم شعبنا أعلي وعيه وضميره الوطني فتغلّفها بطبقة من النفاق والتدليس.
هؤلاء ينطلقون يخفون جبنهم وتواطؤهم بالسؤال التالي : أتريدنا أن نحارب أمريكا؟!
وهكذا يضعونك في موقع المغامر المتطرّف، بينما هم واقعيون، عمليون، براغماتيون، طويلو نفس، لا يحاربون أمريكا، ويجنحون للسلام مع الكيان الصهيوني مهما اقترفت يداه، ويجاملون كل الحكّام العرب علي حساب فلسطين وآلامها!
هؤلاء لا نطالبهم بشّن حرب عصابات علي أمريكا، ولكننا لا نقبل منهم القفز علي حقيقة أن أمريكا منحازة بالكامل للكيان الصهيوني، عن وعي بالارتباط المصيري، لا عن نقص في المعلومات وجهل بجوانب القضيّة الفلسطينيّة.
من تابع البّث المباشر للجلسة الأولي لمجلس الأمن لم يدهش وهو يري بولتون مندوب أمريكا أكثر عنفاً في كلمته أمام المجلس، وأبعد عدوانيّة حتي من ممثل الكيان الصهيوني، ناهيك عن الصلف والعجرفة والاستهتار!
آن الأوان علي الأقل أن يعبّر الساسة الفلسطينيون عن واقع الحال، وعن وعي الشعب الفلسطيني ومصلحته، فيعلنوا بأن أمريكا اختارت دائماً أن تكون عدواً لفلسطين وشعبها، وأنها غير مؤهلّة لأن يكون لها دور في أي عمليّة سلام ما لم تغيّر مواقفها، فما بالك أن تكون راعية لعمليّة السلام، مهيمنة علي (الرباعيّة) محّط أمل الساسة العرب الرسميين، والفلسطينيين (الواقعيين) الذين يتحرّكون ويصرّحون ويتصرّفون من موقع الحرص علي مستقبلهم (السياسي) لا مستقبل فلسطين وشعبها!
أمريكا لا تكتفي بالعداء السياسي، ولكنها تمارس دوراً عسكريّاً ميدانيّاً، وتقتل شعبنا.
إذاعة الكيان الصهيوني الرسميّة ذكرت نقلاً عن مصادر عسكريّة أن ضبّاطاً أمريكيين يشرفون علي عمليات الجيش في قطاع غزّة، وأن عمل هؤلاء الضبّاط هو وضع الخطط الاستراتيجيّة والميدانيّة لقيادات الجيش (الإسرائيلي)، وكيفيّة تنفيذها في القطاع. ( الدستور الأردنيّة الأربعاء 5 تشرين الثاني الجاري).
صباح الإثنين 13 الجاري نقلت (الجزيرة) خبراً من بغداد يقول بأن المارينز هاجموا حّي (البلديات) حيث تقيم عائلات فلسطينيّة، واعتقلوا ثلاث نساء، وسرقوا، نعم سرقوا ما وجدوه من مال!
هم في غزّة يقاتلوننا، وفي بغداد يطاردون ما تبقّي من العائلات الفلسطينيّة، ويسرقون ما يقع تحت أيديهم من مال تماماً كزملائهم وحلفائهم جنود جيش الاحتلال في (بيت حانون) الذين سرقوا ما وجدوه في بيوت الفلسطينيين (أخلاقياتهم واحدة)!
ومع ذلك سيقفز (السياسيون) الفلسطينيّون عن الدور الأمريكي الميداني العسكري.. وهؤلاء باختصار يفسدون الوعي، ويسهمون في الحصار، وفككوا الصفوف، ومكّنوا سياسة الحصار الأمريكيّة (الإسرائيليّة) العربيّة الرسميّة من خنق شعبنا.
الوحدة الوطنيّة، ووضوح الهدف، والتفريق بين العدو الذي يعادينا ويمعن في العداء.. وبين الصديق، هذه أسلحة شعبنا الماضية في معركة وجوده.
عدونا يعربّد علي شعبنا لأن صفوفنا تخلخلت، والعقلية المساومة استشرت، وهدفنا ارتبك.
دماء أهلنا في بيت حانون هي فرصة كبيرة لجمع صفوفنا نحن الفلسطينيين، ومواجهة السياسة الأمريكية بحقيقة أنها اختارت دائماً أن تكون عدواً لنا، وأننا لا نثق بها، وأننا لن ننافقها علي دمنا، وأرضنا، ووجودنا، وحقّنا.
نحن لا نحمل السلّم بالعرض، نحن لا نريد أن نكون سلّماً يصعده أعداؤنا، والمساومون علينا، بما في ذلك نظم الحكم العربيّة الرسميّة التي تنادي وزراء خارجيتها واجتمعوا في مقّر الجامعة العربيّة بالقاهرة، والتي وقف أمينها العام في ختام المؤتمر ليعلن بأن السياسة الأمريكيّة تتغيّر في العراق، أي يمكن تغييرها بالإقناع!
السياسة الأمريكيّة تتغيّر في العراق بفعل المقاومة، لا بسياسة الاستجداء (العربيّة).
مجزرة بيت حانون لفظاعتها، ولأن شهداءها سقطوا في مكان واحد، وأغلبهم من عائلة واحدة، جمعت مجلس الأمن، ووزراء الخارجيّة العرب.. ولكن المجزرة مستمرّة في قطاع غزّة قبلها بأسبوع، فيوم الجمعة 3 من هذا الشهر سقط 16 شهيداً في عدّة أماكن من القطاع، وربّما لهذا لم يهتّز الضمير، ولأنّ العرب الرسميين لا يجيدون (الضرب) فهم عاجزون عن (جمع) أعداد الشهداء عندما يسقطون في أكثر من مكان، إنهم عرب (قسمة) حقّاً!
ليتفادي (أولمرت) التنديد بمجزّرة بيت حانون، ادّعي ان السبب فيها هو مجرّد خطأ تقني!..
الخطيئة الحقيقية هي في وجود هذه (الدولة) وعدوانيتها، وهي (خطيئة) أمريكيّة، ومن يبرّر هذه الخطيئة، ويلح علي الاعتراف بوجودها مشارك في الخطيئة أياً كان.

* كاتب وروائي من فلسطين يقيم في الأردن