أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
الوصفة الإسرائيلية لإبادة البشرية!

بقلم : د.فيصل القاسم ... 15.10.06

تفيد الأنباء الواردة من الجزء الباكستاني من مقاطعة كشمير بأن عشرة جنود كشميريين عبروا الحدود إلى الجزء الهندي من المقاطعة، وأطلقوا النار على ثكنة عسكرية هندية، فأردوا ثلاثة جنود قتلى، وأسروا جنديين، ثم عادوا إلى قواعدهم بسلام. وما أن وصل الخبر إلى مسامع الحكومة الهندية حتى عقدت اجتماعاً طارئاً حضره وزير الدفاع وكبار ضباط الجيش والاستخبارات. وقد قرر المجتمعون الرد على الاعتداء الكشميري على وجه السرعة. وبدأت الطائرات الهندية على الفور بقصف الأحياء المدنية في العاصمة الباكستانية وضواحيها انتقاماً للجنديين الهنديين الأسيرين. وقد طال القصف الجوي الهندي الذي شاركت فيه مئات الطائرات، الجسور والمشافي والقرى الآمنة ومحطات التلفزيون والإذاعة الباكستانية ومحطات توليد الطاقة في إسلام أباد وراوالبندي، وسيارات الإسعاف والإغاثة، والمرافئ البحرية، والمصانع، بالإضافة إلى المطارات العسكرية والمدنية الباكستانية، مما شل حركة الطيران من وإلى باكستان. هذا ولم يعد بإمكان الباكستانيين السفر من منطقة إلى أخرى بعد أن دمر الطيران الهندي معظم الطرق في البلاد وقطــّع أوصالها.
كما تعرضت الضاحية التي تقطنها جالية كشميرية في العاصمة الباكستانية إلى قصف وحشي مركز منذ ثلاثة وثلاثين يوماَ، مما حولها إلى ركام. هذا وقد وصل عدد الباكستانيين الذين هجروا المناطق المحاذية للحدود مع الهند إلى حوالي مليون شخص، وذلك بعد أن حوّل الطيران الحربي الهندي قراهم ومدنهم إلى أنقاض، مستخدماً أسلحة محرمة دولياً. وتفيد التقارير الواردة من المنطقة بأن الطائرات الهندية قد استهدفت بعض قوافل النازحين، وأصابت العشرات منهم بين جريح وقتيل. ولم تسلم من القصف الهندي بعض دور العجزة وروضات الأطفال بحجة أن المقاومة الكشميرية تخبئ داخلها بعض الصواريخ والأسلحة التي تستخدمها في هجماتها على القوات الهندية. وقد أدى الهجوم الهندي على باكستان حتى الآن إلى قتل أكثر من ألفي شخص من المدنيين وجرح ألوف آخرين. هذا وقد قامت الهند بفرض حصار جوي وبري وبحري على باكستان عقاباً لها على السماح لجنود كشميريين بقتل ثلاثة جنود هنود وأسر جنديين آخرين.
وبعيداً عن شبه القارة الهندية تفيد الأنباء الواردة من المنطقة الحدودية بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية بأن مجموعة من الجنود الجنوبيين تسللوا عبر أراضي الشمال ليلاً، وعندما تعرضوا لنيران من نظرائهم الشماليين أطلقوا عليهم عيارات نارية فأردوا اثنين منهم قتلى. وتسود المنطقة الحدودية بين البلدين حالة توتر قصوى بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الكورية الشمالية أنها ستلقن الكوريين الجنوبيين درساً لن ينسوه بسبب قتلهم اثنين من الجنود الشماليين. وقد أفادت وكالات الأنباء أن كوريا الشمالية حشدت آلاف الجنود على الحدود مع جارتها الجنوبية، وبدأت الدبابات الشمالية تتقدم باتجاه القرى المحاذية للشريط الحدودي فيما يشبه الاجتياح البري. وتتحدث التقارير أن المدرعات الشمالية دمرت العديد من القرى والبلدات الجنوبية وأوقعت آلاف القتلى والجرحى من المدنيين الجنوبيين، هذا في الوقت الذي دكت فيه طائراتها عدة مواقع مدنية داخل العاصمة سيول، بما فيها الجسور والطرق الرئيسية ومصانع السيارات والمشافي ومطار العاصمة الدولي. وقد أصبحت كوريا الجنوبية في حالة شلل تام بعد أن توقفت حركة الملاحة الجوية والبحرية. هذا وتشهد المنطقة الحدودية بين البلدين نزوح الآلاف من المواطنين الجنوبيين باتجاه العاصمة سيول. (انتهى الخبران).
لا شك أنكم أدركتم أن الخبرين المذكورين أعلاه لا أساس لهما من الصحة أبداً، ولا يمكن أن يكونا واقعيين بأي حال من الأحوال، لأنهما أقرب إلى جحيم دانتي منهما إلى الواقع. لكن أجزم أنكم اشتطتم غضباً، رغم معرفتكم أن الخبرين ملفقان، وتساءلتم بكثير من الذهول والعصبية: هل يعقل أن يأتي الردان الهندي والكوري الشمالي على قتل وأسر بضعة جنود بهذه الهمجية والبربرية وهذا الحجم والدمار والخراب المهول لباكستان وكوريا الجنوبية؟ ولا شك أنكم محقون تماماً في ردة فعلكم الغاضبة وعدم هضمكم وتقبلكم لطبيعة الردين الهندي والكوري الشمالي على حادثين تافهين جداً بالمقاييس العسكرية الدولية. لكن، لا تستغربوا أبداً، فهذا ما فعلته إسرائيل تماماً في لبنان رداً على حادث سخيف جداً بمعايير العلاقات الدولية، ووجدت من يبرر لها فعلتها الوحشية على مستوى الأنظمة العربية والمثقفين والإعلاميين، فقد ثارت ثائرة بعض الدول العربية ووسائل إعلامها الناطقة بالعربية ومأجوريها على قيام حزب الله بأسر جنديين إسرائيليين وحملته بكل صفاقة ووقاحة لا يتخيلهما عقل مسؤولية العدوان الإسرائيلي المهول والهمجي على لبنان.
لماذا تعتقدون أن الردين الهندي والكوري الشمالي على باكستان وكوريا الجنوبية لا يمكن أن يقبلهما أو يتخيلهما عقل، بينما بررتم لإسرائيل استهدافها لبلد بأكمله واعتبرتم "مغامرة" حزب الله مسؤولة عما حل بلبنان من خراب ودمار لم تشهد الحرب العالمية الثانية مثيلاً له؟ لماذا اعتبرتم تصريح السيد حسن نصرالله الذي اعترف فيه بأنه لم يكن ليأسر الجنديين لو كان يعرف أن الرد الإسرائيلي سيكون بهذه الهمجية والبربرية، لماذا اعتبرتموه إدانة للمقاومة اللبنانية،لا بل تبريراً للعدوان الصهيوني الفاشي على لبنان، بينما تستغربون أشد الاستغراب الردين الهندي والكوري الشمالي، اللذين لم يصدقهما أو يبررهما عقلكم، على باكستان وكوريا الجنوبية؟
والفاقع في الأمر أن الكثير من المعلقين والسياسيين العرب مازالوا بعد كل الذي ارتكبته آلة التدمير الصهيونية في لبنان، ما زالوا يحمــّلون حزب الله المسؤولية. أليس من السخف والوضاعة والسفالة أن يستخدم البعض خروج حزب الله على إجماع وإرادة الدولة اللبنانية مبرراً للرد الإسرائيلي على لبنان؟ فهل يعقل أن نبرر البربرية الصهيونية حتى لو تهور حزب الله وأسر جنديين إسرائيليين؟ لماذا تدفع تلك الدولة ثمن ذلك التهور إذا تم خارج إرادتها؟ ألا يفترض ألا تزر وازرة وزر أخرى؟ والمضحك في الأمر أنه عندما يطالب البعض الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان بملاحقة إسرائيل قضائياً على جرائمها الحربية الرهيبة الأخيرة، يردون عليك بالقول: أليس مطلوباً أيضاً محاكمة الطرف الذي أشعل الفتيل في المقام الأول، وأن البادئ أظلم، وكأنهم يبررون ذلك الرد الإسرائيلي الذي ترفضه كل شرائع الدنيا على بلدهم؟
أليس حرياً بأصحاب هذا المنطق الأعوج أن يتواروا خجلاً وأن يخرسوا تماماً عن ترديد هذه الترهات التي يرفضها كل من لديه ذرة عقل وأخلاق وإنسانية؟ هل تقبل مصر والسعودية والأردن وحكومة السنيورة والحريري وجنبلاط أو أي دولة عربية أخرى أن يحدث لها ما حدث للبنان من دمار وهمجية وبربرية لمجرد أن بعض جنودها قتلوا أو أسروا بضعة جنود من قوات دولة مجاورة؟ ألا يخجل بعض الإعلام العربي من المبالغة في التركيز على «خطيئة» حزب الله بشكل مهول، وتحميله مسؤولية الدمار الذي أوقعته إسرائيل بلبنان، بينما كان يصور رد الفعل الإسرائيلي البربري بكل المقاييس كما لو كان حقاً مشروعاً. هل لاحظتم أيضاً تحميل النظام العراقي السابق كل ما حل بالعراق من خراب ودمار، وليس هناك كلمة واحدة عمن توعد بإعادة العراق إلى العصر الحجري وأوفى بوعيده، وكأنهم أيضاً يبررون كل ما فعله الأمريكان في بلاد الرافدين بحجة أن نظام صدام كان شريراً؟!!
كم أتعجب ممن يسمون بالليبراليين العرب الجدد (الحضاريين) و«متعهديهم» وهم يكوّمون اللوم على المقاومة اللبنانية لأنها استثارت الرد الإسرائيلي، ولا ينبسون ببنت شفة كيف أن ذلك الرد لا يتناسب، بأي معيار إنساني أو سياسي أو عسكري، مع الجرم اللبناني! ألا تحضنا الليبرالية أن نكون حضاريين ومتوازنين ومتفهمين لبعضنا البعض، وألا نتصرف بطريقة شُُذَّاذ الآفاق واللصوص والقراصنة وقطاع الطرق والمغول والتتار؟ من سخرية القدر لم أسمع ليبرالياً عربياً واحداً استغرب الهمجية الإسرائيلية الأخيرة بحق لبنان، فقد كانت كل مقالاتهم تجرّم حزب الله على استثارته للغضب الإسرائيلي!
هل أدمّر بيت جاري فوق رؤوس قاطنيه، أو أضرم النار في حديقته لمجرد أن ابنه الصغير اعتدى على ابني وأدمى أنفه، أو كسر لي حوض الورد في حديقتي؟ لقد سن الانجليز الذين نتشبه بهم في الصغيرة والكبيرة قانوناً يجرّم صاحب المنزل فيما لو استخدم القوة المفرطة مع لص سطا على بيته. فكيف إذن نبرر لإسرائيل اللجوء إلى كل الأسلحة المحرمة دولياً وأخلاقياً كي ترد على اعتداء بسيط جداً على قواتها؟ إن العالم المتحضر يتندر بقانون حمورابي القائم على مبدأ: العين بالعين والسن بالسن، على رغم عدالته، لأنه ينطوي على بعض القسوة، فهل يُعقل أن يبارك «القانون الإسرائيلي» القائم على مبدأ: جنديان مقابل بلد، أو سن بوطن؟
لو كانت العلاقات الدولية تــُدار بالعقلية الإسرائيلية المغولية لقلنا: باي باي لهذا العالم منذ أمد بعيد. ولو أن كل دولة ستتعامل مع الدول الأخرى بهذا المنطق الوحشي كلما تعرض أحد جنودها للأسر أو القتل على أيدي دولة جارة لكان العالم قد تحول منذ زمن بعيد إلى أنقاض وركام ومقابر جماعية ولأصبح أثراً بعد عين؟ فهل هذا ما يريده الذين جرّموا حزب الله وبرروا المغولية الإسرائيلية؟