أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
لبنان والحرب الأهلية!!!

بقلم : مسلم مناصره ... 13.9.06

إنّ النسيج الثقافيّ الذي يتكوّن منه لبنان، والذي يبدو قطعةً من الزخرف اتّسعت رقعة الألوان التي تشكّلها، وبدا عمقٌ كبير في تلك التشكيلة الديموغرافية المتمثلة بالطوائف التي تشكّل المجتمع اللبناني، هذا النسيج إنما يمكن أن يكون في مجتمعٍ كهذا على حالتين: الأولى، هي أن يعمّ ضربٌ من ضروب الاتصال بين الثقافات، مما يحدث تأثّراً وتأثيراً دائمين في سيرورة لا تنقطع ولكنها تلد الجديد كلّ يوم، أو أن تتمخضّ عنه تنافراتٌ وتناحراتٌ طائفيّة تجعل كلّ ثقافة لكلّ طائفةٍ موضع خصامٍ ونزاع.
ولعلنا هنا نستطيع أن نقول إن هتين الحالتين اللتين يمكن أن تنجما عن هذا الاختلاف في ألوان الطيف الطائفي في لبنان، هما حالتان، لا يمكن حصول إحداهما إلاّ كنتيجة حتميّة لظروف معيّنة، وكإفرازات لمرحلة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية.
ولعلّ تاريخ لبنان المعاصر يشهد أنّ التنافر بين هذه الطوائف قد ولّد الحرب الأهلية في القرن الماضي. ولعلنّا نعزو ذلك إلى أسباب وظروف أدّت إلى ذلك. هذه الظروف تتمثّل بدايةً بمحاولة التدخّل الخارجية في الأمور الداخليّة في لبنان، ومحاولة إضرام الفتنة الطائفيّة هناك. فعلى ما يبدو أن الطائفيّة في العصر الحديث باتت صيداً سهلاً ودسما ومكتنزاً للكيانات الاستعمارية التي ترى أن من مصلحتها ضرب رؤوس أبناء الجلدة الواحدة بعضها ببعض. فهذه أمريكيا، تعمل جاهدة على إشعال نيران الفتنة الطائفية في العراق منذ أن لامست ثرى لبنان أقدام طلائع الجيش الأنجلو-أمريكي الغازي عام 2003. ولا يكفي أن تُبيّت النوايا الخارجية لإضرام الفتنة في بلدٍ ما. بل يجب أن يتزامن ذلك مع ظروف داخلية تجعل ريح الفتنة مواتية وشرارتها حامية. فلقد كان الوضع في لبنان آنذاك قابلاً للاشتعال بفعل التنافر الثقافيّ الذي ساد الأوساط السياسية والشعبية كلّها.
إذن، يمكن القول: إنّ الوضع الذي تكون فيه الثقافات المجتمعة في ظل مظلة وطنية واحدة، وتحت خيمة موّحدة تدعى الدولة أو الوطن، يمكن أن تؤثّر إحداها على الثقافات الأخرى، وأن تتأثّر منها. أمّا مدى التأثّر أو التأثير، فمنوط بثقل تلك الفئة وقوّتها الوطنيّة. فالقوى الأكثر ثقلاً، لا بدّ أن تؤثّر أكثر من تلك الأقلّ قوة، في حين أن تأثّر القوى الكبيرة يكون قليلا. أمّا إذا كان الوضع وضعاً تنافرّياً، فإنّ مآل تلك اللقاءات في دولة واحدة، سوف يكون إلى النزاع والخصام الذي قد ينفجر إلى حربٍ أهليةّ، كما يعلّمنا التاريخ وكما تخبرنا أحداثه.
والسؤال المطروح هنا: هل يمكن أن يؤول لبنان إلى حربٍ أهلية جديدة بعد حرب 2006، وهل يمكن أن تؤدّي المشاحنات المتكرّرة بين أبنائه إلى حربٍ أهليّة، خاصّةً وأنّ "وقت المحاسبة" قد حان بعد الحرب، كما قال كثيرون من الساسة اللبنانيين خلال الحرب، وهل سيستطيع اللبنانيون تجاوز هذه المرحلة بسلام، أم أنّ وقود الفتنة القريبَ من وقود الخلافات الطائفيّة سيكون أقوى من أيّة نظرة موضوعيّة إلى الأمور؟!
أقول جازما: إنّ الإجابة عن هذا التساؤل بحاجة إلى الانتظار، للنظر إلى المستجدّات الميدانية السياسية الداخلية في لبنان. فلو قارننا ما بين التصريحات السياسية للساسة اللبنانيين في معسكراتهم المختلفة خلال وبعد الحرب، لوجدنا أنّ نبرة النقاش في هذا البلد هي في تصاعد من حيث ارتفاع الأصوات ومن حيث قساوة التصريحات. ولعلّنا نكلّل طرحنا هذا هنا بالتصريح الذي أدلى به حزب الله مؤخّراً: وهو مطالبة حزبِ الله الحكومةَ اللبنانيةَ بالتنحّي لأنها لم تعد ذات شرعية في نظره، نظراً لاستقبالها توني بلير رئيس الوزراء البريطاني. وهي التي كانت من قبلُ "حليفةَ مصلحةٍ" وطنيّة واحدة، خاصة وأن الموقف اللبناني كان موحّدا في فترة الحرب.
فهل يعني هذا الارتفاع في منحنى التنافر السياسي في لبنان بزوغ نجم حربٍ أهليّة وشيكةٍ أو محتملة في الأفق؟
في رأيي الشخصي المتواضع، لا أرى حرباً أهلية وشيكة. ولعلّ ما يمنع نشوب حرب كهذه في هذه المرحلة هي ظروف وطنيّة تجعل كلّ لبناني يلتف حول مصلحةٍ واحدة موحّدة، تمنع من هذه الفكرة أن تطفو على سطح الأحداث السياسية الداخلية في لبنان. ولعلنا نجمل هذه الظروف والأسباب كما يلي:
1. لبنان اليوم، هو ليس لبنان ما قبل ثلاثين عاماً. ذلك يعني لبنان اليوم هو بلدٌ لا تتحكم فيه تلك العناصر التي طالما حدّدت قواعد اللعبة في داخله. فلا وجود اليوم مثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينة في لبنان، كمليشيا مقاومة أو منظمة عسكرية فاعلة.
2. إنّ الوجود السوري في لبنان انتهى منذ فترة قصيرة من الزمن –أعني الوجود العسكري الذي انتهى في الأشهر السابقة-، الأمر الذي أربك كثيراً من الجهات اللبنانية من جهة، وجعل بعض الجهات الأخرى تركن مسلمة بهذا الوجود وتنتظر حتى خروج الجيش السوري للتفرغ لشيء من الاستقلال.
3. لقد مرّ لبنان في سيرورة ديموقراطية جعلته ستّسم بشيء من الحرية مقارنةً مع بقية الأقطار العربية. وهذا الأمر يعمّق مفاهيم الحوار الديموقراطي الخالي من العنف في لبنان، خاصةً وأن نسبة الأمية في هذا البلد تؤول إلى الصفر.
4. يمرّ لبنان في هذه الفترة بمحنةٍ يراها جميعُ اللبنانيين محنةً مشتركةً لجميع أبنائه. ويلتفون جميعاً حول المقاومة التي ازداد قدرها لديهم إثر الحرب الأخيرة. وهذا الأمر يلفت انتباه اللبنانيين إلى ضرورة الحوار الوطني ورفع شعار الوحدة الوطنية بدلاً من الخوض في محاسبات طائفية أو حزبية أو شخصية.
5. لقد استطاعت المقاومة في لبنان أن تحصل تأييد شعبيّ كبير في جميع الأوساط الطائفية والسياسية والشعبية اللبنانية. وهذا الأمر يكسب المقاومة قوّة، خاصة وأنها في المفاهيم اللبنانية خرجت من الحرب منتصرة. الأمر الذي يجعل هذه المقاومة، قادرة على تحديد الكثير من القواعد والنظم الداخلية اللبنانية، في ظلّ حكومة وجيش ضعيفين.
وخلاصة القول: إن الحرب الأهلية مستبعدةٌ حالياً في نظري لهذه الأسباب، وإن كانت الإجابة عن تساؤلي في هذا المقال على المدى البعيد بحاجةٍ إلى الانتظار للوقوف على المتغيّرات الميدانية التي تركب معادلة التعاطي مع الأوضاع السياسية داخل لبنان.

خبير استراتيجي من ام الفحم..فلسطين