أحدث الأخبار
السبت 28 كانون أول/ديسمبر 2024
مخاطر قرار 1701 ودور الطليعة المطلوب!!

بقلم : د.عامر الهزيل ... 21.8.06

لو دخل الجيش في الأيام الثلاثة الأولى للحرب لطرد شر طردة من لبنان. هذا ما قاله قائد هيئة اركان الجيش الإسرائيلي دان حالوتس في مقابلة اجرتها معه القناة العاشره في اسرائيل, محاولاً صد الهجوم على ادارة الحرب من بعض الأوساط السياسية والإعلامية. في نفس السياق أكد الوزير كابل ان القيادة السياسية انقذت الجيش من ورطته في لبنان ملمحاً الى مكاسب قرار 1701 الذي منح اسرائيل سياسياً ما عجزت عن تحقيقه عسكرياً في الميدان. لهذا السبب هاتف اولمرت بوش وشكره على الدفاع المستميت عن مصالح إسرائيل التي تظمنها القرار.
بالمقابل كانت المقاومة يتيمة على الساحة الدولية, اذ لم يكن على طاولة المفاوضات من يترجم انتصاراتها حتى بمستوى الحد الأدنى الذي تمثل في النقاط السبع للحكومة اللبنانية. والأدهى من هذا ان بعض اطراف هذه الحكومة ومعها اطراف عربية, لم تدعم هذه النقاط إلا لتكون مدخلاً لتنفيذ ما عجزوا عن تنفيذه من قرار 1559 , وهو تجريد المقاومة من سلاحها وحلها لهدف يتعدى حدود لبنان. على هؤلاء ينطبق المثل الشعبي في بلادنا "مكمن ومغير."
هذه الحقيقة انعكست في جلسة مجلس الوزراء اللبناني الذي وافق فيها على القرار. في هذه الجلسة طالب بعض وزراء الأكثرية في الحكومة اللبنانية إيجاد قوة دفع داخلية لتنفيذ قرار نزع سلاح المقاومة قبل أن ينشر الجيش في الجنوب. بكلمات أخرى تجريد المقاومة من سلاحها تحت الحراب ألإسرائيلية. مطلب اوضحه بوش في مهاتفته لسنيوره قبل هذا الاجتماع, حيث أكد أن المطلوب "تفكيك دولة حزب الله داخل الدولة اللبنانية من أجل بناء ديموقراطية لبنانية." طبعاً على الطراز الأمريكي.
قرار مجلس الأمن ليس جائراً وحسب لجعله الضحية جلاد, وأنما خطير لعدم تظمنه من النقاط اللبنانية السبع وقرارت الحكومة غير نص أن مجلس الأمن " يرحب بجهود رئيس الوزراء اللبناني وبالتزام الحكومة اللبنانية بخطة النقاط السبع, التي تقضي فرض سيطرة الحكومة اللبنانية على أراضيها من خلال قواتها المسلحة الشرعية, في شكل لا يترك أي مجال لأسلحة او سلطة غير سلطة الدولة اللبنانية.", وذلك بدعم قوات هيئة الأمم المتحده.
ما يدور اليوم هو محاولة تجاوز موافقة حسن نصر الله على ذلك واستغلالها لأضفاء شرعية على صلاحيات قوة هيئة الأمم التي قد لا تصل الى مستوى بند 7 , ولكنها اكثر من صلاحيات بند 6 لوثيقة هيئة الأمم. حسب القرار, قواة هيئة الأمم ستتواجد في كل لبنان. مهمتها المعلنة مساعدة الجيش لبسط سلطته وتنفيذ فقرة 14 من القرار التي تنص على دعوة الحكومة "الى تأمين حدودها والمداخل الأخرى لمنع دخول الاسلحة الى لبنان دون موافقتها ويطلب من "اليونيفل" كما تنص المادة 11 تقديم المساعدة الى الحكومة اللبنانية نزولاً عند طلبها." والفقرة 11 تمنح قوات"اليونفيل" الحق بالتدخل العسكري ضد المقاومة اذا طلبت منها ذلك الحكومة اللبناية. بالمقابل يمنح القرار إسرائيل القيام بعمليات دفاعية تفسر حيثياتها كيفما تشاء.
في هذا السياق يجب فهم محاولة الجيش الإسرائيلي الفاشله الوصول الى الليطاني لتنظيف جنوبه من المقاومة وتسليمها على طبق للجيش اللبناني وقوات "اليونيفل" التي ستكون عناصرها من الوحدات الخاصة المدربة جيداً على القتال على حد وعد وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليسا رايس لرئيس الحكومة الإسرائيلي ايهود اولمرت.
الخطير في هذا السياق ,كما ذكر اعلاه , أن اكثرية الحكومة اللبنانية لم تخفي موقفها في جلسة مجلس الوزراء أمس ايضاً, وأن سكتت, وقد لا تسكت, في هذه المرحلة فسكوتها سيكون خوفاً من أن تكون مفضوحة بأستعجالها كشف دورها المستقبلي في تنفيذ الأهداف الامريكية الأسرائيلية والعربية الرجعية الكامنه في هذا القرار. القرار أمن لهذه القوى رأس جسر لتدخل أجنبي قوام جيشه 15000 مقاتل مسلح بأحسن العتاد مسنوداً بشرعية الدولة اللبنانية وشرعية مجلس الأمن وهيئة الأمم.
تخوف لا تخفيه قيادة المقاومة المجبرة على اقصى حد من البرغماتية السياسية في هذه المرحلة. الوزير محمد فنيش أكد بالقول ان القرار جاء مستجيباً لمطالب الكيان الصهيوني ولكن مسؤليتنا الوطنية تحتم علينا التعاطي معه. موقف اوضحه السيد حسن نصر الله بتأكيده على أن موافقة حزب الله على هذا القرار جاءت "لدفع ما هو افسد", مع التحفض على بعض بنوده والذي تم تأجيل الحديث عنها الى ما بعد وقف اطلاق النار. هذا اذا أمهل الخصم المقاومة فرصة لالتقاط الأنفاس.
في تقديرنا سيركز معسكر الأعداء على ضرب أهم ثلاثة مكاسب حققتها المقاومة بالدم اللبناني, الحنكة السياسية والقدرة العسكرية في هذه الحرب. اولاً: محاولة تفتيت ارضية التفاهم والتلاحم الوطني لصون وحدة لبنان لأشعال الحرب الأهلية. ثانياً: تقزيم أبعاد الأنتصار عربياً وأسلامياً ومنع ترجمته وتعميمه كنموذج. ثالثاً: التقليص من أضرار زعزعة هيبة قوة الردع الإسرائيلي بمزيد من الدموية والتعنت على الجبهة الفلسطينية مع النية المبيته للعودة للأنتقام من المقاومة اللبنانية وشعبها في أول فرصة سانحة. من هنا حذاري من أن يكون قرار 1701 خشبة خلاص لإسرائيل ومصيدة للمقاومة وثقافتها في المنطقة العربية الإسلامية.
حزب الله, ومعه شعب لبنان البطل, ادى دوره التاريخي باستنهاض روحنا وكرامتنا من جديد والويل لطليعة لم تلتقط هذه اللحظة التاريخية لتكون السند الفعلي للمقاومة من خلال الصراع الحقيقي على انتزاع السلطة خاصة أن هذه الحرب لم تكن فضيحة الأنظمة فقط, وأنما فضيحة هذه الطليعة والنخب وعزلتها عن الناس التي بقيت مكدسة تغلي أمام شاشات القنوات الفضائية.
علينا أن نلحض تخوف اذرعة المخابرات الغربية من حقيقة ان العصر او الزمن الذي كان بامكان الحاكم الديكتاتوري حكم شعبه المستسلم له تماماً قد ولى. الغرب اكتشف هذا وتبين له ان جذور العداء له, ولأمريكا بشكل خاص, ليس في الاقتصاد وانما في السياسه وتحديداً سياسة الأنظمة الحليفة. بكلمات اخرى مصدر جذور العداء ليس بالضرورة الطبقات الفقيره بل شرائح الوسط التي تبحث عن موقعها التاريخي وفرضت عليها سياسة الأنظمه ثقافة سياسية مفادها ان التغيير لا يأتي الا من فوهة البندقية. لهذا كدسوا الأموال الضخمة لبناء الجمعيات والمؤسسات لتوظيف واستقطاب شريحة الوسط هذه لتدجينها وفق أهدافهم وغربلتها فيما بعد لقيادة مرحلة الدمقرطة التي أعلن عنها بوش كذراع لتكريس سلام الاستسلام. توجه سرعان ما تنصل منه الغرب بعد تجربة حماس والأخوان في مصر, اذ وصلوا لقناعة مفادها ان نشر الديمقراطية والإصلاح لا يعتبر حلاً. "فالراديكالية" العربية والإسلامية مربوطة بفقدان الهويه او نتيجة عنها ومهما حاولت امريكا والغرب منع او حد مشاركة الإسلاميين في العملية الديمقراطية سيسيطر الإسلاميون وبهذا "يدخلون سم التطرف لجسد المجتمعات الإسلاميه" على حد تعبيرهم.
بعد هذا التشخيص نجزم بالقول أن المشاركة في انتخابات برلمانات الأنظمة هو اللعب في ساحة الاستراتيجية الأمريكية الغربية بأعطاء شرعية لهذه الأنظمة التي لم تكن يوما معراة ومفضوحة ومفروزة في صف العدو كهذه الأيام.
والوضع هكذا علينا التفكير في بناء مؤسسات مدنية غير رسمية بديلة تعتمد نموذج بعض الحركات في بناء مجتمع عصامي ناقد وقادر على اتخاذ قرارات تفرض على الأنظمة سلمياً التحول والتغيير. مثلاً ما الذي يمنع اقامة برلمان شعبي غير رسمي من خيرة القيادات في كل المجالات, مع حكومة ظل تتصارع مع الحكومة الرسمية بشكل مدني على كل قرار لا يخدم الناس ومصالح الأمة وتشكل دعماً لثقافة المقاومة؟! ما الذي يمنع اقامة جامعة الشعوب العربية كأطار مدني بديلاً لجامعة الدول العربية مع نفس هدف فرض التغيير وانضاج الظروف للنقلات النوعية المطلوبة؟!
سيقول البعض قمع الأنظمة وأنا اسأل أين قمع الأنظمة من تسابق الكثير منا على شاشات القنوات الفضائية لطرح المواقف الوطنية والناقدة في كثير من الأحيان للأنظمة نفسها. لو تنظم هذا الكم الهائل من الشريحة الواعية, مما اتلمسه واسمعه على شاشات التلفزيون, لحدث التغيير بكل تأكيد.
المثل الشعبي يقول: "خطية الأعمى في رقبة المفتح." بكلمات اخرى تقول الناس البسيطة أذا أغتيل حسن نصر الله,لا قدر الله, ومعه نصر المقاومة فدمه وخطيته في رقابنا جميعاً, لا لشئ إلا لأنه "المفتح" وقتلناه, كمن سبقه, بصمتنا والوادي ما زال عامراً بحجارته. اسألوا جند الغزاة الهاربون من وادي حجير في الجنوب اللبناني أذا ما زال يساوركم الشك.