أحدث الأخبار
الثلاثاء 19 آذار/مارس 2024
"صبّار في اللجّون"!!
بقلم : حسن عبادي ... 31.07.2018

كان مجد في طريقه من حيفا للمشاركة بجنازة رفيق دربه المحامي محمّد، والذي وافته المنيّة إثر جلطة دماغيّة خلال حراثة أرضه التي ورثها عن أجداده وتشبّث بها، إذ كان ناشطًا في "حركة الأرض"، ولاحقًا في "حركة أبناء البلد"، وناشطًا سياسيًّا في بلدته. اتّصل به صديقه رشيد وسأله إن كان بإمكانه اصطحاب ليلي، زميلته في العمل، إلى بلدتها على طريق سفره إلى الجنازة، فوافق دون تردّد.
ركبت ليلي في الكرسيّ الخلفيّ للسيّارة، وبدأت الحديث عن يساريّتها ونضالها اليوميّ لصالح العرب، ومشاركتها في تظاهرة "دوريّة" كلّ ظهيرة جمعة ضمن نشاط تنظيم "النساء بالأسود" لمناهضة الاحتلال الإسرائيليّ للضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، ومساعدتها اليوميّة للجمعيّات العربيّة. ليلي تعمل في مؤسسة يديرها رشيد، تشغّل حوالي سبعين موظّفًا، جمعيّة تقدّم الخدمات لجمعيّات العمل المدنيّ والأهليّ، عربًا ويهودًا. تحدّثت عن عائلتها التي قدِمت إلى البلاد من بولندا، وعن أخوالها، ضحايا النازيّة، الذين قضوا هناك.
عند الوصول إلى مفرق البلدة طلبت ليلي من مجد أن يوقف سيّارته حتّى تترجّل منها، ولكنّ نخوَته العربيّة جعلته يصرّ على إيصالها إلى بيتها، معروفًا لمديرها وصديقه رشيد.
صارت ليلي دليلته ومرشدته في الطريق إلى بيتها، وحين وصل إليه اسودّت عيناه؛ إنّه بيت جدّه في تل المتسلّم، صار اسمها مجيدو، قرية لجّونيّة في مرج ابن عامر، وزيتونات جدّه ودواليه بقيت هناك! وأشجار الصبّار تحيطه بسياجٍ من كلّ جانب! أصبحت مستوطنة بعد أن استولى عليها القادمون الجدد من بولندا وهنغاريا، مُحاطة بالأسلاك ويُمنع "الغرباء" من دخولها دون رفقة محليّ.
هبطت ليلي من السيّارة وأكمل مجد طريقه إلى جنازة رفيقه ليرافقه إلى مثواه الأخير، كانت وصيّته أن يُدفن في كرم زيتون العائلة، وخلال الجنازة رنّ هاتفه النقّال عشرات المرّات من رقم مجهول... ورقم صديقه رشيد كذلك، ولكنّ مزاجه المتعكّر منعه من الردّ على الهاتف، فبرمجه على الصّامت.
في ظهيرة اليوم التالي ذهب مجد كعادته إلى مؤسّسة رشيد لمتابعة أمور تخصّ عمله معهم، وفوجئ بالجميع بانتظاره، بوّابٍ وموظّفين، أخبروه أنّ ليلي تبحث عنه منذ ساعات الصباح الباكر. استغرب الأمر وحين التقته بادرته بالصراخ "دون شور أو دستور": وين "الجودايفا؟ شو صار فيها؟" لم يفهم ما تعنيه! بعد أن استوضح الأمر تبيّن له أنّها نسيت علبة شوكولاتة على الكرسيّ الخلفيّ في سيّارته حين أقلّها إلى بيتها بالأمس، دون أن ينتبه إلى ذلك.
نظر إليها بحسرة وقال: "أنت متضايقة وحزينة ع بكيت شوكولاتة، وشو أقول أنا؟ّ! أعيدي لي بيت جدّي وخذي كلّ "الجودايفا" اللّي بالدنيا".

1