أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
«إمارة البئر» للكاتب المغربي محمد سالم الشرقاوي!!
بقلم : الديار ... 08.01.2016

سيرة الصحراء برؤية تمزج بين التخييل والواقعية السحرية...
عن دار أبي رقراق في الرباط، صدرت للكاتب والإعلامي المغربي محمد سالم الشرقاوي رواية بعنوان «إمارة البئر»، توزعت على ثلاثة فصول في 300 صفحة من القطع المتوسط هي: «أصل الحكاية»، و»وصل الحكاية»، و»فصل الحكاية»، تكمل، مُجتمعة، الجزء الأول من ثنائية سردية طويلة بعنوان «السيرة والإخلاص».
وتكمن أهمية هذا العمل في كونه يستلهم جوانب مهمة من الحياة في الصحراء، لينقلها إلى أثر مكتوب، من خلال حركة شخصيات تفاعلت بانسيابية في ما بينها، لتقدم صورة أخرى عما يعتمل في مجتمع البادية من صراعات بخلفية تاريخية تعكس خصوصية هذا المجال، فيُحس القارئ أنه إزاء عمل إبداعي بعمق أنثربولوجي وسوسيولوجي متميز، يجعل قارئه يبتسم أحيانا وتغرورق عيناه أحيانا أخرى.
في رواية «إمارة البئر» للشرقاوي يأسرنا السرد الأثير من دون قلق أو منّة، فتتواتر فصول الرواية الثلاثة بسلاسة تمزج بين الواقع الذي عاشه الكاتب في مراحل معينة من طفولته، وتمثلاثه الشخصية لعناصر الموروث الثقافي المحلي في تقاطعه مع معطيات العيش اليومي لمجموعات من السكان لا يجمعها بالضرورة سوى انتمائه لفضاء مفتوح تؤطره المعتقدات والعادات والفلسفة والحكمة، ليطلق الكاتب العنان لقلمه ليتوسع في رسم عوالم الصحراء وخيلائها.
ثيمة الماء أو «البئر» التي أسسه «سيدي المختار العريبي»، كبير قبيلة «أعرابات» في بادية صحراوية قاحلة، وأقيمت حوله حياة سكان بلدة «بئر السبع»، هي ما وجد فيه الكاتب ضالته ليشغل الناس ويجعلهم يتداولون في مصير «بئرهم»، بعدما نضبت مياهها، فأحس الناس بالخطر الذي قد يتهدد حياتهم، مما أدى إلى ظهور تقاطعات مادية ومعنوية مخبوءة بين من يرى أنه لا مناص من الهجرة إلى «الرقيبة»، حيث ضريح «سيدي المختار» للمجاورة والاستعانة بكرامات الشيخ، عسى أن تعود مياه البئر إلى صبيبها الأصلي، وبين من يقول إن للدار ربا يحميها، فلا داعي للهجرة وترك الديار.
عوالم رواية الشرقاوي هي في الحقيقة مزيج متراص من الخيال والواقع، من الحاضر والماضي، فإذا كانت أحداث الرواية تدور في منتصف السبعينيات، فإن قارئها يجد نفسه مبحرا إلى ما قبل ذلك بعقود، ثم يتحول ليعيش بعض أطوار الربيع العربي، التي تنبأ بها أستاذ اللغة العربية طلال شيحان، وهو يستعرض قدرة الشباب على تحقيق أمانيه من خلال إبداعات أحد أبطال الرواية الفتى «محمد عالي ابن منصور السيود»، الضابط الذي حمل على كاهله مسؤولية النهوض بالعالم الروائي المتصل في «إمارة البئر»، في توليفات نجح الشرقاوي في تصريفها وتسييرها بسلاسة.
تناول الشرقاوي للصحراء في روايته ينبئ بمشروع تأصيلي لعمل أدبي على الطريقة المغربية، لا يخفي تأثره بتجارب سردية اشتغلت على «أدب الصحراء» في أعمال إبراهيم الكوني وعبد الرحمن منيف وغيرهما، بنوع من التناول الذكي لموضوعة طالما ارتهنت لإكراهات السياسة وأهواء السياسيين، فينقلها صاحبنا إلى معترك أدبي ببعد فلسفي مطبوع بصوت الحكمة التي يجعل منها فضاء للتلاقي والتعايش من دون مواربة أو خوف من «العطش أو الموت».
ثم إن هذه الرمزية العالية التي يكتب بها الشرقاوي عن «صحرائه» التي يعشقها ويشد أطرافها بكياسة ووسطية وهدوء، لا بد أن تدعم مشروع التأصيل للملمة عناصر الأدب الصحراوي، في إطار مشروع منفتح على كل الآفاق يستوعب كل هذه العناصر مع ما يقتضيه ذلك من حياد مطلوب في العمل الأدبي، حتى لا يرتهن لمسوغات الإثارة التي تسيء لهوية الأدب وتجعله أسيرا لاتجاهات صُناعه.
اجتهاد الشرقاوي في «إمارة البئر»، أضفى جاذبية يفضلها القراء، حين تبدو الأحداث واقعية صرفة، وهي أحيانا كذلك، ثم محكية خيالية لا تخلو من رموز وإيحاءات وأبعاد فلسفية ذات مغزى أبعد وأعمق مما هو ظاهر أضفت على العمل نكهة خاصة، لا سيما القارئ الذي تسحره العوالم المختلفة التي صنعها الكاتب بقلمه موسومة بالحكايا والموروثات والأعراف والتصورات والصوفية، خاصة وهي تنتظم في إطار سردي حكائي إبداعي واعد لا يقل جودة عن غيره.
يبرع الكاتب هنا في إنشاء عوالم خيالية واقعية بشخوصها وأزمانها وأمكنتها تمتزج فيها الحقيقة بالخيال، والواقع واللاواقع، والمحسوس واللامحسوس، والظاهر والخفي، في خلطة بديعة لعلها تشكل عماد ما يُعرف بـ»الواقعية السحرية» التي وجدت في آداب الشعوب قبل أن يتم تأطيرها وتنظيمها أكاديميا ووضعها في قالب أدبي جذاب بدأ مع روائع الأدب اللاتيني من ماركيز وبورخيس، وامتد شرقا إلى الكوني ومنيف.

1