أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
من يحكم العراق الآن؟!
بقلم : علي الكاش ... 29.05.2015

تعني السلطة بمفهومها العام المصدر الأول للقوة، والمرجع الرئيس المُسلم له بالنفوذ والخضوع، أي القوة القادرة على فرض إرادتها وهيبتها على بقية الهئيات الخاضعة لسلطانها، ولها الفصل الأخير في القرارات بما ينضم المجتمع وفقا للقوانين المرعية، ويحقق العدالة والمساواة والحرية والتقدم للجميع.
تحكم دول العالم ثلاث سلطات رئيسة كما هومعروف، اولهما: السلطة التشريعية وهي أعلى سلطة في البلاد لأنها منتخبة من قبل الشعب مباشرة وتمثل إرادة الشعب، وإن إختلفت تسمياتها من دولة لأخرى، كالبرلمان، المجلس الوطني، الكونغرس والجمعية الوطنية. رغم إختلاف مهام البرلمانات لكنها بشكل عام المسؤولة عن سنٌ القوانين وتطبيق الدستور ومراقبة فعاليات السلطتين التنفيذية والقضائية لضمان إلتزامهما بنصوص الدستور. كما إنها تعين رئيسي وأعضاء السلطتين الأخريتين، وتوافق على الوزراء ومسوؤلي المناصب المهمة في الدولة الذين ترشحهم السلطة التنفيذية، وتصادق على الموازنة العامة، وتعقد الإتفاقيات وتعلن الحرب والعفو العام، ولها حق سحب الثقة من الحكومة، ومن مهامها التي لها علاقنا بموضوعنا هو مساءلة ومحاسبة الحكومة من رئيسها فنزولا، علاوة على بقية الواجبات التي يحددها الدستور.
ثانيهما: السلطة التنفيذية أي الحكومة وتتولى مسؤولية تنفيذ القوانين والإجراءات التي ترسمها السلطة التشريعية، وتقترح القوانين وتقدمها للبرلمان، أو تعترض على بعض القوانين التي يشرعها البرلمان، وتصدر الأنظمة والقواعد، علاوة على عقد المعاهدات والمفاوضات، وإعتماد السفراء، ومنح الأوسمة، وأخيرا تقديم الميزانية للبرلمان للمصادقة عليها. وتضم رئيس الحكومة والتشكيلة الوزارية، وفي الأنظمة الرئاسية يكون رئيس الجمهورية ونائبه ومستشاريه ضمن السلطة التنفيذية. عادة تُنظم السلطة التنفيذية بوسيلتين: هما النظام الرئاسي، أي ينتخب الرئيس مباشرة من الشعب، ويعين بدوره رئيس الوزراء. والنظام البرلماني، حيث يكون منصب الرئيس أو الملك فخريا، ويتولى المسؤولية الحقيقية رئيس الوزراء.
ثالثهما: السلطة القضائية، وهي المسؤولة عن تطبيق القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية، ودورها ينصب على فض الخلافات حول التفسيرات القانونية سيما المتعلقة بنصوص الدستور وتفسيرها، فهي حلقة الوصل بين السلطة التشريعية التي تشرع القوانين، والسلطة التنفيذية التي تنفذ القوانين، بما يضمن العدالة والحفاظ على هيبة الدولة والإلتزام بالدستور.
من هذه الخلاصة المقتضبة نفهم إن أعلى سلطة في البلاد هي السلطة التشريعية، والسلطتان الأخريتان هما من مخرجاتها. ولأنها أي السلطة التشريعية منتخبة من الشعب بغض النظر عن طريقة الإنتخاب ونزاهته، فهي تمثل إرادة الشعب، ويفترض ان تكون لها هيبة وإرادة، وأن تُحترم قراراتها من قبل بقية السلطات. فإرادة الشعب فوق كل الإعتبارات لأنه مصدر السلطات جميعا. هكذا تنص الدساتير ومن بينها الدستور العراق، مع إن هذا الدستور أشبه ما يكون بحقل ألغام، وليس الأمر غريب طالما إن الدستور صِيغ من قبل اللوبي الصهيوني الإيراني. بإعتراف هاشمي رافسنجاني، فقد ذكر في حديثه عن العراق في 16 تموز 2014 " إن العملية السياسية بالعراق تمت بموافقة أميركا وإيران، وأن إيران والولايات المتحدة ساعدتا بتدوين الدستور العراقي، فيما تم توزيع رئاسة الجمهورية للأكراد، ومنصب رئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للسنة". ومما زاد الطيب بله وجود ألغاز وأحاجي في النصوص الدستورية تتيح لكل فريق من الإخوة الأعداء في البرلمان أن يفسرها وفق منظوره ومصلحتة الحزبية.
ولنقرأ التطورات التالية خلال الإسبوع الحالي لنستشف من خلالها إنه لا قيمة للسلطة التشريعية أمام السلطتين التنفيذية والقضائية، ولا قيمة للسلطة التنفيذية أمام سلطة الميليشيات، ولا قيمة للسلطات الثلاث أمام ولاية الفقيه.
المثال الأول:
أعلن الجبوري عن تغيير اسم معركة الأنبار من "لبيك يا حسين" إلى "لبيك يا عراق"، بعد أن أثارت التسمية انتقادات محلية ودولية سيما من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لدلالاتها الطائفية، كما إن زج أسم الحسين في هذه المعركة لا معنى له سوى الإنحراف الطائفي المقزز. بالإضافة الى إن مقتدى الصدر وهو من القادة الشيعة تحسس من التسمية وطلب تغييرها خشيى إساءة فهمها. علاوة على أن أهل الأنبار لا يرتضون هذه التسمية ما عدا العملاء والخونة أو ما يسمى بجحوش أهل السنة. وقد وافقت السلطة التنفيذية على تسمية البرلمان " لبيك يا عراق"، ممثلة برئيس الحكومة حيدر العبادي بإعتباره كما يزعم رئيس ميليشيا الحشد الطائفي والقائد العام للقوات المسلحة، مع إن الجميع يدرك أن الرئيس الفعلي للحشد الطائفي هو الجنرال سليماني.
المهم، عندما جرت لقاءات وعرضت أفلام دعاية للحشد الطائفي من قبل القنوات الحكومية والمأجورة تبين بأنه لا تزال التسمية كما هي (لبيك يا حسين) وصور الخامنئي معلقة على الدبابات والمدرعات) وشعارات ثارات الحسين وغيرها ملصقة على العجلات ـ كل هذا ويزعمون بأن الجيش غير طائفي ـ
في 28/5/2015 إجتمع نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي والمتهم بالإرهاب ( ابو مهدي المهندس) مع نائب رئيس مجلس النواب همام حمودي لبحث معركة الانبار. وجاء في تصريح صحافي" ان ابو مهدي المهندس قال لحمودي: ان عملية لبيك يا حسين هي الباقية، ونحن من نقرر اسم العملية وليس العبادي"! هل بقيت هيبة ومكانة لرئيس البرلمان ورئيس الحكومة؟ أي عار سيلاحقهم على مدى التأريخ! وهم على فكرة لا يجرأوا على الردُ لأن المهندس سيلوح لهم بعصا الولي الفقيه إن فعلوا!
المثال الثاني:
سبق ان عرضنا بأن الدستور يعطي الولاية الكاملة للسلطة التشريعية لمحاسبة ومساءلة رئيس السلطة التنفيذية ووزرائه، ولا شك ان الوضع الأمني المتردي في العراق تقع مسؤوليته المباشرة على وزارة الداخلية. سبق إن صرح وزير الدفاع بأن وزارته لا علاقة لها بالأمن الداخلي، وإنما وزارة الداخلية وعمليات بغداد فقط. سنترك موضوع رئيس الوزراء السابق جودي المالكي وإصراره على رفض إستضافته من قبل البرلمان عشرات المرات، لنقرأ الجديد في الأخبار، فقد ذكر (عبد العزيز كاميران) عضو لجنة الامن والدفاع النيابية بأن " وزير الداخلية محمد سالم الغبان لايستجيب لطلب استضافته في اللجنة، فقد طلبت لجنة الامن النيابية استضافة الغبان عدة مرات لكنه لحد الان لم يستجب !ولانعرف ماهي الاسباب وراء ذلك. تريد اللجنة الاستماع منه حول الخروقات الامنية الشبه يومية والاحداث في ميادين القتال وبعض المناقشات مرتبطة بالشرطة الاتحادية والاجهزة الامنية لذلك فان مهمتنا هي المتابعة ونحن بحاجة الى التواصل والتنسيق مع وزارة الداخلية".
الوزير لا يرفض الإستضافة فحسب، بل إنه لا يكلف نفسه حتى بالردٌ على أعلى هيئة في البلاد. والهيئة المهانة لا ترغب بمساءلته كما صرح النائب بل مجرد الإستماع إليه! الإستماع فقط مثلما تستمع لأغنية، ولكن هيهات، لأن الغبان عضو في منظمة بدر، أي من حاشية ولاية الفقيه ولا أحد يجرأ على إستضافته وليس إستدعائه فحسب!
المثال الثالث:
لا أحد يجهل إنتهازية واحد من جحوش أهل السنة يتلون كالحرباء وفق مصلحته الشخصية يدعى مشعان ركاض الجبوري، ويلاحظ ان معظم الجبور صاروا من جحوش أهل السنة وهم يهيمنون على البرلمان والمناصب الحكومية ومجالس المحافظات، لهذا إستهدفهم تنظيم الدولة الإسلامية. هذا النائب كان محكوما بتهمتي الإرهاب والإختلاس ولكنه هرب إلى خارج العراق بصفقة، وعاد بحماية المالكي بصفقة، وتمت برائته من المحكمة بصفقة، وعاد نائبا في البرلمان بصفقة، وطُرد من البرلمان بصفقة، وعاد للبرلمان بصفقة!
فقد صوتت أعلى سلطة تشريعية في البلاد على طرده لثبوت تزويره شهاداته الدراسية. وجاء تصويت البرلمان على ضوء قرار مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. لكن كالعادة رجل الصفقات تحدى مناوئيه ثم وعد بالعودة إلى باحة البرلمان رغم أنف البرلمان ورئيسه، وفعلا حقق وعده خلال يوم واحد فقط! العجيب إن أسرع قضيتين حكمت فيهما المحكمة في تأريخها الإحتلالي هي براءة مشعان ركاض من التهم المنسوبة إليه، وإعادته للبرلمان بعد طرده! يوم واحد فقط خلال المحاكمتين! يا لنزاهة القضاء العراقي! هناك الآلاف من المعتقلين بلا مذكرات قانونية ينتظرون محاكمتهم منذ سنوات.
ذكر الخادم الأمين لجودي المالكي، المتحدث الرسمي للسلطة القضائية (عبد الستار بيرقدار) في بيان صحفي" إن الهيئة القضائية الانتخابية في محكمة التمييز عدت قرار مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بخصوص استبعاد النائب مشعان ركاض ضامن الجبوري غير صحيح، فالنائب قدّم الوثائق الرسمية التي تؤكد صحة شهادته الدراسية، هذه الوثائق صادرة من وزارتي التربية والخارجية السوريتين والسفارة العراقية في دمشق والملحق الثقافي اللبناني في السفارة العراقية في بيروت". هذا وافاد مصدر قضائي" ان المالكي تدخل شخصيا بالتنسيق مع رئيس السلطة القضائية مدحت المحود لاصدار قرار قضائي لصالح مشعان الجبوري"! إذن من يكذب على من؟ وأيهما على حق، المفوضية العليا للإنتخابات، أو البرلمان، أم محكمة التمييز؟
هذه الأمثلة والمئات غيرها تؤكد بأنه السلطة التشريعية لا تقوى على منازلة السلطة التنفيذية، وان السلطة القضائية هي بحق مطية السلطة التنفيذية، والضحية هو الشعب العراقي المنساق وراء طائفيته العمياء والأحزاب العميلة المستوردة من الخارج التي تتاجر بدمائه. عندما يكون الشعب عقيما فلا يحق له ان يعترض على تخصيب حكومته من طرف أجنبي.

1