أحدث الأخبار
السبت 27 نيسان/أبريل 2024
صَرَخ نتنياهو»العرب هجَموا» فربح الانتخابات!!
بقلم : سهيل كيوان ... 20.03.2015

لم يكن أمام نتنياهو فرصة في النجاح حسب كل استطلاعات الرأي، سوى العودة لاستخدام السلاح البدائي التقليدي في اللحظة المناسبة، بعد أن جرّب ولم يسعفه التلويح بخطر سقوط القنبلة النووية الإيرانية على تل أبيب، ولا ساعده حديثه عن إعادة النظر بسياسته الاقتصادية التي أفقرت مئات آلاف من الناس، وجعلت اقتناء شقة حلما بعيد المنال حتى لأبناء العائلات الموسرة، ولا ساعده تخويف الناس باقتراب (داعش) وسكاكينه من القدس التي صوّرها في أحد أشرطة دعايته الانتخابية، والدليل أن استطلاعات الرأي بعد كل هذه المحفزات والمقبلات، بما فيها خطابه أمام الكونغرس بصدد النووي الإيراني، لم توقف هبوطه مقابل ارتفاع حزب العمل وحلفائه، وقد استمر هذه الفارق لصالح حزب العمل (وليفيني) حتى مساء الجمعة الأخير، إلا أنه من يوم السبت حتى يوم الانتخابات الثلاثاء الأخير، لجأ إلى السلاح الأكثر بدائية ونجاعة، سلاح الغرائز العنصرية وكراهية الآخر، ويبدو أن البشر بحاجة دائما للكراهية وللمزيد منها وقت الحاجة لأجل مصالحهم، فراح يحذر من حكومة يسارية تضم العرب. ركز على هذا في الأيام الأخيرة كثيرا رغم تأكيد (هيرتسوغ) زعيم حزب العمل مرات ومرات بأنه سيحافظ على «وحدة القدس» وهذا ضمن برنامجه السياسي المعلن، الأمر الذي يعني أن العرب ( برا وبعيد)، وإعلان قيادة القائمة العربية المشتركة بأنهم لن يكونوا في جيب (هيرتسوغ)!
وكانت صرخة نتنياهو الحاسمة التي قلبت المعادلة لصالحه صبيحة يوم الثلاثاء وبعد بدء عملية التصويت بالذات، فقد كتب على صفحته في الفيسبوك «العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع بأعدادهم الكبيرة»، وراح أنصاره يروجون لها في المستوطنات، وهذا يعني مزيدا من التثميل العربي في الكنيست، وأن حكومة مركز ويسار بدعم العرب باتت أمرا وشيكا وقابلا للتحقّق خلال ساعات إذا لم يتحرك اليمين.
كذلك راحت وسائل الإعلام المحلية التي تبث في المستوطنات تروّج بأن نسبة العرب الذين أدلوا بأصواتهم في ساعات الصباح أعلى بكثير من نسبة اليهود الذين أدلوا وصلوا الصناديق، والحقيقة أنه طيلة يوم الانتخابات من بدايتها حتى نهايتها، كانت نسبة المصوّتين اليهود أعلى بحوالي 10% واستمرت حتى إغلاق صناديق الاقتراع.
صرخة «العرب قادمون» استنفرت مئات آلاف المصوتين من الأحزاب عن يمين (الليكود) ليقدموا له الدعم خشية وصول (اليسار المدعوم من العرب) للسلطة، حتى آثروا نتنياهو على أحزابهم، فسقط حزب الكاهاني الفاشي باروخ مارزل الأكثر تطرفا (ياحد) ولم يعبر نسبة الحسم ليبقي خارج الكنيست، بعدما تنبأت له الاستطلاعات طيلة شهرين بعبور نسبة الحسم وفوزه بأربعة مقاعد، أما حزب (البيت اليهودي) حزب مستوطني الضفة الغربــــية بقيادة الفاشي الآخر (نفتالي بينت) فقد هبط إلى (8) ثمانية مقاعد بعدما تنبأت له الاستطلاعات حتى يوم الجمعة الأخير بـ12 مقعدا، الأمر الذي يُفسّر ارتفاع الليكود المفاجئ، فقد تم على حساب معسكر اليمين الأكثر تطرفا الذي أثارت (نخوته) صرخة «العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع»، إلى جانب طواف أنصار الليكود في المستوطنات بمكبرات الصوت وإعلان أن العرب يدعون الناس من مكبرات المساجد إلى التصويت «فهُبوا إلى الصناديق لنتصدى لهم»! كذلك زعموا أن (حماس) دعت العرب للمشاركة في التصويت وهذا كاف لإخراج الجثث من القبور لتصوّت.
كان لهذا التحريض البدائي تأثير السحر الذي فاجأ كل المحللين ومعاهد استطلاعات الرأي، إذ لا يمكن التنبؤ بكيفية تصرف القطيع في لحظة الهستيريا، فقد يحوّل اتجاهه في لحظة واحدة إلى وجهة غير متوقعة.
هكذا زادت قوة نتنياهو خلال ثلاثة أيام عن الاستطلاعات يوم الجمعة من 21 مقعدا إلى 30 مقعدا، جاءت من المستوطنين الأكثر تطرفا في الضفة الغربية على حساب أحزابهم. هذه النتيجة تعني أنّه سيُكلّف من قبل رئيس الدولة بتركيب الحكومة الجديدة التي ستكون حكومة اليمين الأكثر تطرفا مع المتدينين المتشددين (الحرديم)، ومعظم ناخبيها من المستوطنين في الضفة الغربية، إذ أن المعسكر الذي يسمى المركز واليسار الصهيوني متفوق وبفارق كبير في مدن كبيرة مثل تل أبيب وحيفا وغيرها.
أما بالنسبة للقائمة المشتركة (العربية)، فقد حقق العرب من خلالها إنجــــازا كبيرا، أولا بأنهم توحّدوا في قائمة واحدة لأول مرة في تاريخ خوضهم انتخابات الكنيست، بمختلف أطيافهم السياسية التي تشارك في اللعبة البرلمانية، شيوعي ـ قومي ـ إسلامي – وطني- بعد الحصول على ثلاثة عشر أو أربعة عشر مقعدا الذي يعني أنهم أصبحوا القوة الثالثة في الكنيست.
رغم نداءات من جهات عربية في الداخل بمقاطعة الانتخابات إلا أن أكثرية الجماهير العربية ما زالت تعتبر النضال البرلماني رافدا من الروافد والوسائل التي ممكن أن تحقق من خلاله مطالب عينية، ورفع صوت الاحتجاج على ممارسات السلطة وإسماعه للعالم، إلى جانب النضال الشعبي ومؤسسات المجتمع المدني وفتح قنوات اتصال وسبل ضغط إلى العالم الخارجي بما يتعلق بحقوقهم والمخاطر التي تتهددهم، ولا شك في أن ما ينتظر الفلسطينيين في الداخل هو شاق وصعب جدا ومعارك شرسة مع الحكومة القادمة.
إلى جانب هذا فالسلطة الفلسطينية برئاسة السيد محمود عباس باتت مهددة أكــــثر، وذلك أن حكومة جديدة كهذه لن تتيح حتى المناورة أو تنفس الصعداء للاستراحة ولو من خلال جهاز تنفس صناعي، ولهذا على شعبنا أن يشمر عن ساعديه أكثر وأن يسعى لاستعادة اللحمة بين مختلف فصائله، وتضميد جراحه التي سببتها الانشقاقات، وأن يدرك قادته أنهم بوحدتهم فقط، والاتفـــــاق على المشترك بين الجميع، ممكن أن يوقفوا المزيد من الكوارث التي تنتظــــر شعبنا، سواء في الداخل أو عبر الخط الأخضر في الضفة وقطاع غزة والشتات.

1