أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
صيام… أم «جوع كلاب» ضالة؟!
بقلم : سهيل كيوان ... 09.06.2016

عرفنا في طفولتنا عادات ومظاهر رمضانية كثيرة، منها الجميل ومنها القبيح، ومن المظاهر الجميلة أن بعض الصغار يصرّون على الصيام، فهو يمنحهم شعوراً بأنهم كبروا، وصار يحق لهم ما يحق للكبار، وبأنهم يصبرون على الجوع والعطش، ويستحقون الاحترام والتبجيل الذي يغدقه الكبار عادة على الصغار الصائمين، فتدغدغ مشاعرهم كلمات الإطراء عند ذكر أسمائهم ضمن مجموعة الأبطال الصائمين، كذلك فهم يرتقون درجة عندما تطلب الأم الخدمات من أحد أبنائها المفطرين (اذهب الى الدكان اشتر لي كذا وأحضر لي كذا)، وعلى الفاطر أن يخدم بصمت بدون اعتراض، بينما يُترك الصائمون ليرتاحوا، خصوصاً في أيام الحر الشديد (اتركوه فهو صائم).
وأهم ما في صوم الصغار، هو تبرير استيقاظهم على السحور ومشاركتهم الكبار بتناول الطيبات الرمضانية، فليس من الإنصاف أن تشارك المتسحرين الأجلاء سحورهم ثم لا تصوم، لأن هذا سيبدو جشعاً وطمعاً بالحلاوة وبعض الطيبات الرمضانية الخاصة بالصائمين والمتسحرين.
يتسحر الصغار وينوون الصيام بخشوع مثل الكبار، وما أن تقترب الظهيرة حتى تظهر بوادر الجوع والتبرّم على وجوههم، خصوصاً في أيام الصيف اللاهبة، يبدأون بالتمهيد للإفطار بالبحث عن فتاوى مثل إذا ما كان «بلّ الشفتين واللسان بالماء يفطّر أم لا»! و»العلكة تفطّر أم لا»! فيخبرهم الكبار الطيبون بأن الصيام غير مكتوب عليهم، وأن الله الرحمن الرحيم لا يحمّلهم فوق طاقتهم، وعندما يصر الصغار على الصيام خجلاً وخشية الظهور بمظهر الضعف، يُسعفهم الكبار بفتوى صيام (مئذنة أو درجات الجامع)، وهو صيام للصغار حتى الظهيرة، ولكنه يوازي في أجره وحسناته صيام الكبار حتى المغرب، حينئذ يفطر الصغار وهم سعداء مع الاحتفاظ الكامل بكبريائهم الذي لسعته رائحة الطعام الشهي، أما غلاظ القلوب من الكبار، فيستهترون بهم، ويوبّخونهم، «لماذا تسحّرتم ما دمتم ستفطرون، هااا.. الليلة لن نوقظكم على السحور»!.
تذكرت صيام «درجات الجامع» للصغار، عندما سمعت عن تجديد مبادرة السلام العربية، فهي تشبه مبادرات الصغار الراغبين بتقليد الكبار، مع فارق جوهري، هو براءة الصغار وجمالهم، وضحالة وضآلة وخباثة من يتحدثون الآن عن إحياء مبادرة سلام عربية مع إسرائيل.
أصحاب المبادرة العربية يحاولون لعب دور الكبار، إلا أن ضعفهم وعجزهم ونفاقهم وتذللهم لإسرائيل ولحكومتها الأشد تطرفاً في تاريخها واضح، فالهدف الجدي من إحياء المبادرة ليس إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس وإعادة اللاجئين إلى ديارهم، الهدف هو مناورات كلامية استرضاءً لإسرائيل ولمن وراءها وجرعة من جرعات الوهم بوجود قادة مهتمين بقضية فلسطين، والجميع بات يعرف أن إسرائيل لن ترضى مهما تنازل العرب، ببساطة لأن من لا يملك القوة ولا الإرادة لا يستطيع التنازل عن شيء، فهو لا يملك شيئاً أصلاً ليتنازل عنه، ولهذا لن تستطيع إسرائيل تزويدهم حتى بجرعة من الوهم بأي قيمة لمبادرتهم! لأنه ليس عليهم سوى الإذعان حسب أهواء الكبار وليس أكثر وأن يلزموا حدّهم، أما من ينتظر حلولاً من هذه المبادرات، فسوف يفطر على بصلة في أحسن الأحوال.
عن جوع الكلاب..
أما «جوع الكلاب»، فهو مجاز كنا نسمعه من الكبار، وهم يخصّون به أولئك الذين يمتنعون عن الطعام والشراب، لكنهم يرفثون بأقوالهم وأفعالهم، وتصرفاتهم بعيدة مسافات هائلة عن المشاعر السامية التي يُفترض أن يعيشها الصائم، بل أن بعضهم يتفوه بكلمات فيها كُفرٌ عند الغضب، ويجعل أعراض الناس علكة في فمه، ثم يواصل صيامه كأن شيئاً لم يحدث، ومنهم قاطعٌ لرحمه، ورافض لأي مبادرة للصلح مع أهل بيته أو جيرانه أو أقربائه أو أهل بلده أو زملائه في العمل الذين ربما اختلف معهم لسبب أو لآخر، يواصل عداواته وتكبره وفظاظته غير ملتفت لمعنى الصيام بشيء، فلا يناله سوى الجوع والعطش.
ولكن إذا كان وصف «جوع الكلاب»، ينطبق على هؤلاء، فماذا يمكن وصف جوع أولئك الذين يحاصرون الناس في سوريا والعراق واليمن ويجوّعون البشر طيلة الأشهر والأعوام، ويقصفون عشوائياً وهمجياً أحياء مكتظة بالمدنيين، يهججون أبناء وطنهم، وينهبون بيوتهم، ويفجرون الأسواق والمساجد ويقصفونها، ويدخل رمضان الكريم، فلا يقيمون له حرمة، ويواصلون همجيتهم في القتل والتدمير، يصومون عن الطعام بينما هم يأكلون لحم إخوانهم، يمتنعون عن شرب نغبة من الماء بينما هم يهرقون دماء الناس أنهارا بتحالف مع الأمريكي والروسي والإسرائيلي والإيراني ضد أبناء جلدتهم! ولا يكتفون بهذا، بل يحولون دون إدخال مساعدات للمدن المحاصرة، ثم يدّعون صياماً!
كيف يمكن لمسلم صائم أن يسهم في حصار مئات آلاف الناس ويمنع المساعدات الإنسانية عنهم، بحجة وجود مسلحين بينهم!
كيف لصائمين أن يسمحوا بإذلال الناس من صائمين وغير صائمين!
كيف يمكن لمسلمين صائمين أو غير صائمين أن يقصفوا أحياء مكتظة بالصائمين وغير الصائمين في الرقة وحلب ودير الزور والفلوجة وتعزّ وغيرها وغيرها! إذا لم يكن هذا هو النفاق والكفر و»جوع الكلاب» فما هو الكفر والنفاق وجوع الكلاب!
يغتصبون الأمة ويهتكون عرضها ويهجّرونها، ثم يتمنون لبعضهم البعض وللأمة صياماً مقبولاً وإفطاراً شهياً وعيد فطر سعيداً، أي عهر أقبح من هذا! أليست الكلاب الضالة الجائعة في الوعور وعلى المزابل حول الجيف أرقى وأفضل وأطهر من هؤلاء وأمثالهم؟!

1