أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 4973
صحافة : واشنطن بوست: حرب أوكرانيا كشفت عن تحيز الإعلام والسياسة الغربية.. الحروب تحدث في الأماكن الفقيرة والبعيدة فقط!!
01.03.2022

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للباحث في وقفية كارنيغي للسلام العالمي والزميل في المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن وجامعة كامبريدج، أتش إي هيلير، تحدث فيه عن الكيفية التي كشفت فيها أزمة أوكرانيا عن التحيز العنصري للتغطية الغربية.
وبدأ الكاتب بالإشارة إلى مراسل شبكة “سي بي أس” الأمريكية تشارلي داغاتا، الذي قال: “هذا المكان لم يشهد، مع احترامي للعراق وأفغانستان، نزاعا لسنوات طويلة” و”تعرفون أنه (مكان) متحضر وأوروبي بشكل نسبي، وعلي أن أختار كلماتي بعناية، مدينة لا تتوقع أو تأمل أن هذا سيحدث”.
وقال هيلير إن غزو فلاديمير بوتين “الإجرامي” لأوكرانيا، ولّد حملة تضامن ملهمة حول العالم، لكن للكثير من المراقبين غير البيض، لم يكونوا قادرين على تجاور التحيزات في الإعلام والسياسة الغربية. وأدت تعليقات داغاتا لردة فعل واسعة، ما أجبره على الاعتذار بسرعة، لكنه ليس وحده في التغطية المتحيزة.
وقال معلق في برنامج إخباري فرنسي: “نحن لا نتحدث عن اللاجئين السوريين الذين فرّوا من قنابل نظام بشار الأسد الذي يدعمه بوتين، بل نتحدث عن أوروبيين خلفوا وراءهم سيارات تشبه سياراتنا لحماية حياتهم”. وعلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، قال المدعي العام الأوكراني السابق: “إنه أمر يثير عاطفي عندما أرى الشعوب الأوروبية بعيون زرقاء وشعر أشقر يقتلون كل يوم”، وحتى مقدم الأخبار في قناة الجزيرة القطرية، وقع في التحيز عندما قال: “هؤلاء ليسوا لاجئين يحاولون الخروج من مناطق في الشرق الأوسط”. أما مراسل قناة “أي تي في” البريطانية، فقد قال: “حصل الآن لهم ما لم يفكر به أحد، وهذا ليس بلدا ناميا من العام الثالث، هذه أوروبا”.
وكتب المعلق البريطاني في صحيفة “ديلي تلغراف” دانيال هانان: “يبدون مثلنا، وهو ما يجعل (الأمر) صادما. فالحرب لم تعد أمرا يحدث في الدول المعدمة ولإناس بعيدين”. والتداعيات الضمنية لمن يقرأ أو يشاهد، وتحديدا أبناء أمة تعرّض بلدهم لتدخل عسكري خارجي، نزاعات، عقوبات وهجرات جماعية، هي أن المعاناة كما يتضح من هذا الكلام تكون مؤلمة للبيض الأوروبيين أكثر من العرب أو من شعوب غير بيضاء. فقد تعود اليمنيون والنيجيريون والأفغان والفلسطينيون والسوريون والهندوراسيون على هذا.
والإهانة لا تقتصر على الإعلام، فقد قال سياسي فرنسي إن اللاجئين الأوكرانيين يمثلون “هجرة من نوعية عالية”. وقال رئيس الوزراء الهنغاري إن اللاجئين الأوكرانيين “أذكياء ومتعلمون، وهؤلاء لاجئون ليسوا كالذين تعودنا عليهم، أناس ليسوا متأكدين من هويتهم، وأناس بماض غير واضح، وأناس ربما كانوا إرهابيين”.
وعلى الرغم من الغضب على العدوان الروسي، فكأننا -أي الأوروبيين- غير قادرين على التعرف على حقيقة بسيطة: “لقد مرت علينا أمور كهذه”.
ونفى مراسل مجلة “فانيتي فير” تغريدة على تويتر قال فيها: “هذه بلا جدال أول حرب (نراها حية) تحدث في عصر منصات التواصل الاجتماعي. وكل الصور التي تقطع نياط القلب تظهر روسيا بأنها فظيعة”. وتم حذف التغريدة مثل بقية التجارب التي وثق فيها الكثيرون الحرب وفظائعها خلال العقود الماضية.
وتدخل بوتين في سوريا دعما للنظام الإجرامي هناك، وأدت الحرب إلى جرائم قتل بالجملة، ومعاناة ودمار وتشريد لم نره بعد في أوكرانيا، لكن رد الغرب لم يكن قويا. ونفس الأمر يمكن قوله عن الغزو الأمريكي على العراق وأفغانستان والحرب السعودية في اليمن والاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينيية.
ويقول الكاتب: “هذه معايير مزدوجة واضحة تظهر كيف نقوم نحن الغرب بالتعامل مع السياسة الخارجية، لأننا دائما ما ننزع الإنسانية عن السكان غير البيض، ونقلل من أهميتهم، وهو ما يقود لشيء واحد: الانتقاص من كرامتهم وحقهم بالعيش في كرامة”.
وبعيدا عن الواجبات الأخلاقية والمعنوية هناك الجيوسياسية، فعندما نتعامل مع المعاناة بهذه الطريقة فإننا نشجع أشخاصا آخرين مثل بوتين. وهم يعرفون أن الرقابة عليهم ستكون ضعيفة طالما اهتم الغرب بشأنه، علاوة على نقده لهم. صحيح أن الدول تتدخل دفاعا عن مصالحها وتتذرع بالقيم، لكنها مجرد براغماتية باردة تستخدم في اتخاذ القرار. وصحيح أن “مصالحنا” تقوم بشكل كبير على قيمنا. وعندما تشترط قيمنا وجود سلم حضاري يقع فيه ناس على طرف والآخرون في نهايته، فإننا نفقد أخلاقيتنا العالية. وذكرنا التضامن مع الشعب الأوكراني الشجاع بما هو ممكن عندما نشعر بالتعاطف حقا، ولكن مذاقه سيكون “حلوا ومرّا” لو كان تضامننا عميقا وعادلا. والإعلام يلعب دورا لتجنب هذا، وهناك الكثيرون الذي قاموا بعمل جيد، وبحاجة لمزيد من العمل.