أحدث الأخبار
السبت 27 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 4973
نيويورك تايمز: بوتين قلق من اقتراب الناتو لساحته الخلفية في أوكرانيا بعد القواعد الأمريكية في رومانيا وبولندا!!
18.02.2022

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا للصحافي أندرو هيجينز ألقى فيه الضوء على المخاوف الروسية النابعة من بولندا ورومانيا أكثر من أوكرانيا، ففي الوقت الذي قالت فيه موسكو إنها سحبت بعض المعدات العكسرية من الحدود الأوكرانية وأعربت كييف عن استعداد لإعادة النظر بموضوع عضويتها في الناتو. إلا أن التوترات تصاعدت في وقت لاحق من يوم أمس عندما قال مسؤول أمريكي إن المزاعم الروسية بشأن تقليص وجود القوات كانت “كاذبة” وأن هناك أدلة جديدة على أن موسكو “تحشد من أجل الحرب”.
وبعيدا عن الحشود العسكرية على حدود أوكرانيا فما يقلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو ما يشاهده عالم الآثار والصحافي التلفزيوني البولندي، توماس تشيزيك، الذي يمشي مع كلبه كل صباح عبر غابة بالقرب من منزله هنا على الجانب الشرقي لحلف الناتو، ويتجول على طول حافة سياج أخضر تعلوه سلسلة من الأسلاك الشائكة.
ويظل يستمتع بالهواء النقي والهدوء في الصباح، حتى تبدأ مكبرات الصوت الموجودة على الجانب الآخر من السياج، الذي يحمل لافتات تحذر من التجاوز باللغات البولندية والإنكليزية والألمانية والروسية، في بث السلام الوطني الأمريكي وبدرجة عالية. وقال تشيزيك، مشيرا عبر السياج نحو مجموعة من المباني التي يلفها الضباب، “لا أعرف أي شخص دخل إلى هناك من قبل”. ويعلق الكاتب أن السياج هو المحيط الخارجي، الذي يحرسه جنود بولنديون، لمنشأة عسكرية أمريكية شديدة الحساسية، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيلها هذا العام، وتصر واشنطن على أنها ستساعد في الدفاع عن أوروبا وأمريكا من الصواريخ الباليستية التي قد تطلقها دول مارقة مثل إيران.
إلا أن الرئيس بوتين ينظر إلى القاعدتين العسكريتين في بولندا ورومانيا على أنهما دليل على التهديد الذي يمثله توسع الناتو باتجاه الشرق، وجزء من تبريره لحشوده العسكرية ضد أوكرانيا.
ينظر بوتين إلى القاعدتين العسكريتين في بولندا ورومانيا على أنهما دليل على التهديد الذي يمثله توسع الناتو باتجاه الشرق، وجزء من تبريره لحشوده العسكرية ضد أوكرانيا
ويقول البنتاغون إن الموقعين هما للدفاع ولا علاقة لهما بروسيا، لكن الكرملين يعتقد أنه يمكن استخدامهما لإسقاط الصواريخ الروسية أو إطلاق صواريخ كروز هجومية على موسكو.
وبينما كان يهدد أوكرانيا، طالب بوتين الناتو بتقليص تواجده العسكري في شرق ووسط أوروبا، وهو ما رفضته واشنطن والقادة الأوروبيون بشكل قاطع. وعبر بوتين عن غضبه من الصواريخ الأمريكية بالقرب من الحدود الروسية منذ أن بدأت القاعدة العسكرية في رومانيا بالعمل عام 2016، لكن المنشأة البولندية قرب قرية ريدزيكوفو، لا تبعد عن الحدود الروسية سوى مئة ميل و800 ميل عن موسكو.
وفي مؤتمره الصحافي السنوي في كانون الأول/ديسمبر، قال بوتين “هل ننشر صواريخ بالقرب من حدود أمريكا؟ لا نحن لا نفعل.. إنها أمريكا هي التي أتت إلى وطننا بصواريخها وهي تقف بالفعل على عتبة بابنا”.
وتشير الصحيفة إلى أن القاعدة البولندية تحتوي على نظام يعرف باسم “إيجيس آشور” ورادارات متطورة قادرة على تتبع الصواريخ المعادية وتوجيه الصواريخ الاعتراضية لإخراجها من السماء. وهي مجهزة أيضا بقاذفات صواريخ تعرف باسم أم كي 41 أس، والتي يخشى الروس من إمكانية إعادة استخدامها بسهولة لإطلاق صواريخ هجومية مثل توماهوك.
وقالت الصحيفة إن القرويين في قرية ريدزيكوفو شعروا بالخوف من فكرة أنهم يعيشون بمنطقة تعتبر في مركز مخاوف بوتين الأمنية.
ونقلت الصحيفة عن ريتشارد كوياتكوفسكي، وهو مهندس مدني يعمل في مجال البناء، إن الزبون الذي حجز شقة في مبنى جديد تبنيه شركته اتصل قبل فترة وطالب بإلغاء شرائها المخطط بسبب مخاوف من أن تضرب روسيا منشأة الدفاع الصاروخي في ريدزيكوفو وتتسبب بانهيار اسعار العقارات.
ورغم أن هذا السيناريو غير محتمل، فضربة روسية ستضعها في صراع مباشر مع الناتو، الذي انضمت إليه بولندا منذ عام 1999. لكن الافتراضات الخاصة بأوروبا الموحدة والمسالمة التي ترسخت مع نهاية الحرب الباردة تتداعى مع تحشيد القوات الروسية على حدود أوكرانيا وإرسال أمريكا آلاف الجنود الإضافيين إلى بولندا.
وقال كوياتكوفسكي، الذي شارك في الاحتجاجات ضد المنشأة الأمريكية في ريدزيكوفو عندما تم الإعلان عنها في عام 2016، إن روسيا أججت القلق من خلال المبالغة في التهديد الذي يشكله حلف الناتو. لكنه أضاف أن كلا الجانبين أوجد “آلة خوف ذاتية الدفع” تغذيها حالة من عدم اليقين المثيرة للأعصاب بشأن ما ينوي الآخر القيام به.
وعلق توماس غراهام، الذي شغل منصب كبير مديري شؤون روسيا في مجلس الأمن القومي التابع للرئيس جورج بوش الإبن، إن موسكو لم تصدق أبدا تأكيدات واشنطن بأن نظام دفاعها الصاروخي يستهدف إيران وليس روسيا. وأضاف أن القضية أصبحت رمزا قويا للكرملين لنظام ما بعد الحرب الباردة الذي يعتبره أحادي الجانب بشكل خطير والذي يحاول الآن مراجعته من خلال التهديدات العسكرية.
وأضاف غراهام: “الأزمة الحالية هي في الحقيقة أوسع بكثير من أوكرانيا.. أوكرانيا هي نقطة ضغط ولكن الأمر يتعلق أكثر ببولندا ورومانيا ودول البلطيق. يعتقد الروس أن الوقت قد حان لمراجعة تسوية ما بعد الحرب الباردة في أوروبا لصالحهم”.
توماس غراهام: الأزمة الحالية هي في الحقيقة أوسع بكثير من أوكرانيا.. أوكرانيا هي نقطة ضغط ولكن الأمر يتعلق أكثر ببولندا ورومانيا ودول البلطيق. يعتقد الروس أن الوقت قد حان لمراجعة تسوية ما بعد الحرب الباردة في أوروبا لصالحهم
وفي اجتماع مع بوتين يوم الإثنين، أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن روسيا تريد أن ترى “تغييرات جذرية في مجال الأمن الأوروبي”، تغييرات بعيدة المدى تتجاوز أوكرانيا لتشمل انسحاب قوات الناتو الآن من أوروبا الشرقية، والقيود على نشر الأسلحة الهجومية والقيود على الصواريخ متوسطة المدى.
وقال توماش سمورا، مدير الأبحاث في مؤسسة كاسيمير بولاسكي، وهي مجموعة بحثية في وارسو، “هذه قضية ضخمة بالنسبة لروسيا”، مضيفا أن إغلاق موقع ريدزيكوفو، كما تريد موسكو، هو “خط أحمر” لن تتخطاه أمريكا وبولندا، على الرغم من أن الناتو، ردا على قائمة المطالب التي قدمتها موسكو في كانون الأول/ ديسمبر، عرض مؤخرا مناقشة حول “آلية شفافية” غير محددة على أمل تهدئة المخاوف الروسية بشأن المواقع البولندية والرومانية. لكن موسكو تريد أكثر من ذلك بكثير.
فلطالما اعتبرت روسيا الدفاع الصاروخي محاولة أمريكية خطيرة لإضعاف الضامن الرئيسي لوضعها كقوة عظمى، وهو ترسانة نووية ضخمة. إن احتمال أن تتمكن أمريكا من إسقاط الصواريخ الباليستية الروسية يقوض العقيدة الرادعة المتمثلة في التدمير المؤكد المتبادل، والذي يفترض أن أيا من أكبر قوتين نوويتين لن يخاطر أبدا بحرب نووية لأن ذلك سيعني إبادة كليهما.
وفي أثناء الحرب الباردة، عملت كل من روسيا وأمريكا على تطوير دفاعات مضادة للصواريخ، لكنهما اتفقتا في عام 1972 على التخلي عن برامج الدرع الصاروخية من أجل الحفاظ على الضعف المتبادل والسلام، كما كانا يأملان.
وظلت تلك المعادلة ناجعة لما يقرب من 30 عاما. ولكن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أثار غضب بوتين الذي كان في السنة الثانية من حكمه، عندما أعلن عن الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972 ووجه البنتاغون لبناء نظام لدرء تهديد الصواريخ الإيرانية المحتملة. واستشهد الكرملين مرارا بأن انسحاب أمريكا من اتفاقية كانت حجر الزاوية لعلاقات القوتين العظميين لعقود، كبداية خيبة أمل في أمريكا واعتقاد بوتين بأن المصالح الروسية يتم الدوس عليها بدون مبرر.
وقال بوتين هذا الشهر في الكرملين: “لقد حاولنا لفترة طويلة إقناع شركائنا بعدم القيام بذلك.. ومع ذلك، فعلت أمريكا ما فعلته – انسحبت من المعاهدة. الآن يتم نشر قاذفات صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية في رومانيا ويتم إنشاؤها في بولندا”.
أثار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش غضب بوتين الذي كان في السنة الثانية من حكمه، عندما أعلن عن الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972
وقالها بوتين بصوت عال، إذا اقتربت أوكرانيا من الناتو: “سوف تمتلئ بالأسلحة. سيتم نشر أسلحة هجومية حديثة على أراضيها تماما كما هو الحال في بولندا ورومانيا”.
يعمل موقع إيجيس آشور في رومانيا لمدة خمس سنوات دون وقوع حوادث، لكن روسيا تعتبر منشأة الدفاع الصاروخي البولندية، التي تعطلت في السابق بسبب البناء ومشاكل أخرى، تهديدا أكثر خطورة.
وقال الأدميرال توم دروغان، مدير البرنامج، في تشرين الثاني/ نوفمبر إن نظام الأسلحة تم تركيبه الصيف الماضي في المنشأة، والتي من المقرر أن تبدأ العمل في وقت ما من هذا العام. وقال: “إنها لا تركز على وجه التحديد على التهديدات القادمة من روسيا، على الرغم مما يقولون”.

وتم تقويض التأكيدات الأمريكية بأن إيران وحدها هي التي تحتاج إلى القلق خلال إدارة ترامب عندما صرح الرئيس أن أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية “ستكتشف وتدمر أي صاروخ يتم إطلاقه ضد أمريكا من أي مكان وفي أي وقت وفي أي مكان”. وحاولت واشنطن أيضا إقناع بوتين بأن موقعي الدفاع الصاروخي في أوروبا الشرقية لا يمتلكان أيضا قدرة هجومية يمكن توجيهها بسهولة ضد الأهداف الروسية.
ردا على الشكاوى الروسية، أعلن الناتو الشهر الماضي أن الصواريخ الاعتراضية المنتشرة في مواقع إيجيس آشور “لا يمكنها تقويض قدرات الردع الاستراتيجية الروسية” و”لا يمكن استخدامها لأغراض هجومية”. وأضاف أن الصواريخ المعترضة لا تحتوي على متفجرات ولا يمكنها أن تصيب أهدافا أرضية وإنما أجسام محمولة جوا فقط.
وقال الناتو: “بالإضافة إلى ذلك، يفتقر الموقع إلى البرامج والأجهزة والبنية التحتية اللازمة لإطلاق صواريخ هجومية”.
ومع ذلك، يعتقد بعض الخبراء المستقلين أنه بينما يتطلب الأمر إعادة تنظيم البرامج والتغييرات الأخرى، فإن قاذفات أم كي 42 أس المثبتة في بولندا ورومانيا لا يمكنها إطلاق صواريخ اعتراضية دفاعية فحسب، بل صواريخ هجومية أيضا. وعلق مات كوردا، المحلل في اتحاد العلماء الأمريكيين، أنه “بدون عمليات الفحص البصري، لا توجد طريقة لتحديد ما إذا كان قد تم تثبيت هذه الأجهزة والبرامج الخاصة بتوماهوك في مواقع إيجيس آشور في أوروبا أم لا”.
وحتى الآن لم يسمح إلا للأفراد العسكريين التابعين لحلف شمال الأطلسي بأي مكان بالاقتراب من منصات الإطلاق أو وحدات التحكم الخاصة بها.
لم تستجب البحرية الأمريكية، التي تدير موقع إيجيس آشور في بولندا، لطلب من صحيفة نيويورك تايمز للزيارة.