أحدث الأخبار
الجمعة 26 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
الدمشقيون يجلسون على مائدة الدراويش في رمضان !!
27.06.2016

يعد رمضان الدمشقيين هذه السنة السادس الذي يقضونه في ظل ظروف معيشية صعبة، فبعد أن كان شهر الصيام شهر المائدة المتنوعة في الأكل وحضور اللحم والغلال والحلويات، أصبح كبقية أشهر السنة التي طغى عليها التقشف والحرمان من المواد الضرورية الغذائية الأساسية، في ظل ارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية فتحولت السنوات الأخيرة الماضية إلى صيام وأصبح رمضان شهر الحرمان.
دمشق - تتحسر أم حسن وهي تعد مائدة إفطار رمضان، إذ بات الفتوش والفول الطبقين الرئيسيين، بعدما كانا سابقا من المقبلات التي تسبق وجبة دسمة أصبحت صعبة المنال في ظل غلاء الأسعار.
وتقول أم حسن بعد ترتيبها الأطباق على مائدة الإفطار داخل غرفة متواضعة في أحد أحياء دمشق القديمة “كنت أعد طبخة رئيسية مع المقبلات الطازجة يوميا، أما الآن، فإذا لم يتوفر لدي اللحم، نكتفي بالمقبلات من بطاطا وفتوش مع صحن فول” قبل أن تضيف باللهجة المحلية “وبيمشي الحال”.
لا يختلف حال أم حسن عن الكثير من السوريين الذين تدهورت أوضاعهم المعيشية تدريجيا جراء النزاع الدامي الذي تشهده البلاد منذ مارس 2011. ولئن كانت السفرة الدمشقية ذائعة الصيت بأطباقها الدسمة وحلوياتها العربية خصوصا خلال رمضان الذي يجمع العائلات، فإن حال مئات الآلاف من العائلات تغير وتبدلت العادات وحتى الوجبات في ظل الحرب وغلاء الأسعار مع تراجع قيمة الليرة السورية.
ودفع هذا الواقع إحدى الإذاعات المحلية المعروفة في دمشق إلى استبدال عنوان برنامجها اليومي الخاص برمضان من “خبز وملح” إلى “رمضان الدراويش”، ليقدم للنساء أفكارا حول كيفية إعداد مائدة إفطار بثلاثة دولارات في اليوم الواحد.
وتقول مقدمة البرنامج الذي تبثه إذاعة “شام إف إم” ديالا حسن (26 عاما)، “قررنا أن نقدم برنامجا يعرض طبخة اقتصادية بـ1500 ليرة سورية (ثلاثة دولارات)، بما يتناسب مع دخل المواطن”، مشيرة إلى “خطوط حمراء للمائدة الرمضانية، مثل لحم الخروف أو التوابل غالية الثمن واللوز”.
وتعترف وهي تجمع على الآلة الحاسبة قيمة ما ستكلّفه مائدة رمضان لحلقتها المقبلة، بأنها تنجح أحيانا مع ضيوفها في صنع طبق أو طبقين بالمبلغ المحدد، لكنها تفشل “حين يتضمن الطبق اللحم أو الصنوبر”.
وفي غرفة متواضعة نزحت إليها العائلة من بلدة المليحة في الغوطة الشرقية قرب دمشق قبل أربع سنوات، تنهمك أم حسن بتسخين ما تبقى من طبخة الكوسة المحشية من اليوم السابق.
وتقول “اليوم بتنا نشتري التفاح بالقطعة الواحدة بعدما كنا نحضر كميات كبيرة”، مضيفة “قبل قليل اشتريت تفاحتين اثنتين بمئة وخمسين ليرة، وسنتقاسمهما جميعا بعد الإفطار”. وإلى جانب أم حسن، يجلس زوجها رضا صالح (49 عاما)، بانتظار أذان المغرب، ويتذكر “كنا في الماضي نملأ هذه الطاولة بالمأكولات والحلويات والمشروبات بألف ليرة سورية، أما اليوم لا يكفي المبلغ ذاته لصحن سلطة وصحن فول”. ويضيف “مضى على رمضان أكثر من أسبوعين، ولم نأكل الحلويات حتى اليوم”.
وإذا كانت عائلة صالح قادرة على تدبير أمورها بما توفر لديها من إمكانيات، فإن عائلات أخرى لا تتمكن من تأمين قوتها اليومي، الأمر الذي دفع بجمعيات إنسانية إلى المبادرة لمساعدتها.
ويفترش حوالي مئة متطوع من مبادرة “خسى الجوع” الطريق قرب الجامع الأموي وسط دمشق، وتنهمك مجموعة من النساء يعاونهن شبان في توضيب علب من سلطة الخس والجزر المحشو. وإلى جانبهم يعمل فتيان على تقطيع الخس، وآخرون على طهي الأرز في طناجر كبيرة.
وبعد انتهائه من طهي الأرز، يقول رئيس مجلس إدارة جمعية “ساعد” الخيرية عصام حبال (48 عاما) “أحيانا يأتي متبرع ليقدم العدس أو البرغل، لكني أرفض ذلك لأن الفقير شبع منهما طوال العام”.
وتفتقد المائدة الرمضانية حاليا إلى أحد أهم مكوناتها، وهو الحلويات الدمشقية المعروفة ليس في سوريا فقط، بل في المنطقة العربية أيضا.
في سوق الجزماتية في حي الميدان في جنوب دمشق، يجادل شوكت قرنفلة (67 عاما) البائع حول سعر كيلو المعمول بالفستق الحلبي، وحين يفشل في تحقيق مبتغاه يكتفي بشراء نصف كيلو كنافة بالقشطة.
يلقي قرنفلة نظرة على قائمة الأسعار قائلا “قبل نحو خمس سنوات، كنت اشتري الكثير من الحلويات”. ويضيف “نحن عائلة كبيرة، ولدي أولاد وأحفاد جميعهم يحبّون الحلويات، لكنني غير قادر على شراء كيلو المعمول بعشرين ألف ليرة (40 دولارا)”.
وفي متجر مجاور، يقف أحمد قيصر (30 عاما) بثوبه الأبيض يرتب الحلويات ويقول “ورثت المهنة عن والدي وأجدادي، ولكن لم يمرّ علينا موسم مماثل”. وقد بات الإقبال على الحلويات ضعيفا جدا وفق قوله، بسبب “غلاء الفستق والسمنة والسميد والطحين”.
وفي سوق باب السريجة القريب، يتمشى رياض مهايني (42 عاما) أمام المحلات المغلقة، يحمل بيده كيسا واحدا من “الناعم”، وهو نوع من الحلويات الشعبية التي تقتصر على الخبز المقلي والدبس.
ويقول “لا طعم للمائدة الرمضانية من دون الحلويات، لذلك أحاول إحضار الحلويات لأطفالي ولو من النوع الرخيص”.
لا يتجاوز راتب رياض، الموظف في مديرية المياه، الثلاثين ألف ليرة، أي 600 دولار قبل الحرب مقابل 60 دولارا حاليا.
ويروي “كنا كل ليلة جمعة ندعو الأقارب إلى المائدة الرمضانية، لكننا هذه السنة لم نستقبل ضيوفا”. وفي حي العمارة، يتحسر بائع الفستق محسن طباخة على الماضي ومائدة رمضان، قائلا “نحن صائمون طول السنة بسبب غلاء الأسعار”.

1