أحدث الأخبار
الاثنين 20 أيار/مايو 2024
1 2 3 41123
تكرونة تروي تاريخ الأمازيغ العائدين من الأندلس إلى تونس!!
01.12.2015

تكرونة قرية أمازيغية شامخة فوق الجبل تعاند السماء وتتحدى تضاريس الأرض والطبيعة وتصارع الإهمال، حيث لا تصعد وسائل النقل إلى أعلى الجبل بل تتوقف في القرية الجديدة لتكون بقية الرحلة صعودا على القدمين لتحير الأسئلة الزائر، لماذا اختار الأمازيغ هذا المكان القصي؟
تونس - تعد قرية تكرونة من أقدم القرى الأمازيغية، ومن آخر المواقع التاريخية في الشمال التونسي، التي ترمز إلى حضارة الأمازيغ في منطقة المغرب العربي، والتي استمرت حسب بعض الدراسات منذ الآلاف من السنين.وتقع القرية الأمازيغية في محافظة سوسة وعلى بعد 100 كم جنوب العاصمة تونس، وتفتح على خليج الحمّامات وهرڤلة وسوسة وجبل زغوان والقيروان، ممّا جعل منها مسرحا للعديد من المعارك خلال الحرب العالميّة الثّانية.
بُنيت تكرونة فوق جرف صخريّ مغطّى بالصّبّار، قد يعود عهد تكوّنه إلى فترة الميوسين (حوالي 22 مليون سنة) من العصر السّينوزي (الحقبة الجيولوجيّة الثّالثة)، ويعلو حوالي 200م عن مستوى سطح البحر. وقد بُنيت القرية من منازل حجريّة تعكس هندستها طريقة البناء الأمازيغية الأصيلة، فناء يتوسّط الدّار تحيط به الغرف المقبّبة.
ولا تزال القرية إلى اليوم تحافظ على اسمها الأمازيغيّ حيث لا توجد ترجمة عربيّة لاسمها الذي يرتبط باسم قبيلة أمازيغية سكنت الأندلس منذ القرن الثّامن ميلادي وقد أطلق اسم “تكرونة” على منطقة جبليّة قرب ملقة الأسبانيّة، ومع بداية طرد المسلمين من الأندلس هاجرت منذ سنة 1609 العديد من العائلات إلى البلاد التّونسيّة واستقرّت عائلة أمازيغية في أعلى الصّخرة وهي مرجع التّسمية وأصلها.
وتتميز القرية بجمالها الفريد من خلال تموضعها أعلى الجبل حيث يمكن مشاهدة المنازل في هذه القرية من مكان بعيد نظرا لارتفاعها إضافة إلى جمال غابات الزيتون الخضراء المحيطة بها والأراضي الزراعية.
ويمكن الصعود إلى القرية التي تقع على علو مئتي متر عبر طريقين، إذ لا تصعد الحافلات إلى أعلى الجبل؛ الأولى في شكل مدرج تحيط به الصخور الكبيرة مرصفة بإتقان منمقة كحبات الفسيفساء تدفع الزائر للتساؤل “كيف رُصّفت بهذه الأناقة وكيف وضعها القدامى هنا؟ وبأي وسائل تم جلبها إلى أعلى؟”، كلها أسئلة تخامر الزائر وهو يجاهد نفسه للصعود إلى أعلى حيث الهواء النقي.
أما الطريق الثانية فهي أكثر طولا معبدة في شكل دائري إلى اليمين، سور حجارتها كبير يمكن للناظر من خلاله التأمل في المنازل القديمة المهدمة التي حافظت على مسحة من الجمال رغم تقادم العهد فبدت كعروس أمازيغية تقدمت في السن ولنضارة وجهها وسحر ابتسامتها تأثير على النفس.
تتحدث “أم محمد” التي ورثت مسكنها فيها أبا عن جد، عن القرية وذكرت بعض الصعوبات المعيشة فيها، تقول إن جزءا كبيرا من سكان القرية غادرها بسبب الظروف المعيشية القاسية وقلة فرص العمل، حيث انتقلت العائلات تبحث عن ضالتها في المدن الكبرى، وذلك عدا الصعوبة في الحصول على المياه الصالحة للشرب أعلى التلة وكذلك صعوبة التنقل عبر المسالك الوعرة.
وتضيف أم محمد أن توافد السياح “أسال لعاب رجال الأعمال والمستثمرين الذين أقبلوا على شراء المنازل القديمة والمهجورة بقصد تحويلها إلى مشاريع سياحية وثقافية مربحة”.
وقد مثّلت القرية أثناء الحرب العالميّة الثانية مسرحا للحرب بين قوّات المحور وقوّات التّحالف وتمّ قصفها في العديد من المرّات ممّا نتج عن القصف تدمير المسجد والعديد من المنازل وهو ما أجبر السكّان على النّزول من أعلى الصّخرة والاستقرار على مشارف الطّريق قرب المزارع الواسعة وبساتين الزّيتون.
ولا تزال العائلات التي تقطن القرية تحافظ على العادات الأمازيغيّة وعلى خصائص المطبخ الأمازيغيّ من خلال المواظبة على إعداد خبز الطّابونة وطهي الأكلات الشّعبيّة كالمحمّصة والكسكسي. وعن ثراء المخزون الثقافي والحضاري للقرية ذكر أحد أبنائها وهو الأديب التّونسي الطّاهر قيقة “تكرونة هي الجبل، هي الرّيف، هي الجامع والزّاوية والمقبرة والصّخور المتناثرة بين المنازل، تذكّر أهل القرية بالشدّة والصّلابة اللتين جبلوا عليهما مع الأنفة وعزّة النّفس والشّموخ، تكرونة هي المنبت”.
حاضر القرية لم يختلف كثيرا عن الواقع الذي شخّصه ابنها الأديب الطّاهر قيقة رغم مرور السّنوات، فالقرية ورغم ما تحتكم عليه من مخزون ثقافيّ وحضاريّ غزير لم يقع استغلالها بالشكل المطلوب والأمثل ولم يتمّ إدراجها ضمن المسالك السياحيّة المنتظمة رغم أنّها كانت في بعض المناسبات قبلة صنّاع السينما والدّراما ومسرحا لبعض التّظاهرات الثقافيّة وبعض الرّحلات التّرفيهيّة.

1