أحدث الأخبار
الاثنين 20 أيار/مايو 2024
1 2 3 41123
الوشم عند الأمازيغيات جمال وهوية وخصوبة !!
31.10.2015

الوشم نوع من الرسم على الجسد ضارب في القدم يحمل دلالات طقوسية واجتماعية في شمال أفريقيا، وكان يقصد به استرضاء الآلهة وتحديد الهوية القبلية وطلب الخصب. وارتبط عند البربر الأمازيغ بمعاني الأنوثة والخصب فالمرأة الواشمة هي المرأة الناضجة للزواج.
الجزائر- يعتبر الوشم تقليدا طقوسيا عريقا وموغلا في الثقافة الأمازيغية، وغالبا ما يرتبط بالنظام القيمي أو الثقافي لدى المجتمع الأمازيغي الذي مارسه، أو بتقاليده ومعتقداته وديانته، فالإنسان الأمازيغي كان يعيش في عالم من الرموز والعلامات والقوانين التي يقصد بها التأكيد على انتمائه إلى هويته الأمازيغية المنتشرة في الجزائر والمغرب وتونس.
واستخدم الأمازيغ الوشم تعبيرا عن الانتماء والهوية، فضلا عن دلالات دينية تبعد الحسد والأرواح الشريرة وتجلب الحظ السعيد.
وقد ظل الوشم عبر العصور برموزه وأشكاله وخطوطه من بين أهم وسائل الزينة على جسد المرأة الأمازيغية خاصة الوجه واليدين والرجلين، في ظل غياب المساحيق وأدوات الزينة التي نراها اليوم.
ويذهب الباحثون في الموضوع إلى الاعتقاد بأن الوشم على جسد المرأة هو دليل على الاكتمال والنضج الجنسي لديها وعلامة العافية والخصوبة، فلا توشم إلا الفتاة المؤهلة للزواج، كما يعتبر دلالة على اكتمالها جمالا، وقدرتها على تحمل أعباء الحياة الزوجية كما تحملت آلام الوخز. ويصبح الوشم بوابة عبور لسن الرشد ومعه بوادر الزواج وهو في هذه الحالة يصبح مظهرا جماليا تود من خلاله المرأة الشابة إبراز مفاتنها، وإعلان نضج أنوثتها.
وهناك آخرون من يخالفون هذا القول ويظنون أن الوشم بكل ما يعنيه من وخز وألم كان يستعمل لكبح جماح الغريزة وتدبير الطاقة الجنسية لدى الفتاة. ويستدلون في تبرير ظنهم هذا بوجود الوشم لدى بعض النساء في أماكن حساسة ومستورة من أجسادهن وهو ما قد يكون علاجا زجريا لهن في حالات الفوران الجنسي.
„باحثون: الوشم بكل ما يعنيه من وخز وألم كان يستعمل لكبح جماح الغريزة وتدبير الطاقة الجنسية لدى الفتاة، بدليل وجوده لدى بعض النساء في أماكن حساسة ومستورة من أجسادهن“
وتقع وشوم المرأة الأمازيغية، في مختلف مناطق الجسد، منها الشعر والرأس والجبين، وما بين الحاجبين والخد والذقن والوجه والكتف والذراع، واليد كفا ومعصما والصدر والنهدين والبطن والظهر، والفخذ، والمناطق الحساسة من جسدها، والركبة، والقدم، والساقين.
وكان إنجاز الوشم جزءا من طقوس الكهانة، تقوم به امرأة كاهنة، تكون قد خضعت لطقوس التكريس عند ضريح ولي متخصص، حيث ترى في منامها بأنها تستلم إبرة الوشم، كما أنها قد تستلهمه من إحدى الممارسات العريقات اللواتي يحول سنهن المتقدم في الغالب دون الاستمرار بممارستها فيبحثن عمن يكمل مسيرتهن.
وتقول مسعودة، إمراة جزائرية في الثمانين من العمر إنها تلقت الأوشام من امرأة غجرية رحالة يطلق عليها اسم “عداسية”. ويظن الكثيرون في الجزائر أن هؤلاء الغجر قدموا إلى داخل الجزائر من الصحراء، من سيدي عيسى، أو من وهران، وآخرون يؤكدون أن الموشمين جاؤوا من تونس.
وتستعمل المرأة الواشمة مجموعة من التقنيات كالأدوات الحادة، والإبر الواخزة، أما مواد التزيين فهناك الكحل، والنؤور أو ما يسمى بدخان الشحم، والأعشاب العطرة، والفحم الأسود، والتوابل، وبقايا احتراق السخام، والحرقوص، والقرنفل، ومواد كيمياوية وطبيعية مختلفة.
ولا تكون الرسوم والعلامات الموشومة على جسد الفتاة الأمازيغية عبثية، فوشم علامة (+) يعتبر أشهر حرف توشم به الأمازيغيات، وهو ليس صليبا كما يعتقد البعض بل حرف تاء في الأبجدية الأمازيغية مستلهم من كلمة “تامطوت” بمعنى امرأة والمقصود به في ثقافة الأمازيغ امرأة كاملة الأنوثة والجمال.
ورغم أنّه ليس من الواضح كيف يدل كل رمز على الجمال، إلا أنّ الرموز تظهر توافقا كبيرا مع مكان وضعها، فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك رمز الشمس، فإنّه يوضع على الخد. ورموز أخرى توضع عادة على الوجه بما فيها “عين الحجلة” (عين الحجل الطائر)”.
وهناك عدد من الرموز التّي تمثل رجلا قويا مثل رمز رداء لجندي مصنوع من جلد الحيوان، ويوجد هذا الرمز الذكوري على جبين المرأة في الغالب. وكذلك رمز رِكاب الحصان والذي يرتبط بالخيّال القوي. وتمثل الرسوم المعتمدة في الوشم جوانب أساسية من ثقافة سكان مناطق شمال أفريقيا تحمل قصصا معينة.
والأوشام الموجودة على الوجه ليست الوحيدة التي قد تملكها النساء، فهناك أوشام أخرى موجودة في أجزاء أخرى من الجسد لها معنى آخر بالكامل، كالأوشام التي وضعت على الصدر، وعلى الجزء الخلفي من اليد، أو فوق الكاحل تدل على الخصوبة وصحة الطفل. وقد وشم البعض كامل ساعدهم، وقد تم ملؤه غالبا برموز أكثر حرفية: عقارب، غزلان، جِمال، وساعات يد.
وبدأ الوشم عند الأمازيغيات يندثر في العصر الراهن، فالكثير من اللواتي يحملن وشما في وجوههن يعملن بجهد لإزالته حيث أصبحن ينظرن إليه كعلامة تشوه وجوههن ولا تجملها كما كان سائدا من قبل. ومع ظهور أدوات الزينة والتجميل وتنوعها وكثرتها في الأسواق لم يعد للوشم من فائدة ولا حتى من دلالة روحية خاصة مع ظهور الوشم العصري.

1