أحدث الأخبار
الأحد 19 أيار/مايو 2024
1 2 3 41123
بعد 70 عاما.. اليابان تبكي هجوما نوويا لا مبرر له !!
06.08.2015

"صبي صغير ورجل بدين".. ربما هي كلمات يمكن أن تعترض أسماع الناس بشكل يومي وعادي، في تعبير عن حياة طبيعية في المجتمع اليومي المعاش. لكن الأمر يصبح مرعبا وبشعا بشكل مفاجئ ومهول، عند وضع كلمتي الصبي الصغير والرجل البدين في سياق تاريخ السادس من أغسطس من سنة 1945 وتحديدا على الساعة الثامنة والربع صباحا فوق سماء مدينتي هيروشيما وناغازاكي. إذ أن الكلمتين هما رمزا للقنبلتين النوويتين اللتين أسقطتا على اليابان لإنهاء الحرب العالمية الثانية.
طوكيو - قليلة هي الأمور التي يمكن أن يستمر الجدل حولها رغم مرور 70 عاما على حدوثها كما هو حال استخدام الولايات المتحدة للقنابل الذرية في هيروشيما في السادس من أغسطس من عام 1945 ثم ناغازاكي بعدها بثلاثة أيام. فأثار الدمار الذي ألحقته أول تجربة للسلاح النووي على البشر في التاريخ لا تزال إلى يومنا هذا مثخنة في ضررها ضد الإنسان.
وقد قال علماء كثيرون إن من يكابدون كوارث نووية هم أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية حادة منها الاكتئاب وكرب ما بعد الصدمة وهي الإصابات التي تفوق في حجمها أي ضرر جسدي ناجم عن الإشعاع.
وقال العلماء في دراسات نشرت نتائجها في دورة “لانسيت” الطبية بمناسبة الذكرى السنوية الـ70 لقيام الولايات المتحدة بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي “إن من بين العوامل التي تضاعف الإحساس بالصدمة حالة الهلع والاضطرار إلى النزوح عن الديار”. وبالتالي فقوة التأثير السلبية على النفسية أقوى بكثير من الإصابات الجسدية التي تخلفها القنابل النووية وتبعاتها.
وتتعارض هذه النتائج مع مفاهيم خاطئة تقول إن الكوارث النووية تسببت في وفيات وأمراض بدنية فقط، فيما وجد الباحثون أن تداعيات الصحة العقلية كانت الأكثر قوة. وقالت أكيرا أوهتسورو من جامعة فوكوشيما الطبية إنه “في معظم الحوادث النووية يتعرض قلة من الأشخاص لجرعات من الإشعاع تهدد حياتهم، لكن الأمر فظيع فيما يتعلق بالذاكرة والتوازن العقلي والصحة النفسية”.
وبالبحث في تاريخ الكوارث الإنسانية المتعلقة بالسلاح النووي، فإن الحوادث النووية غير شائعة لكن 5 منها أدرجت خلال الأعوام الستين الماضية على قائمة الحوادث “الشديدة”، وهي حادثة كيشتيم في روسيا عام 1957، وويندسكيل ببريطانيا عام 1957، وثري مايل آيلاند بالولايات المتحدة عام 1979، وتشرنوبيل في روسيا عام 1986، وفوكوشيما باليابان عام 2011. وقال كويتشي تانيجاوا من جامعة فوكوشيما النووية الذي أشرف على إحدى هذه الدراسات إن العبء النفسي للذين يعيشون في المناطق المنكوبة غالبا ما لا يلتفت إليه أحد، “لكن واقعهم صعب للغاية”. وتوصل منتدى تشرنوبيل التابع للأمم المتحدة عام 2006 إلى أن المسألة الأكثر تأثيرا على الصحة العامة هي الضرر الذي يلحق بالصحة العقلية.
وعلى الرغم من مرور العديد من السنوات على هذه الحوادث فإن معدلات الإصابة بالاكتئاب واضطرابات كرب ما بعد الصدمة لا تزال أعلى من معدلاتها الطبيعية. وبعد حادثة فوكوشيما سنة 2011، رصدت مشكلات مماثلة منها أن نسبة البالغين الذين يعانون من الاضطرابات النفسية زادت بواقع خمس مرات تقريبا بين منكوبي الكوارث النووية أي بنسبة 14.6 بالمئة مقارنة بنسبة 3 بالمئة بين السكان الآخرين. يقول الباحثون إنه تم إجلاء 170 ألف شخص من السكان من دائرة نصف قطرها 30 كيلومترا حول محطة فوكوشيما النووية.
وإذا كان الأمر بالنسبة لفوكوشيما هكذا، علما وأن تلك الأزمة لم تكن اعتداء خارجيا على اليابان مثلما حدث في هيروشيما وناغازاكي وإنما تسربا في مجمع نووي ياباني، فإن هجوم الحرب العالمية الثانية يمثل إلى حدود الآن جرحا غائرا في أعماق الناس الذين لا يزالون على قيد الحياة والذين نجوا من ذلك الهجوم بأعجوبة، فأكثرهم ليس في حالة مستقرة على المستوى النفسي.
وفي السياق، مسّ متحف أميركي شهير وترا حساسا داخل نفسيات الناس منذ أكثر من 20 عاما عندما عرض الطائرة التي أسقطت أول قنبلة ذرية في العالم على اليابان. وكان من المخطط أن يعرض المتحف الوطني للطيران والفضاء التابع لمؤسسة سميثسونيان في عام 1995 قاذفة القنابل “إينولا جاي” وهي التي حملت القنبلة النووية التي قصفت مدينة هيروشيما اليابانية، قبيل الذكرى الـ50 لقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي في أغسطس عام 1945، إلا أنه سرعان ما تم التراجع عن خططه بعد أن تلقى مجموعة من ردود الفعل الغاضبة.
وتعرض جناح “الركن الإنساني” الذي كان من المخطط عرضه، والذي يضم ساعات محترقة وساعات حائط مكسورة ومجسم صندوق طعام متفحم لإحدى التلميذات وصورا بالحجم الطبيعي للضحايا، لاعتراضات من الجيش، الذي رأى أن التصوير العاطفي للضحايا يقوض من الضرورة التكتيكية لإلقاء القنبلة. ودعت الخطة المقترحة إلى تجميع إفادات من ناجين يابانيين، ونصحت بمراقبة عائلية للأطفال الزائرين.
ويذكر أن القنبلتين تسببتا في مقتل من 100 إلى 120 ألف شخص في ذلك الوقت ومثلهم قبل نهاية ذلك العام متأثرين بإصابات إشعاعية وجروح وصدمات نفسية عميقة أدت إلى فقدانهم التام لمداركهم العقلية وحالات انتحار ضخمة، وكانوا جميعهم تقريبا من المدنيين.
“كان يمكن أن ينتهي الصراع بسرعة دون استعمال القنبلة النووية”، هكذا تحدث هربرت بيكس، الحاصل عل جائزة بوليتزر لعام 2001 وصاحب كتاب “هيروهيتو وصناعة اليابان الحديثة” والأستاذ الفخري بجامعة بينجهامتون في نيويورك. ونفى بيكس بشدة أن يكون التدمير الذري الذي حدث في المدينتين ضروريا لإنهاء الصراع خلال تلك الفترة، وقال إن الحرب كانت ستنتهي لا محالة حتى دون استخدام السلاح النووي. وأضاف “منذ اللحظة التي علم فيها الرئيس الأميركي حينذاك هاري ترومان أنه يمتلك هذا السلاح الجديد في ترسانة الولايات المتحدة وأنه جاهز للاستخدام الفعلي، أصبح الخيار النووي يشكل سياسته الخارجية.
ورغم أن الجميع يعترف بأن إلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازاكي من قبل الأميركيين كان مأساة رهيبة على الشعب الياباني وما تزال عواقبهما الوخيمة مستمرة، فهم يمرضون ويموتون حتى يومنا هذا، إلا أن الجدل لا يزال مستمرا حول ما إذا كان استخدام القنابل الذرية ضد اليابان عملا مبررا. فعلى سبيل المثال هناك اعتقاد سائد في الولايات المتحدة مفاده أنه ما من شيء مثل الإبادة النووية في هيروشيما وناغازاكي، أجبرت اليابان على الاستسلام، وهذا هو الذي أنقذ حياة عدة آلاف من الجنود الأميركيين والبريطانيين، الصينيين والسوفييت، وحتى اليابانيين أنفسهم.
لا مبرر لاستعمال النووي
وفي الوقت نفسه يمكن العثور على تصريح لرئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت ونستون تشرشل يفيد أن اليابان أجبرت على الاستسلام ليس بسبب القنبلة الذرية الأميركية، وإنما دخول الاتحاد السوفييتي الحرب، وهذه وجهة نظر معروفة من قبل أي طالب روسي للتاريخ أو للسياسة، ولكنها أصبحت في غياهب النسيان في الغرب. ولذلك، بدت مقالة المؤرخ البريطاني وارد ويلسون بعنوان “ستالين في غضون أربعة أيام استطاع أن يفعل ما لم تتمكن الولايات المتحدة من فعله في أربع سنوات” وحيا لكثير من القراء الغربيين.
وقد أكد هذه القراءة ما دار في المجلس الأعلى لإدارة الحرب، عندما قال رئيس الوزراء الياباني كانتارو سوزوكي في اليوم ذاته الذي حدث فيه الهجوم أي السادس من أغسطس 1945 “إن انخراط الاتحاد السوفييتي في الحرب هذا الصباح يضعنا في وضع حرج ويجعل من المستحيل مواصلة الحرب”، وبالتالي فإن اليابان ذاتها كانت قد قررت الخروج من الحرب تلقائيا، ما يجعل خيار استعمال الولايات المتحدة للقنبلة النووية خيارا لا مبرر له وغير إنساني بكل المقاييس.
وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأميركية أنموذجا في تقديم الوجه السيئ في توظيف العلم لصالح الأغراض السياسية التوسعية التي من خلالها تريد السيطرة على العالم، أصبحت العديد من الدول ـ أسوة بأميركا ـ تسعى إلى الحصول على الأسلحة النووية لتبرير وجودها وخلق حصانة بقوة الواقع للبقاء، والمسألة في هذا السياق مناطة بعهدة الأنظمة لا الشعوب، ولا أدل على ذلك اليوم من النموذج الإيراني، الذي يسعى إلى امتلاك القوة العسكرية النووية لوضعها في واجهة مشروعه التوسعي في المنطقة العربية، بعد أن تمكنت إسرائيل من ذلك.

1