أحدث الأخبار
الأحد 19 أيار/مايو 2024
1 2 3 41123
ناحت الخشب الحنون يهدي فلسطين ألحان الكمان من أجل الحياة !!
21.07.2015

لحن الرصاص قد عزف كثيرا في فلسطين، ولم تبق للحياة أغنية واحدة أو حتى كلمات لإرضاء الخاطر.. ربما بعد هذه القفلة الموحية بقوة رموز الحكاية وعمقها في الوجدان، تُفتح الأعين فجأة لتسمع فعلا لحنا للحياة، ومن قلب رام الله أيضا. فهناك.. يكمن شاب فنان في ورشته العتيقة، يلامس الخشب وخيوط الأوتار لتستحيل فجأة آلة كمان يافعة، تغني وتغني.. فتهدي الحياة من جديد لفلسطين، كل فلسطين.
رام الله (فلسطين) - سحرته في ذات يوم، فأصبحت أنامله تتراقص على أوتارها، يريد منها أن تبوح له بمكنون قلبها، حتى تشدو لحنا للسلام والحب، تلك هي العلاقة بين الشاب الفلسطيني، شحادة شلالدة وآلة الكمان التي برع في صناعتها، فحلق بها بعيدا.
شلالدة شاب في ربيعه الرابع والعشرين، يسكن بلدة رام الله التحتا وهي رام الله القديمة، وسط الضفة الغربية، أراد من وراء حرفته هذه، أن يقول للعالم “نحن أناس كغيرنا، نعشق، ونفرح، ونلعب، ونعمل، ونبدع، ونحب السلام”.
يمكن أن تلتقيه دائما وفي كل الأوقات تقريبا في ذاك البيت الحجري القديم بالبلدة التابع لمعهد الكمنجاتي للموسيقى وهو معهد خاص لتعليم الموسيقى والعزف والغناء، والذي يعد بمثابة ورشة يقضي بها يومه في تصنيع آلة الكمان وآلات موسيقية أخرى كالعود والغيثارة والربابة وآلات أخرى.
وعن دراسته لهذه الحرفة، يقول شلالدة “تعلمت فن صناعة الكمان، وتصليحها من خلال دورات في كل من إيطاليا وبريطانيا بين عامي 2005-2008، ومنذ خمس سنوات أعمل في هذه الورشة التي باتت تمثلني”.
وبينما كان يمسك بيده مشرطا (وهي آلة معدنية مدببة تستخدم للشق والتنقيب عن شيء ما) بدأ شلالدة يتحدث عن الوقت الذي يستغرقه في صناعة آلة الكمان الواحدة قائلا إنها “تحتاج نحو الشهر من الإعداد”. وعن سعرها قال إنها “تباع بحد أدنى خمسة آلاف دولار أميركي”.
أما زبائنه فهم “عازفون محليون وأجانب ممن يسمعون عنه”، ويقوم ببيعها لمن بالخارج إما عن طريق شركات شحن البضائغ، أو المشاركة في معارض.
علامته التجارية التي يحفرها في جوف آلته، تتمثل في عبارة “صُنع في فلسطين”، وهي عبارة يريد من خلالها أن يوصل إلى العالم رسالة معنوية مفادها أن يبقى وطنه المحتل فلسطين، حاضراً في وجدان كل إنسان، وأن هذه الصناعة هي فلسطينية 100 بالمئة.
يُعرف عن الشعب الفلسطيني، انشغاله بالسياسة، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن هذا الشاب يرى أن “هناك شريحة واسعة من الفلسطينيين العازفين الذين يعشقون الموسيقى”.
ويقول “بالموسيقى نكسر الصمت، والحزن، وقيد الاحتلال، فكل واحد من أبناء شعبي لديه من الطاقة والإبداع ما يؤهله لأن يكون عنصراً مبدعاً في الموسيقى، والفن، والعلم، والاقتصاد وليس السياسة فقط”.
“نحن أناس كما غيرنا، نعشق، ونفرح، ونلعب، ونعمل، ونبدع، ونحب السلام”، يمضي في حديثه وهو منهمك في آلته التي على الرغم من عشقه لها، وبراعته في صناعتها وأوتارها، إلا أنه لا يتقن العزف عليها.
يتابع شلالدة حديثه قائلا إنه “في البداية كان الناس ينظرون إلي باستغراب، وحال لسانهم يسأل ما هي هذه المهنة؟ وهل يستطيع أن يعيش ويعيل أسرته منها”؟
ويحصل شلالدة على معدات التصنيع وخاصة الأوتار، وخشب القيقب، من بلدان أوروبية، لافتقار فلسطين إليها، وتساعده على ذلك إحدى المؤسسات الفلسطينية “الكمنجاتي” المهتمة بدعم الحرف والمهن الموسيقية والفنية.
و“الكمنجاتي” هي مؤسسة فلسطينية غير ربحية، تأسست عام 2002، بجهود شخصية، الهدف منها دعم وتثقيف الأطفال، من خلال تسهيل وصول الموسيقى إليهم، خاصة أولئك الذين يعيشون في المخيمات والقرى داخل الوطن، ومخيمات الشتات، حيث تعتبر تكاليف الدراسة في المؤسسة رمزية.
ويؤكد شلالدة أنه قد تمتع بمنحة من مؤسسة “الكمنجاتي” لتعلم فنون صناعة الآلات الموسيقية، مؤكدا أنها تحملت كافة المصاريف عند دراسته في كل من إيطاليا وبريطانيا وأيضا تبرصاته في دول أوروبية أخرى.
ويستقبل شلالدة في اليوم أكثر من ثلاثة زبائن يقبلون على صناعته، وقد أكد أن زبائنه دائما ما يشكرون حرفته ويثنون عليها. وقال شلالدة “الفلسطينيون فنانون، ويحبون الموسيقى والعزف والحياة”.

1