أحدث الأخبار
الأحد 19 أيار/مايو 2024
1 2 3 41123
أركان أقدم أشجار المغرب تحتفي بانطلاق فصل جني بذور الزيت الذهبي !!
26.06.2015

شجرة اعتمد عليها سكان القبائل الأمازيغية المغربية في الأقاليم الجنوبية للمملكة، وجعلوا لها مكانة مرموقة في نمط عيشهم اليومي، فهي شجرة تنتج زيتا سحريا ذا منافع للناس كثيرة، تلك هي شجرة “أركان” أقدم الأشجار المعمّرة في المغرب، استفادت منها القبائل المجاورة لغاباتها الشاسعة. كما أضحى زيت بذورها، التي ينطلق موسم جنيها في بداية الصيف، مادة ثمينة للتصدير.
يوسف حمادي .. تغطي شجرة أركان مساحات شاسعة من غابات جنوب المغرب، ويوجد أكثرها بمحافظة سوس ماسة درعة، جنوب المملكة التي تضم قبائل الشلوح المحيطة بمدينة أكادير الممتد إقليمها بين مدن الصويرة تارودانت وتزنيت وتفراوت وبيوكرا.
وحسب خبراء التربة والزراعة، فإن شجرة أركان شجرة معمرة، يتراوح عمرها ما بين 1500 و2000 عام، اعتمد عليها سكان القبائل الأمازيغية في أقاليم سوس وحاحا والشياظمة، وجعلوا منها مراعي لماشيتهم في مناطقهم الجبلية الوعرة. كما استعملوا أغصانها حطبا للطبخ والتدفئة في ليالي الشتاء، واستخدموا أخشابها أعمدة وهياكل لمساكنهم التقليدية، في حين أضحى الكثير من الحرفيين في إقليم الصويرة ينحتون منها تحفا بديعة.
والأهم من ذلك بالنسبة إلى المغرب، منذ سنوات طويلة، أن نوى شجرة أركان، وهي عبارة عن بذور جوزية صلبة ذات لون بني فاتح، تستعمل لإنتاج زيت يعتبر من أجود الزيوت الطبيعية في عالم الطبخ والتجميل، نظرا إلى فوائده الصحية الكثيرة. ومن المعروف، في الثقافة الشعبية لدى السكان المحليين بمنطقة الشلوح، أن لهذا الزيت فوائد غذائية وعلاجية جمّة، فحسب قولهم يحافظ زيتها على نعومة البشرة ويحمي جلدها من الضعف ويقاوم التجاعيد.
ويقوم سكان المناطق المجاورة لغابات الأركان بجني ثمارها بعد نضجها وتساقط بذورها، ومن عادة هؤلاء السكان جني بذور تلك الشجرة مع بداية فصل الصيف، حيث يعملون على فصل نواها اللين عن قشوره الصلبة التي يستخدمها أهالي المنطقة أيضا في تغذية قطعان الماعز.
وبعد جني بذور أركان واستخراج نواها الأبيض الشبيه ببذرة اللوز، ينشره الأهالي على الأرض كي يتعرّض لأشعة الشمس في فضاء خارجي إلى غاية أن يجف، ومن ثمة تقوم النساء بطحنه بالرحى الحجرية التقليدية لتقطير زيت الأركان ذي المذاق الغذائي المنسم طبيعيا برائحة شذية ولذيذة.
ويشير بعض أهالي مدينة أكادير، في حديثهم لـ“العرب”، أن هناك من سكان القبائل التي توجد بها أشجار أركان، وخاصة بمحافظة سوس ماسة درعة، من يحتفظ بمحصوله من زيت أركان في قلل وخابيات طينية، ثم توضع في مكان آمن بالمنزل خوفا عليها من التلف وضياع جودتها وحمايتها من عبث الحشرات.
وقبل طحن نوى أركان لاستخراج زيتها يعتمد جني بذورها طقوسا وتقاليد عريقة عند الأمازيغ، من ضمنها نظام تقليدي يدعى أكدال، وهو إجراء وقائي تنظيمي تقوم بمقتضاه القبيلة بإغلاق المجال الغابوي الذي يضم أشجار أركان وتمنع جميع أنشطة الرعي في المنطقة احترازا من قيام المواشي بإتلاف محصول بذور تلك الأشجار التي يكون أغلبه قد بدأ في التساقط على الأرض عند النضج.
ويقول الدا حماد، وهو من أعيان المنطقة، في تصريح لـ“العرب”، إن منع الرعي في غابة الأركان يحافظ على بذورها من استهلاك الماعز، وهو تنظيم وقائي يمنح الأركان فرصة أكبر لتجف بذورها ويكتمل نضجها.
وبعد مرور أيام على منع الرعي وسط الغابة، يعلن شيخ القبيلة عن افتتاح موسم جني أركان بشكل منظم عن طريق مناد يدعى البراح الذي يعلن في أسواق المحافظة ومجمعاتها السكانية أو بواسطة المآذن قبل آذان الصلاة، موعد فتح غابة أركان لجمع البذور.
سكان المناطق المجاورة لغابات الأركان يعتبرون تلك الأشجار مخزونهم الزراعي الرئيسي، كما يعد زيت الأركان عنصرا اقتصاديا أساسيا بالنسبة إلى تلك القبائل التي يغلب عليها الطابع العشائري التضامني.
ويؤدي مخزون زيت أركان دورا استراتيجيا في ضمان التوازن للأسرة المنتجة له على مدار العام، كما تقوم الأم بدور فعال داخل الأسرة في تدبير ذلك المخزون وفق توزيع عادل وصارم.
وغالبا ما تكون الأسر المنتجة لكميات كبيرة من زيت الأركان من أعيان القبيلة ووجهائها، وهو ما يتيح لها بيع مخزونها دفعة واحدة، نظرا لما تمتلكه من فوائض، على خلاف الأسر ذات الإنتاج المحدود التي تتصرف في مدخراتها بالحكمة القائلة “الكفاف والعفاف والغنى عن الناس”.

1