أحدث الأخبار
الجمعة 10 أيار/مايو 2024
1 2 3 41123
برج اليهودي وأسوار الوطاسي يشهدان على مناعة العرائش المغربية أمام الغزاة !!
04.04.2015

العرائش (المغرب) – مدينة العرائش، القريبة من طنجة شمالي المغرب، تحفل بتاريخ عريق ارتسمت ملامحه على مبانيها الأثرية، فأضحت اليوم رمزا مغربيا على مناعة المدينة، بأسوارها وأبراجها، أمام الغزاة الأسبان والبرتغال ومن قبلهم الرومان، غير أنّ العرائش لا تزال تزهو حياة بخيلائها الذي بشدّ كلّ من يمرّ عبر شوارعها.
يختار عابرو العرائش، بين طنجة وغيرها من مدن المغرب نحو الجنوب، التوقّف عند هذه المدينة التي تعبق بروح التاريخ وانعكاسه على الحاضر. إيهاب الحريزي لا يتردّد في التوقف بالمدينة، صحبة أسرته الصغيرة، كلّما كان عائدا من مدينة طنجة نحو مسقط رأسه بالدار البيضاء. وتجد طفلته ذات الخمس سنوات متعتها في اللعب بين أرجاء الساحة المطلة على مصبّ وادي لوكوس، وميناء الصيد البحري بالمدينة.
يقول الحريزي “هذه الساحة هي أهم ما يجعلنا نتوقف كلما مررنا بالعرائش، فالمناظر الطبيعية وما يحفّ بالمنطقة من هدوء يمنحني أنا وزوجتي متعة خاصة، كما تستمتع طفلتنا باللعب والجري بها”.
تطلّ مدينة العرائش على ساحل المحيط الأطلسي، في جهة طنجة/تطوان، ولا تبعد عن طنجة سوى 85 كم. وهي من أقدم المدن المغربية، فقد عرفت أربع حقب فينيقية وقرطاجية ورومانية وإسلامية، كما تسبّب موقعها الإستراتيجي في تعرّضها لغزوات أسبانيّة وبرتغالية عديدة، تعاقب تاريخيّ وحضاري أسهم في منح العرائش معالم متنوّعة تجسّد الثراء الثقافي للمدينة، فحافظت على نماذج البناءات القروسطية الغربيّة واندمجت بيُسر مع العمارة الإسلامية والطابع الأمازيغي.
تحتفظ الساحة المحاطة بأسوار عتيقة والمطلة مباشرة على ميناء شُيّد على ضفاف وادي اللكوس، بأحد المدافع القديمة التي استخدمت في الحروب بين مستعمري المدينة من برتغال وأسبان، وبين الجيش والمجاهدين المغاربة.
ويُعبّر الحريزي عن مدى إعجابه بعمارة المدينة، قائلا “صراحة تثير انتباهي البنايات التاريخية بالساحة، لكني لم أجد بعد الفرصة للتعرّف عليها، وما يجذبني أكثر هو جمالها”
محمد شكيب الفليلاح، الباحث في تاريخ المواقع العمرانية، يقول إن “ساحة دار المخزن تجمع بين مراحل متعدّدة من تاريخ المغرب، بداية من العصر المريني وانتهاء بالعصر العلوي”.
„محمد شكيب الفليلاح:بفضل هذه الأسوار خاب أمل الجيوش البرتغالية في احتلال مدينة العرائش“
يُذكر أنّ المرينيين حكموا المغرب من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر ميلادي، في حين تحكم الأسرة العلوية المغرب منذ سنة 1666 إلى الآن.
وتحاط ساحة “دار المخزن” بعدد من البنايات التاريخية، كحصن النصر وهو حصن يؤرّخ لواقعة انتصار المغرب على البرتغال في معركة وادي المخازن الشهيرة بمعركة “الملوك الثلاثة”، والتي جدّت أطوارها على مشارف العرائش في العام 1578 ميلادي.
ويصف الفليلاح هذه المعركة بأنّها “كانت علامة فارقة لجعل المدينة محطّ اهتمام ملوك الدولة المغربية، حيث قرّر السلطان أحمد المنصور الذهبي تشييد هذا الحصن الذي تأثر بالعمارة العسكرية في أوروبا”.
وتطغى على الحصن العمارة الأوروبية، ويميّزه شكله المثلث الذي يضمّ خندقا يستخدم للحالات الطارئة، ويخضع حاليا للترميم، للمحافظة على عمارته بنمطها الأصلي نفسه، والإبقاء على نضارته التي تشدّ كلّ من يمرّ بجانبه.
بجانب حصن النصر يوجد قصر “كوماندانسيا” أو “قصر الحاكم”، وبني في البدايات الأولى للاحتلال الأسباني للمدينة.
وعلى بعد خطوات ينتصب البرج اليهودي، الذي يُرجّح أنه بني في الفترة الأولى للاحتلال الأسباني لمدينة العرائش سنة 1610 ميلادي، بحكم وجود شعار في أعلى البناية يعود إلى الملك الأسباني، فيليب الثاني، الذي حكم أسبانيا في بداية، القرن السادس عشر، بحسب الفليلاح.
كان شكل البرج اليهودي في الخرائط الأولى دائريا، لكنّ شكله تغيّر فيما بعد بسبب عمليّات البناء الكبرى التي أجريت عليه لتحصين المدينة ضد الغزوات الأجنبية.
وتذكر دفاتر التاريخ، أنّه خلال تلك الفترة، نزل السلطان أحمد المنصور الذهبي بمدينة العرائش، واستقدم معه طبيبه الخاص الذي كان يدين باليهودية، فاتخذ هذا الطبيب من البرج مقرّا له، ومذ تلك الحادثة أطلق العامّة على المعلم برج اليهودي.
تحيط بساحة دار المخزن بقايا أسوار القرن الخامس عشر التي بُينت في عهد سلطان الدولة الوطاسية، مولاي الشيخ الوطاسي، وكان هدفها تحصين حيّ القصبة من غارات الجيوش البرتغالية، وصدّهم إثر محاولتهم احتلالها في واقعة المالحة التي عرفتها سواحل المدينة.
ويكشف الفليلاح أنّه بفضل هذه الأسوار خاب أمل الجيوش البرتغالية في ضمّ المدينة، لكنها تعيش حاليا في وضعية متدهورة وتتطلب تدخّلا عاجلا لحمايتها من التصدّع والاندثار شيئا فشيئا.
وعلى جنبات بقايا الأسوار التاريخية يوجد جامع الأنوار الذي بنيت قواعده الأولى في عهد السلطان العلوي مولاي إسماعيل سنة 1689 ميلادي.
وبعد دخول المستعمر الأسباني هدم المسجد بأمر من الحاكم العام الذي حوّله إلى ساحة وضع فيها نصب الجندي المجهول.
وبمجرد حصول المغرب على استقلاله سنة 1956 أمر العاهل المغربي الراحل، الملك محمد الخامس، بإعادة بناء المسجد من جديد، وقام شخصيا بافتتاحه في زيارة رسمية للمدينة.
ويلفت انتباه الزائر قوس الأنوار، الذي يعود بناؤه إلى بداية الأربعينات من القرن الماضي، وهو مبني من الطوب الأحمر، ويتخذ شكل الأقواس التي توجد مثيلاتها حاليا بمدينتي إشبيلية وقرطبة في بلاد الأندلس.
لم تتعب طفلة إيهاب الحريزي من مطاردة صديقاتها، اللواتي تعرّفت عليهن بالساحة خلف الأقواس، ولم يجد والدها أيّ علامات تعرّفه بتاريخ الساحات وعمرانها، لكنه كما يقول، سيستمّر في زيارة الساحة للتمتع بجمال جغرافيتها، والبحث عن غنى تاريخها.

1