أحدث الأخبار
الأحد 05 أيار/مايو 2024
1 2 3 41122
"السيدجي” في تشاد.. لعبة في خريف العمر!!
24.12.2014

نجامينا (تشاد)- عبدولاي آدوم...يطلقون عليها تسميات عديدة بينها “دالي” و”ياري” و”غوزي”، لكنّ الاسم الأكثر شهرة هو “سيدجي”.. هي اللعبة الأكثر شعبية في تشاد، وتتشكّل من 5 صفوف عمودية و6 أفقية، وعشّاقها كثيرون في البلاد، غير أنّ انتشار الألعاب على أجهزة الهواتف المحمولة يهدّد باندثارها إلى الأبد، بل إنّ بعض الشهادات أكّدت للأناضول أنّها في خريف العمر، وهي اللعبة التي تختزل مخزونا ثقافيا واجتماعيا على قدر من الأهمّية..
لا يهمّ إن كان المكان نظيفا أو غير ذلك.. المهم بالنسبة للاعبين أن يحصلوا على ركن بأرضية رملية تتيح لهم إمكانية نبش الأرض وحفر الحفر، قبل أن يقوموا برسم جدول اللعبة.
في حيّ “غودجي” بالدائرة العاشرة من العاصمة التشادية نجامينا، لا يسع المرء المرور بمختلف شوارعه الجانبية دون أن يلاحظ مجموعات صغيرة انزوت في هذا الركن أو ذاك.. تتحرّك الأيدي بصمت أحيانا وبغضب تترجمه كلمات غير مفهومة وتمتمات تنمّ عن السخط في أحيان أخرى، لتحرّك قطعة، قبل أن يضطرّ صاحبها إلى تغييره موقعها.. الجميع منهمك في التفكير وفي إدارة ذلك الجدول على حسب حنكته وخبرته بتفاصيل هذه اللعبة التي يتوارث التشاديون الشغف بها على مرّ الأجيال.
ينطلق اللعب وبحوزة كلّ لاعب 12 قطعة، يقول حامد يوسف، وهو عسكري متقاعد في الستين من عمره، مفسّرا للأناضول أبجديات اللعبة الشهيرة، وهو يشير إلى القطع الصغيرة المنتشرة على الأرض في شكل تقاطعي بين الأفقي والعمودي.. وفي الواقع، فإنّ تلك القطع المستخدمة لم تكن سوى بقايا جلد يتمّ اقتطاعه إلى قطع مربّعة الشكل ومتساوية الأبعاد، ما يمنح اللعبة طابعا تقليديا ورونقا مميّزا مقارنة ببقية الألعاب الرائجة عبر وسائل الاتصال الحديثة..
وأوضح أنّ “اللاعبين يختارون الانقسام إلى مجموعات ثنائية متنافسة، ثم يتناوبون على وضع قطعهم إلى غاية استنفاذها”، مضيفا أنّه “منذ البداية، يتمّ تدوين النقاط المسجّلة عن كلّ 3 قطع متحاذية يتمّ الحصول عليها، وهكذا إلى أن يستنفذ الجميع ما بحوزتهم، ليعلن الثنائي الحاصل على أكبر قدر من النقاط فائزا باللعبة”.
وتعدّ “السيدجي” واحدة من أقدم الألعاب الشعبية في تشاد، حتى أنّه لا أحد بإمكانه تحديد تاريخ ميلادها بدقّة، أو تاريخ أوّل ظهور لها في البلاد، غير أنّ البعض يتّفق على أنّ اللعبة متداولة بشكل مكثّف في معظم المناطق الصحراوية.
وتلقى هذه اللعبة رواجا خاصّا لدى الكبار بشكل عام، بما أنّها تشكّل إحدى وسائل الترفيه بالنسبة لهذه الفئة المتقاعدة، كما أنّها اللعبة المحبّذة للعسكريين وتحديدا المتقّدمين في السنّ منهم.
وإلى جانب تلك الضوضاء التي تجتاح أي مكان يضمّ لاعبي “السيدجي”، تتعالى الشتائم من هذا الجانب أو ذاك.. استفزازات بالجملة قد تصل حدّ السبّ اللاذع، يقول أحد عشاق هذه اللعبة إنّها من البهارات الضرورية لاستفزاز الخصم وإرباكه وتسجيل نقاط ضدّه، ووسيلة لإضرام نيران التحدّي بداخله، لإشعال فتيل المواجهة والمنافسة، وبثّ جوّ مشحون يضفي على اللعبة حماسا استثنائيا ويخلّصها من روتين يبحث اللاعبون سبل وأده بشتى الطرق.
وعشاق هذه اللعبة لا انتماء محدّد لهم، فهم تجّار وموظّفون ومتقاعدون وممّن يعانون البطالة.. مزيج خرافي من الثنائيات التي لا يجمعها سوى شغف غير محدود بتلك اللعبة الشعبية.. لا أحد يملّ تفاصيلها وحتى الخاسرون لا تزيدهم الهزيمة سوى إصرارا على إعادة الكرة والإطاحة بالخصم.. لم لا؟ فكلّ شيء جائز وممكن في “السيدجي”، خصوصا وأنّ لعبه لا يقتصر على نهايات الأسبوع فحسب، وإنما يمتدّ كامل الأيام دون استثناء.. وله وشغف يخشى أصحابه من المولعين بهذه اللعبة أن يندثر باندثارها، أمام عجز الكثيرين عن مقاومة سحر وجاذبية ألعاب الهواتف المحمولة.
مخاوف يحملها الجيل المتقدّم في السنّ بما أنّ الشباب أضحى اليوم فريسة سهلة لوسائل الاتصال الحديثة، ولا شيء بإمكانه أن يغريه بالرجوع إلى الألعاب الشعبية، فميزان القوى يبدو جليا لصالح التكنولوجيا التي تتماشى مع أهواء الشباب الجامح.. “بعدنا، ستندثر هذه اللعبة لتحلّ محلها ألعاب الترفيه الموجودة على أجهزة الموبايل”.. هكذا ردّد الشيخ حميد، وهو يرفع قطعة “السيدجي” ليضعها في مكان آخر، مردّدا عبارات الظفر والنصر أمام عبوس خصمه المتيقّن بدنوّ الهزيمة التي ألحقها به الشيخ المثابر..

1