أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
صناعة البرغل تقليد سوري مستمرّ لتأمين وجبات الشتاء!!
03.10.2023

حماة (سوريا) - مع انتهاء موسم حصاد القمح تنشغل معظم الأسر في مختلف المناطق السورية خلال شهري أغسطس وسبتمبر من كل عام بتصنيع البرغل وتحضيره كمؤونة لفصل الشتاء. ولا يزال هذا التقليد المتوارث مستمراً كما في معظم المناطق السورية، حيث تحرص الأسر على المشاركة في تصنيع البرغل أو ما يعرف “بالسليقة”.
ويؤكد الباحث في مطبخ بلاد الشام وبلاد الرافدين سليمان عوكان أن جميع المناطق السورية تشترك بطبخ البرغل، ففي الساحل يطبخ “البرغل بحمص” وفي الجنوب يطبخ “المليحي”، وفي المناطق الداخلية يطبخ “البرغل بالبندورة والمجدرة”، وفي المنطقة الشرقية يطبخ “الإيتش والكبيبات والكتل”، أما في المناطق الشمالية في حلب وريفها فتطبخ الكبة بأنواعها، وفي القلمون استخدم البرغل لطبخ “كبة الحيلة”، وفي دمشق المشهور فيها “الكبة اللبنية” و”الشيش برك”.
وأشار عوكان إلى أن المشترك في المطبخ السوري هو “حبة القمح”، فبالعودة إلى الوثائق تأكد اكتشاف الزراعة في الألف الثامن قبل الميلاد، وما لفت انتباه عوكان خلال عملية بحثه العملي التي قاربت 27 عاماً في مطبخ بلاد الشام والرافدين قبل الميلاد هو الاحترافية التي كان يعمل بها الطباخون، فمثلاً وصلوا إلى 350 نوعاً من الخبز من خلال التحكم بمكوناته وطريقة خبزه ووقت خبزه وقوة النار المخبوز فيها، حتى المكونات التي استخدمت فيه لم تحصر بمواد محددة، فمن كان يتخيل أن أحد أنواع الخبز أدخلوا فيه ورق العنب المجفف المطحون، كما صنعوا الخبز من القمح الأخضر وسموه “مزرور”.
وعن طريقة تحضير القمح وتحويله إلى البرغل بين أيهم حيدر أحد أبناء قرية نهر البارد بمنطقة سلحب بريف حماة أن طريقة تصنيع برغل المؤونة لا تزال محافظة على طابعها التقليدي الشعبي في العديد من المناطق والقرى السورية رغم مرور مئات السنين عليها، حيث يحرص قسم لا بأس به من الأسر على القيام بسلق القمح وتجفيفه تحت أشعة الشمس بضعة أيام قبل جرشه. فتصنيع البرغل تقليد متوارث عن أسلافهم لتموينه كغذاء رئيسي خلال فصل الشتاء أو تقديمه في الولائم والمناسبات الاجتماعية الكبيرة.
ولفت حيدر إلى أنه مع انتهاء موسم حصاد القمح تقدر كل عائلة حاجتها من هذه المادة لمؤونة البرغل، فيما تبدأ مراحل التحضير بشراء القمح ومن ثم تشرع النساء فى غربلته لفصله عن حبات التراب والحصى والقش والشوائب الأخرى المرافقة لعملية الحصاد، وبعدها تتم عملية “تصويل” القمح أي نقعه في الماء وتنظيفه من الغبار كمرحلة أولى من مراحل تحضير البرغل.
وأشارت أم محمود من أهالي القرية إلى أن المرحلة الثانية من تصنيع البرغل تقتضي تجهيز موقد الحطب وإشعال النار لوضع الحلة، وهي عبارة عن وعاء معدني كبير يوضع القمح في داخلها على دفعات ويسكب فَوقه الماء لحد الانغمار لإتمام عملية السلق، موضحة أن مدة سلق القمح تتراوح بين 3 و4 ساعات، وذلك تبعاً لنوع القمح وقساوته.
وبعد تفتح حبات القمح وانتفاخها تتابع أم محمود “يتم إضعاف قوة النار مع ترك القمح يغلي رويدا فوق نار هادئة، وتغطى السليقة لبعض الوقت لاستكمال مرحلة النضج وبعدها تفرغ السليقة من الحلة، وتنشر على سطح المنزل لثلاثة أيام متتالية مع مراعاة تقليبها وتعريضها لأشعة الشمس لتجف حبات القمح بشكل تام”.
ووفقاً لما أشارت إليه أم محمود فإن المرحلة الثالثة من إعداد البرغل تبدأ بجمع السليقة عقب جفافها، ومن ثم إعادة غربلة القمح المسلوق مجدداً بغية ضمان نقائه وخلوّه من أيّ شوائب قد تنجم عن عملية السلق والتجفيف لتتم تعبئته بأكياس وإرساله إلى المطحنة.
ولفتت أم الحارث إلى أنه ورغم انحسار عملية سلق القمح في السنوات الأخيرة إلا أن هذا الطقس يلقى شعبية كبيرة لدى الأهل من شباب وأطفال وغيرهم، لذلك تجدهم مستمتعين بهذا الطقس الذي لا يتكرر إلا مرة واحدة في العام.
وأشارت أم الحارث إلى أن عملية السلق تترافق مع سلق عرانيس الذرة وتحضير “السيالات”، وهي صنف من الحلوى التقليدية حيث تستفيد الأسر من اشتعال الموقد لإعدادها، ويتم تحضير الطحين والسميد والحليب وخلط العجينة جيداً ومدها على سطح الصاج بمساحة رغيف الخبز، ثم دهنها بالسمن العربي والزيت ورشها بالسكر وتناولها بشكل ممتع مع الأهل، وخاصة الأطفال الذين يعتبرون هذه الطقوس أيام عيد لهم.
وترى أم الحارث أن “تدهور الظروف المعيشية دفع الناس للعودة إلى الاعتماد على مواسمهم لتأمين بعض احتياجاتهم في ظل غلاء الأسعار”.
بينما رأت أم محمود أن هذه العادة تراجعت “لكنّها لم تختفِ”. وأضافت أن “إنتاج المنزل مكفول وهو أفضل من البرغل المتواجد في الأسواق هذه الأيام”.

1