أحدث الأخبار
الأحد 28 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
"المتحف السامري" في نابلس .. نافذة حضارية لشعوب العالم!!
08.07.2023

نابلس - - وفاء أبو ترابي…قد يجذبك المتحف السامري، فوق قمة جبل جرزيم في مدينة نابلس، خاصة أن الدخول له أمر مذهل مع توافر الصور والقطع الأثرية واللوحات الفنية وشاشات العرض التي تجسد رواية الطائفة السامرية وتراثها الحضاري، كما يحوي بين طياته مسارات التحول المختلفة التي عاشها أبناء أصغر طائفة في العالم.
وعلى الرغم من تواجد العديد من المتاحف في شتى بقاع الأرض، ومن بينها صروح ضخمة تضم كنوزاً حضارية، إلا أن هذا المتحف بصرحه المتواضع يحظى باهتمام واسع لدى العديد من السياح والزوار الوافدين إليه بين الحين والآخر للتعرف على هذه الطائفة العريقة عن كثب.
ويقول مؤسس المتحف، الكاهن حسني واصف لـ"القدس" دوت كوم: "أهم ما يميز المتحف أنه يشتمل على حقائق تاريخية تتعلق بطائفتنا، ولم تكن معروفة سابقاً، كما يضم وثائق ومستندات وكتب عبرية وتاريخية وعلمية، بالإضافة إلى أوانٍ فخارية وزجاجية وأسرجة وعملات معدنية وأحجار أثرية قديمة".
ويشاهد الزائر بين أروقة المتحف موجودات سامرية ثمينة ومجسمات توضح الأماكن المقدسة لدى أبناء الطائفة، ما يتيح له الاطلاع على ملامح الفلكلور السامري، وكذلك التوغل في أعماق التاريخ عبر المخطوطات التي تسرد التسلسل السامري من آدم عليه السلام حتى الكاهن الأكبر الحالي لتصل إلى 164 سلالة، وذلك وفق ما قاله الكاهن حسني.
تأسيسه
وبدأت فكرة تأسيس المتحف تجول في خاطر الكاهن حسني، وذلك حينما لاحظ التزايد في أعداد المجموعات السياحية التي تأتي إلى الحي السامري في الأعياد والمناسبات الدينية، دون تواجد أماكن خاصة لاستقبالهم وتلبية رغباتهم بالتعرف على هذه الطائفة، ما حدا به لأخذ هذه الفكرة على محمل الجد.
وأوضح أنه نشأ وترعرع بين عائلة أكبر كهنوت، ما ساعده على التعمق في تفاصيل الديانة السامرية وتاريخ بني اسرائيل الذي ينحدر منه السامريون، حيث قال: "إن حب التعلم والمعرفة لدي جعلني أكتشف كثيراً من الأمور المتعلقة بالدين السامري بالإضافة إلى الدراسات الفلكية أيضاً، وذلك منذ أن كان عمري عشرين عاماً، والآن أصبحت ابن 79 عاماً وما أملكه من معلومات ما هو إلا نقطة في بحر عميق".
وأضاف: "بالبداية قمت بتأسيس "مركز جرزيم" داخل غرفة صغيرة، ووضعت فيه بعض المقتنيات الأثرية، حيث لم أكن أملك كل هذه الموجودات آنذاك، ثم قررت تحويله إلى المتحف السامري، وذلك لارتباط طائفتنا دينياً وتاريخياً بأتباع الديانات الأخرى من مختلف الدول (المسلمون، المسيحيون، اليهود) ما يسهل انتشار اسم المتحف ليصبح رافداً سياحياً هاماً".
وافتتح المتحف أبوابه رسمياً عام 1997، وذلك بعد قيام الكاهن حسني بتفسير اسم الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث أبدى الأخير إعجابه الشديد بذلك التفسير، فيما قام بتوفير الدعم المادي والمعنوي ومساندة هذه الفكرة حتى تحولت إلى واقع.
وكان في بداية تأسيسه يتكون من طابق واحد ثم جرى تأهيله عام 2010 وإضافة طابق آخر عليه، كما أنه آخذ بالتقدم والتجديد يوماً بعد يوم، وذلك لما يوليه الكاهن حسني من اهتمام كبير به على حد قوله.
نافذة حضارية
وتَحول المتحف إلى نقطة جذب سياحي تحتضنه مدينة نابلس التاريخية، فيقصده العديد من السياح من مختلف دول العالم، ما دفع جميع أبناء الطائفة السامرية -البالغ عددهم 860 نسمة، نصفهم في نابلس والنصف الآخر في حولون بتل أبيب- إلى النهوض بها مجدداً وإعادتها إلى سابق عهدها القديم.
ويلفت الكاهن حسني إلى أن السياح أنفسهم أصبحوا يرشدون غيرهم للذهاب إلى هذا المتحف، كما أن إجراء العديد من اللقاءات وإعداد الأفلام الوثائقية حوله وانتشارها في مختلف المواقع العالمية، ساهم في اتساع صيته في كل مكان، مبيناً أنه يتحدث إليهم بما يملكه من علوم ومعارف عن دينه وطائفته، ويَظهر أمامهم بوجهه البشوش مرتدياً لباسه الكهنوتي.
وتابع: "إنني أصبحت أتباهى بهذا الإنجاز السامري الفلسطيني الذي تحول من لا شيء إلى نافذة حضارية تطل على العالم أجمع، ما ساعد في ازدهار الحركة السياحية والتجارية في مدينة نابلس التي تزينها أقدس بقعة على وجه الأرض وهي قمة جبل جرزيم، وعدا عن ذلك صارت الثقافات الأخرى تعرف اللغة الأقدم في العالم وهي العبرية القديمة -لغة التوراة السامرية- التي تعود إلى أكثر من ستة آلاف عام، بالإضافة إلى العادات والتقاليد والتاريخ الأقدم".
وأخذت شهرة هذا المتحف تتزايد بشكل أوسع نتيجة الأثر الذي حققه الكاهن في نفوس متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أنه ينشر باستمرار عن المتحف بالإضافة للحكم والمقالات المتنوعة عن السامريين وتفسير أسفار التوراة، وهذا ما زرع الفضول وحب المعرفة في نفوس المتابعين، ما يدفعهم للسؤال عن الطائفة، ومعظمهم يذهب لزيارتها للتعرف على عاداتها وتراثها.
فالسامريون كنز أثري نادر وجوده–بحسب الكاهن حسني- كما أنهم الورقة الرابحة في أيدي الفلسطينيين، بروايتهم الدينية والتاريخية المنافية تماماً للمزاعم اليهودية حول أحقية الوجود في هذه الأرض، ما يضعف موقفهم في العالم.
وتابع: "إلا أن هذا الكنز بات محارباً، وهناك تقصير ملحوظ في التشجيع على السياحة إلى قمة جبل جرزيم وقرية لوزه الأثرية، التي يسيطر عليها اليهود بحجة أنها محميات طبيعية، بينما أنفقوا ملايين الدولارات من أجل طمس المعالم السامرية، كما أن مدينة نابلس التي تحتوي على العديد من المواقع السياحية الهامة مهمشة أيضاً".
ويشير إلى أنه ساهم مراراً وتكراراً من أجل بناء متحف وحديقة سامرية وسط الحي السامري، ما ينعش الاقتصاد الفلسطيني ككل وليس النابلسي والسامري فحسب، إلا أن مبادراته لم تحظ بقبول وزارة السياحة رغم تواجد الدعم الكافي لإنشائها، ما أضاع فرص عديدة على الفلسطينيين للنهوض بهذه المنطقة المهددة بخطر الاستيطان والسيطرة اليهودية.
ويأمل الكاهن حسني بأن ينال المتحف اهتمام وزارة السياحة، وأن تعمل على دعمه بشكل متواصل، وخاصة في ظل ما تمر به البلاد من أوضاع سياسية وأمنية صعبة، ما ألقت بظلالها على هذا القطاع الهام الذي تتميز به فلسطين.وقال: "كما أن المتحف بحاجة ماسة إلى عدد من الموظفين والعاملين ليستطيع استيعاب أعداد الزوار والسياح الوافدين إليه، ويسهل التعامل معهم واستقبالهم، حيث أصبح يتكون من طابقين ووجود موظف واحد غير كافٍ".وأنهى الكاهن حسني حديثه، قائلاً: "هذه الطائفة الأقلية التي تشكل جزءاً أصيلاً من الشعب الفلسطيني ونسيجه الاجتماعي، لابد من تسخير جميع الطاقات للحفاظ عليها وسط محاولات طمس وجودها لما تحمله من حقائق تاريخية هامة، وذلك من خلال السيطرة على قمة جبل جرزيم ومحاولة منع السياحة فيه، كما أن رسالتي دائماً هي السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وضرورة انعاش السياحة لأنها أهم شيء في بلادنا".

1