أحدث الأخبار
الجمعة 26 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 41122
قبرص تقتلع الكروم وأشجار الليمون لتستثمر في القمار!!
06.06.2022

ليماسول (قبرص) - اختفت الكروم وأشجار الليمون تحت الجرافات، في جنوب قبرص على مسافة كيلومترات قليلة من البحر، حيث ينشغل المئات من العمال في بناء “سيتي أوف دريمز”، وهو فندق وكازينو فخم يقدّم على أنه سيكون الأكبر في أوروبا.
ويشرف الأميركي غرانت جونسون موفدا إلى ليماسول من مجموعة “ملكو” التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا وتشيِّد أول مشروع لها في الاتحاد الأوروبي، على تنفيذ المجمّع المؤلف من 16 طابقا وثلاثة مسابح وتسعة مطاعم ومقاه ومتنزّه ومدرج. ويؤكد جونسون أن الكازينو الممتد على مساحة 7500 متر مربّع سيكون “الأكبر في أوروبا”، وسيحتوي على “ألف ماكينة قمار ومئة طاولة ألعاب ورق” وغرفة مكرّسة للاعبين المهمين.
لكن “سيتي أوف دريمز”، وهو أول مشروع بهذا الحجم في جنوب الجزيرة، قد يتسبب في اندلاع تناحر جديد بين شطري قبرص التي يحتل الجيش التركي الثلث الشمالي منها منذ العام 1974 ردا على انقلاب سعى إلى ربط الجزيرة باليونان. ورغم فشل الانقلاب، بقي الأتراك، وما لبث أن أعلن الشطر الشمالي تأسيس “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها إلا أنقرة.
ويوجد 34 كازينو في “جمهورية شمال قبرص التركية” التي تعتمد عليها لواردات سياحية ضخمة.
كازينو سيتي أوف دريمز سيحتوي على ألف ماكينة قمار ومئة طاولة ألعاب ورق وغرفة مكرّسة للاعبين المهمين
ورغم ذلك، يأمل جنوب الجزيرة في جعل “سيتي أوف دريمز” (مدينة الأحلام) مركزا جذابا لتطوير القطاع واستقطاب المزيد من السياح، 300 ألف شخص إضافي على الأقل، وفق ما أعلنت الحكومة الداعمة للمشروع عام 2019.
وتقول الباحثة المتخصصة في ألعاب الميسر في جامعة السوربون ماري رودون إن “الجزيرة ستصبح مع هذا الكازينو، في وضع استثنائي إلى حد ما مع تدفق رؤوس أموال محتملة من آسيا وتركيا وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط”.
ومع ذلك، تؤكد أنه “كلما تنوّعت مصادر الأموال، يزداد تداولها، ويصبح من الممكن إجراء المزيد من الأعمال المشبوهة، مثل غسل الأموال”.
ويقول اختصاصي في عمليات غسل الأموال في جمهورية قبرص فضّل عدم كشف اسمه بينما يجلس في مقهى صاخب في نيقوسيا، إن “الكازينوهات في قبرص موضوع حساس. فإذا كثر التحدث عنها، نجازف بالتورط في مشكلات”.
ويوضح “حتى العام 2015، كانت الكازينوهات محظورة في قبرص وكانت الكنيسة الأرثوذكسية تعارض إنشاءها”.
ولم يكن تشريع الكازينوهات أمرا سهلا. فبالإضافة إلى الكنيسة الأرثوذكسية النافذة، عارضها جزء من السكان.
ويضيف الرجل الذي يعمل في قطاع المصارف “بعد الأزمة الاقتصادية في العام 2013، تواصلت مجموعات كبيرة مع الحكومة التي قررت أن الوقت مناسب جدا” لفتح كازينو.
لكنه يقول “نحن قلقون لأننا لسنا مستعدين لما يرافق الكازينوهات: الاقتصاد الموازي وغسل الأموال، لا يمكننا غض الطرف لأننا دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي نحن نخاطر بأن ندفع غاليا ثمن ذلك. لا يمكننا أن نفعل مثل الشمال”.
ويعتمد قسم كامل من اقتصاد “جمهورية شمال قبرص التركية” على الكازينوهات.
وأدخل قطاع الكازينوهات إلى الخزينة العامة التابعة لسلطات شمال قبرص، 600 مليون دولار في العام 2019، وفق “ذي بيزنس يير”، الموقع الإعلامي المالي المتخصص ومقره لندن.
وفي “جمهورية شمال قبرص التركية”، تملك الكازينوهات الاختيار بين دفع ضرائب تتناسب مع أرباحها أو الحصول على ترخيص بسعر ثابت. وبفضل الخيار الثاني، يمكن لمعظم مشغّلي الكازينوهات عدم كشف عائداتهم، ما يترك “مساحة كبيرة مظلمة” في القطاع، وفق الخبير القبرصي اليوناني.
وتقول الناشطة القبرصية التركية إسراء أيجين، “من الواضح أن الدولة ليست هي من سيتحقق مما إذا كانت هناك عمليات غسل أموال ضخمة. دولتنا تعتمد كليا على الأعمال التجارية في الكازينوهات، سكاننا رهائن”.
والغالبية العظمى من مالكي الكازينوهات في شمال قبرص هم من الأتراك، لكن بعضهم ولد في قبرص مثل رئيس مجموعة “أركين” النافذة إربيل أركين.
ويقول أركين “أنا رائد الكازينوهات في جمهورية شمال قبرص التركية”. في الوقت نفسه، أسّس رجل الأعمال جامعة مخصصة للفنون قرب أحد الكازينوهات التي يملكها في كيرينيا.
ويروي أركين أنه في 1976 أثناء دراسته الفنون في لندن، قرّر أن يدخل قطاع الكازينوهات، ويقول “كانت هناك فرص ضخمة”.
ويضيف “منذ أنشِئَت الكازينوهات هناك، تغيّر الاقتصاد. كنا دولة منبوذة، أصبحنا وجهة سياحية”.
مشروع إنشاء "سيتي أوف دريمز" قد يتسبب في اندلاع تناحر جديد بين شطري قبرص التي يحتل الجيش التركي الثلث الشمالي منها
ويتابع “الكازينوهات تدرّ الكثير من الأموال وهي مصدر كبير للتوظيف”، مع 80.500 موظف في القطاع، معظمهم من الأتراك والقبارصة الأتراك. وجلبت الكازينوهات “ثروة لا تقدّر بثمن لشمال قبرص”، وفق أركين الذي يقول “أصبحنا لاس فيغاس الشرق الأوسط!”.
في كازينو فندق “كولوني” التابع لمجموعة “أركين” في كيرينيا، يمكن رؤية زبائن من أعمار مختلفة يلعبون بماكينات القمار أو متحلقين حول طاولات أوراق اللعب.
فجأة، يسمع صوت شابة تصيح من الفرح لفوزها ب47,600 ليرة تركية (3040 يورو)، وتقول “هل رأيتم؟ لقد فزت!”.
على الفور، يندفع شاب لتهنئتها. باباجان مسؤول عن “سعادة” الزبائن. كان هذا الشاب أستاذا جامعيا سابقا للغة الفرنسية، وترك عمله ليصبح “مضيفا” في الكازينو ويحصل على “راتب أفضل”.
ومثله الشابة س. وهي “مضيفة” قبرصية-تركية تبلغ 34 عاما تعمل في كازينو “ميريت” لأنها “تحتاج إلى المال”. وتقول شرط عدم كشف اسمها “دوري هو إسعاد الزبون. إذا خسر، أشجّعه حتى يلعب مجددا… ويخسر مجددا”.
وتروي كيف أن بعض زميلاتها في العمل يزوّدن الزبائن بمخدرات، لكن أيضا “رفقة أنثوية”. لكنها ترفض القيام بذلك “لأن الله يرى”.
في كيرينيا، يقول إربيل أركين عن غسل الأموال، “أنا لا أقول إن غسل الأموال غير موجود في شمال قبرص. لكن لا تنظروا إلى الكازينوهات (…) بل انظروا إلى المصارف”.

1