أحدث الأخبار
الجمعة 26 نيسان/أبريل 2024
1 2 3 45243
الجزائر: عشرون عاما تمر على مجزرة بن طلحة لم تكن كفيلة بحل ألغازها!!
23.09.2017

مرت أمس، الجمعة، الذكرى العشرون لمجزرة بن طلحة ضواحي العاصمة الجزائرية، مجزرة بقيت عالقة في الأذهان، ولم تمحها السنون، ليلة الـ 21 من سبتمبر/ أيلول 1997 حدثت فيها أشياء مرعبة، ساعات جعل منها الرعب دهرا من الزمان، في زمن لم يكن فيه لا انترنت ولا هاتف محمول ولا قنوات إخبارية كما هو موجود اليوم، ليلة قتل فيها الجناة ونكلوا بجثث المئات من المواطنين وبقروا بطون النساء الحوامل وذبحوا الرضع، في عتمة ليلة ظلماء، لم يسمع فيها إلا أصوات السكاكين والسواطير والأنفس تزهق، لتدشن تلك الليلة الدموية سلسلة من المجازر الجماعية البشعة التي عاشتها الجزائر خلال تلك الفترة، ومع مجزرة بن طلحة انطلق السؤال الشهير الذي قلب المعادلة، وأدخل الجزائريين في متاهة مازالت مستمرة حتى اليوم وهو: «من يقتل من»؟عشرون عاما مرت على مجزرة بن طلحة، التي تبقى علامة فارقة في تطور مسلسل العنف الدموي في الجزائر، برغم أن البلاد كانت قد عرفت مجازر قبلها وبعدها، مثل مجزرة الرايس وسيدي يوسف في ضواحي العاصمة، ومجزرة الرمكة في غليزان ( 300 كيلومتر غرب البلاد) التي كشفت السلطات بعد سنوات من وقوعها عن مقتل ألف شخص في ليلة واحدة، وبرغم مرور هذه السنوات، إلا أن الجرح مازال عميقا، والحقيقة غائبة أو مغيبة في مجزرة بن طلحة، فقد نجح الإرهابيون ومن يقف وراءهم في زرع الشك في النفوس، والدعاية التي قام بها هؤلاء قبل عقدين من الزمن مازالت سارية المعفول حتى كتابة هذه السطور، سواء بالنسبة للأجيال التي عاشت تلك المرحلة أو الأجيال الجديدة التي نال منها الشك والتطرف أيضا، فما زال هناك من يعتقد أن الجماعات الإرهابية بريئة من تلك المجزرة وأن السلطات أو فصيل منها هو من دبر تلك المجزرة البشعة التي قضى فيها نحو 85 شخصا حسب الأرقام الرسمية، في حين تحدثت الصحافة آنذاك عن مقتل أكثر من 700 شخص، وأن الكثيرين دفنوا تحت إشارة X (مجهول الهُوية) .سؤال «: من يقتل من»؟ انطلق من شهادة شخص واحد، تحول إلى مبرر لنظرية «مجنونة» وهي أن الجيش هو من قتل في بن طلحة! نصر الله يوس أحد مواطني المنطقة، أصدر كتابا عنوانه «من قتل في بن طلحة .. وقائع مجزرة معلنة»، جعل منه محاكمة للجيش والسلطة التي وجدت صعوبة في تكذيب هذه الرواية التي تلقفتها وسائل الإعلام الفرنسية، رواية نصر الله الذي أصدر كتابه وأدلى بتصريحاته من فرنسا التي لجأ إليها، تقوم على عدة نقاط أضحت في مخيلة الكثيرين من المسلمات، وهي أن الجيش كان قادرا على التدخل ورفض ذلك، والثانية هي أن سيارات الإسعاف والنعوش كانت قد أحضرت إلى بن طلحة عشية المجزرة، وأن عسكريين قاموا بجولة داخل حي بن طلحة، قبل ساعات من وصول الإرهابيين، وأنهم قالوا لبعض السكان الذين كانوا يلعبون الدومينو:» سترون ماذا سيحدث لكم الليلة»! وهذه الرواية أكدها في تقرير متلفز بثته قناة فرنسية شخص بوجه غير مكشوف وبهُوية مجهولة، وهي طريقة اعتادها معد التقرير كلما أراد إثبات نظرية ما بخصوص الجزائر حتى في تحقيقات أنجزها بعدها بسنوات لقنوات أخرى، مثل التحقيق الذي أعده بخصوص مقتل رهبان تيبحيرين، وبكل بساطة يصل يوس إلى نظرية «غريبة» لإثبات نظريته، وهي أن القتلة قالوا «: سنرسلكم إلى ربكم»، ويخلص بعدها إلى حكم «سريالي» لتبرير نظريته قائلا:»وحدهم العسكر لا يؤمنون بالله»!!!لكن، في مقابل ادعاءات نصر الله يوس التي لا يوجد ما يؤكدها غير أشخاص بهُويات مجهولة، هناك أشياء ثابتة، وهي أن الجيش آنذاك لم تكن لديه وسائل الكشف الليلي بسبب الحظر الدولي المفروض على الجزائر، وأن الجناة جاءوا بقوائم محددة لقتل عائلات وحرق منازل دون غيرها، وأن عائلات الإرهابيين لم تتعرض لأي ضرر، وقد ألقت السلطات الأمنية القبض على شقيقة أحد الإرهابيين التي اعترفت أنها هي من أرشدت عن العائلات التي تمت تصفيتها، كما أن الكثير من سكان بن طلحة ممن يعرفون يوس أكدوا أن يوس نفسه لعب دورا غريبا تلك الليلة، كيف لا وهو الوحيد الذي أبعد عائلته عن بن طلحة في تلك الليلة، وأنهم سمعوا بعض الإرهابيين ينادونه باسمه، كما نفوا أن تكون سيارات الإسعاف والنعوش قد أحضرت ساعات قبل وقوع المجزرة.بصرف النظر عن الروايات والدعايات تبقى مجزرة بن طلحة هي الأبشع في تاريخ الإرهاب الدموي، ولم تكن محطة النهاية في مسلسل العنف، لأن المجازر تواصلت بعدها، بدليل مجزرة الرمكة التي وقعت في يناير/ كانون الأول 1998، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر، وخلفت أكثر من 1000 قتيل، وهو الرقم الذي كشف عنه أحمد أويحيى رئيس الوزراء سنة 2006، كما أن استهداف المواطنين العزل من قبل الإرهابيين تواصل أيضا، وأخذ أبعادا أخرى، عندما لجأت الجماعات الإرهابية لأساليب أكثر دموية مثل التفجيرات الانتحارية، التي تقوم على نظرية «التترس» لإباحة قتل المواطنين العزل.!!

1