أحدث الأخبار
الاثنين 29 نيسان/أبريل 2024
المصريون يعانون من اسوأ ازمة اقتصادية منذ ثلاثينات القرن الماضي!!

بقلم : الديار ... 17.05.2013

لندن – – نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية يوم الجمعة 17.5.013تحقيقاً عن الاقتصاد المصري تنقل فيه عن وزير مالية سابق وخبير اقتصادي ان مصر تواجه محنة حقيقية بالنظر الى انهيار الاستثمار الاجنبي والسياحة. وهنا نص التحقيق الذي اعده من القاهرة باتريك كنغزلي:
"حذر وزير مالية سابق للبلاد واحد ابرز رجال الاقتصاد فيها بان مصر تواجه اسوأ ازمة اقتصادية منذ الازمة الاقتصادية الكبرى.
وقال جلال امين استاذ الاقتصاد في الجامعة الاميركية في القاهرة، وسمير رضوان، وزير المالية في الاشهر التي اعقبت الانتفاضة المصرية في 2011، في مقابلتين منفصلتين مع الـ"غارديان" ان محنة البلاد الاقتصادية الحالية تعتبر، من حيث تأثيرها المدمر على افقر الناس في مصر، الاشد منذ ثلاثينات القرن الماضي.
ومنذ سقوط حسني مبارك في 2011، شهدت مصر هبوطاً حاداً في كل من الاستثمارات الاجنبية والدخل من السياحة، اعقبه هبوط احتياطيات العملات الاجنبية بنسبة 60 في المائة، وانخفاض في النمو بنسبة 3 في المائة، وانخفاض سريع في قيمة الجنيه المصري. وادى هذا كله الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية ارتفاعاً حاداً، وتضخم البطالة، ونقص في الوقود وغاز الطبخ – ما سبب اسوأ ازمة في مصر حسب قول امين "من دون خوف من ارتكاب خطأ، منذ ثلاثينات القرن العشرين".
وقال امين: "لا احد يهتم بأمر الفقراء الآن". وجادل امين ورضوان بان افقر الناس في مصر جرت حمايتهم من المشقة المطلقة، خلال ازمات مشابهة في ستينات القرن الماضي واواسط سبعيناته واواخر ثمانيناته، إما باعانات من الدولة، او مساعدات خارجية، وبطالة منخفضة نسبياً، او بتحويلات من مغتربين في دول الخليج. اما الآن فان واحداً من كل اربعة شبان مصريين عاطل عن العمل، بينما الحوالات للعائلات منخفضة، ويوجد نقص في السلع المدعومة.
وقال رضوان، وهو خبير تنمية اقتصادية: "انك تتحدث عن كون نصف السكان تقريباً في حالة فقر. إما فقر مدقع او انهم فقراء تقريباً، بمعنى انهم سيسقطون، من دون صدمة (اقتصادية)، كما يحدث بالنسبة الى التضخم، تحت خط الفقر. ويعيش حالياً 25,2 في المائة من المصريين تحت خط الفقر، بينما يحوم فوقه بقليل فقط 23,7 في المائة، وفقاً لارقام مقدمة من الحكومة المصرية.
وبالنسبة الى معظم المصريين، تعتبر اسعار المواد الغذائية المرتفعة المشكلة الكبرى. فقد تضاعف سعر بعض السلع منذ الخريف الماضي – وهذا امر كارثي بالنسبة الى ربع العائلات التي تنفق اصلاً 50 في المائة من دخلها على الطعام.
وبالنسبة الى هدى جمعة، وهي مهندسة معمارية في القاهرة، يؤثر الوضع على ابنيها البالغين من العمر ثماني سنوات تأثيراً خطيراً. وتقول: "صارا اسوأ في المدرسة. صارا يمرضان مرات اكثر. وهناك بقع سوداء تحت اعينهما وصارت اسنانهما اسوأ".
وشرحت جمعة ان ذلك يعود الى غذائهما. وهي لا تستطيع تحمل كلفة اطعامهما ما يحتاجان اليه. وقبل ستة اشهر كانت تصرف نصف راتبها على الطعام. والآن تقول ان النسبة ارتفعت الى اربعة اخماس راتبها – لا لأنها تكسب اقل، ولكن لان اسعار المواد الغذائية الآخذة في الارتفاع لا يبدو ان ارتفاعها سيصبح ابطأ.
وقال البقال وليد علي "الاسعار مشتعلة". وكان علي حتى الاسبوع الماضي يشتري كيلو المندلينا باربعة جنيهات مصرية – ما يعادل 40 بنساً بالعملة الاسترلينية – من باعة الجملة، وكان يبيعه بستة جنيهات (60 بنساً). "اما الآن فاشتريه بستة وابعه بثمانية".
ونتيجة لذلك فان المستهلكين اما يشترون كميات اقل، او لا يشترون بالمرة. وقال علي: "المسألة مستحيلة. لقد فقدت نصف زبائني. الناس لا تستطيع شراء سوى مواد الطعام الاساسية". وفي سوقه المكونة من طابقين في وسط القاهرة، بات الطابق الثاني الآن خالياً. وقال جيران ان جميع اصحاب البسطات في الطابق العلوي اضطروا الى اغلاق بسطاتهم في الاشهر الاخيرة.
ولا يُنظر الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية على انه ظاهرة جديدة في دولة تعتبر اكبر دول العالم في استيراد القمح، وحيث ارتفع عدد السكان بسرعة تتجاوز الانتاج، وحيث تتعفن المنتجات بسبب الحرارة وهي في طريقها الى السوق. الا ان الارتفاع الكبير في نسبة التضخم يعود الى الكوارث الاقتصادية المهلكة في مصر.
ومن اشد عناصر المشكلة، انخفاض قيمة الجنيه المصري بنسبة 12 في المائة مقابل الدولار منذ كانون الاول (ديسمبر). اذ ان البنك المركزي المصري استخدم احتياطيات النقد الاجنبي طوال عامين لوقف الانزلاق. الا انه مع تهاوي هذا الاحتياطي بنسبة 60 في المائة منذ العام 2011، فان البنك تخلى عن تلك الوسيلة في الشتاء الفائت. ونتيجة لذلك، هبطت قيمة الجنيه هذا العام بنسبة اكبر وسرعة اكثر من ذي قبل. بالمقابل، اصبح استيراد السلع الاجنبية اكثر تكلفة – بل كارثيا بالنسبة الى دولة تشتري 60 في المائة من قمحها، ويعتمد مزارعوها في اكثر الاحيان على استيراد الاسمدة والوقود وغذاء المواشي.
وقال موفد الاتحاد الاوروبي الى مصر جيمس موران الذي لاحظ ان الاحتياطي الاجنبي في مصر انخفض من 36 بليون دولار (24 بليون جنيه استرليني) قبل ثلاث سنوات الى 14.4 بليون دولار الشهر الفائت. "هذا لا يغطي الاستيراد الا لاقل من ثلاثة اشهر – وفي حالة الاقتصاد الذي يعتمد على الاستيراد، فانه يعني الخطر على وجه التحديد".
وقال علي عيسى، رئيس مجلس ادارة نهضة مصر، وهي شركة زراعية تعمل في زراعة البطاطس والبرتقال في3 آلاف فدان في انحاء مصر "اننا نعاني (من هذا الوضع)، وأثره على معظم الاسمدة والمكائن والجرافات- فقد ارتفعت اسعارها كلها بشكل كبير".
وكان من نتيجة انخفاض قيمة الجنيه ان اصبح من الصعب على الحكومة المصرية استيراد الوقود. فوقود الديزل يحظى بالدعم في البلاد (وكذلك الحال بالنسبة الى السلع مثل الخبز وغاز الطبيخ والاسمدة) منذ دكتاتورية جمال عبد الناصر. اما الان وقد وصل هذا الدعم الى نسبة خُمس الميزانية المصرية، والعجز في الميزانية الى نسبة 13 في المائة، فان الدولة لا تستطيع ان تواصل دعم السكان بذات المستوى الذي كانت تطبقه. ونتيجة لذلك فان هناك نقصا يوميا في المضخات عبر مصر، وصفوفا طويلة – وفي بعض الاحيان اقتتالا مميتا.
وقال عيسى، الذي اضطر نتيجة ذلك الى التوجه الى السوق السوداء التي قال ان الاسعار فيها اعلى من السعر الرسمي بنسبة تتراوح بين 40 و 80 في المائة "لم نتمكن الشهر الماضي من الحصول على وقود الديزل. وما هو اسوأ من ذلك ان معظم كميات السوق السوداء مخلوطة بالماء – الامر الذي يتسبب في خراب مكائننا. وعلينا ان نغير المرشح، والقيام باعمال الصيانة، ووقف الري ووقف الجرارات".
وعلى المزارعين في المقابل ان يبيعوا محصولهم باسعار اعلى – ومع الضغط على الحكومة لتخفيض الدعم، ازدادت صعوبة توفير الغذاء بالنسبة الى الفقراء. وقال كريم أبادير، استاذ الاقتصاديات في جامعة امبيريال كوليدج في لندن والمؤسس المشارك لحزب المعارضة "المصريون الاحرار" ان "بامكان الاثرياء ان يعتنوا بانفسهم. لكن فقراء مصر هم فقراء حقا. وطعامهم اليومي يتكون من العيش (أي الخبز) وحده. وهو أولا وقبل كل شيء غذاء صعب، وثانيا هم لا يستطيعون حتى شراء هذا. وليس لدى الحكومة شيء بديل توفره لهم بأمان عندما ترفع الاسعار وتخفض الدعم".
وحتى الان فان حكومة الاسلامي محمد مرسي حاولت المحافظة على الا تغرق مصر باجراءات قصيرة الامد. قبلت قروض ومنحا تصل قيمتها الى 5 بلايين دولار من دول خليجية مثل قطر، ومنحا مشروطة من الوقود بدون فائدة من ليبيا المجاورة. وفي الداخل تحاشت الاصلاحات الاقتصادية الكبيرة التي قد تتسبب في انتفاضة على المدى القصير – ربما كانت تخشى من احوال تماثل اضطرابات الخبز التي جرت في العام 1977، عندما قام الدكتاتور انور السادات انذاك باول عملية تلاعب موقت في الدعم. وركز مرسي بصورة اساسية على مبادرات لا معنى لها مثل رفع الضرائب على استيرادات هامشية مثل الجمبري (او القريدس) والمكسرات، او اقفال الدكاكين في وقت مبكر من الليل توفيرا للكهرباء. كما حاول مرسي تقنين الصكوك المثيرة للجدل، وهو نموذج اسلامي للسندات الحكومية التي قد تساعد في تحصيل المال على المدى القصير.
وقال رضوان عن وزراء الاقتصاد الحاليين في الحكومة "ليست هناك رؤيا. لا توجد رؤيا ايا كانت". ولم تسمح وزارة المالية المصرية لاي مسؤول فيها ان يتيح نفسه لاجراء مقابلة معه.
وقال رضوان، مثلما قال أمين، ان المسار الاولي للخروج من الازمة كان واضحا. فالحكومة تحتاج الى ان تمسك بزمام الريادة في اعادة الهدوء الى الشارع المصري المستقطب والى الميدان السياسي الصاخب. فالاستقرار الوطني يمنح المستثمرين الثقة لاعادة فتح 1500 مصنع اقفلت ابوابها منذ العام 2011، ويشجع السياح، الذين كانوا في فترة من الفترات يصبون بليون دولار في الشهر داخل الاقتصاد المصري، على العودة الى مصر.
واوجز أمين بالقول "اعيدوا الاستقرار والسياحة والثقة الى المستثمرين". وهذه الاعمال ترفع من مستوى العمالة، وبالتالي ترفع الملايين من قاعة الفقر، وتسمح للحكومة بوضع نهاية للدعم الغذائي للذين ليسوا بحاجة اليه بعد ذلك.
وقال امين "لا بد من توزيع ذلك على فترة من الزمن والا فان النتائج الاجتماعية ستكون قاسية للغاية. اذ انه بعد نجاح رفع دخل الفقراء، سيكون بامكانك تخفيض الدعم".
وتعتمد الموافقة على منح قرض تأخر كثيرا من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 بليون دولار، وقروض بشروط من الاتحاد الاوروبي واماكن اخرى بقيمة 12 بليون دولار، على موافقة مصر على اجراء تلك الاصلاحات. ومن غير المحتمل في غياب القرض عودة الاستثمارات الاجنبية التي هبطت بنسبة 56 في المائة منذ العام 2011 الى مصر.
وقال رضوان "ارى ان قرض صندوق النقد الدولي، وكنت أول من تفاوض بشأنه، لكنه رُفض، هو الاساس. ليس بسبب قيمته. ولكن اذا انت وقعت مع الصندوق، فان ذلك يعني ان لديك برنامجا ماليا ونقديا سليما للخروج من الازمة".
الا ان هذا لا يحظى بالقبول من الجميع. ذلك أن أمين يرىان القرض قليل جدا بحيث لا يمكنه وحده ان يترك اثرا في البلاد. ويرى ان على مصر تفعيل الاصلاحات التي يقترحها صندوق النقد الدولي من دون المديونية ذاتها. "ما فائدة هذا المبلغ الـ4.8 بليون دولار؟. انه مبلغ كبير، لكنه لا يزال اقل مما كانت السياحة توفره. والنتيجة هي ان قرض الصندوق ليس ضروريا ولا كافيا. انه ليس ضروريا لان بالامكان الاستغناء عنه بالتعامل مع المشاكل الحقيقية – وهو ليس كافيا لانك اذا لم تتعامل مع المشاكل الحقيقية فانه لن يعينك كثيرا. انه استراحة لفترة قصيرة فحسب".
ومهما كان عليه الحال، وفي الوقت الذي يراوغ فيه السياسيون، فان المصريين العاديين يعانون اكثر من اي وقت بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. فمصطفى، وهو سائق سيارة في الثلاثين من العمر، بدأ يتاجر بالحشيش في وقت متأخر من العام الماضي، بعد ان اصبحت امرأته حاملا وهو يدرك ان دخله الشهري بقيمة 1500 جنيه مصري، او 150 جنيه استرليني، لن يكون كافيا لاطعام عائلته الكبيرة. وقال "من دون المتاجرة بالمخدر، فانه لن يكون لدى الا 300 جنيه مصري (30 جنيها استرلينيا) لسداد كل المصروفات بعد الاجارة والطعام. كيف يمكنني اذ ان اوفر الحياة لاطفال جدد؟".
وفي بعض الاحيان فان الاقتصاديين يتوقعون ما يسمونه "ثورة الجياع"، اذا ما ساءت الاوضاع اكثر مما هي عليه. اما بالنسبة الى رضوان، فان مصر وصلت الى تلك المرحلة: اذ ارتفعت اعمال السرقة بنسبة 350 في المائة في العام 2012، بعد ان تولى المصريون اعادة توزيع الثروة بمحض اختيارهم. وقال رضوان "يجلس النخبة قائلين ان ثورة الجياع قادمة. ما الذي تعنيه بالقول انها قادمة؟ هل انك تتوقع تدميرا عنيفا دمويا للباستيل؟ انها بالفعل هناك".