أحدث الأخبار
الثلاثاء 14 أيار/مايو 2024
احتفاء بـ "شَعَب وحاميتها"..!!

بقلم : سهيل كيوان ... 25.04.2013

غنى الحادي وقال بيوت بيوت غنّاها الحادي
سدّوا الدرب منين افوت أفوت وأقدر بعنادي
يا حلالي ويا مالي
فوق التل وتحت التل وبين الوادي والوادي
مين تسأل عنا بتندل تلقاني وتلقى اولادي
يا حلالي ويا مالي…
هذه الزجلية للشاعر(يوسف القاروط) كان يفتتح فيها برنامجه الإذاعي ‘غنى الحادي’ عبر مائة وأربع حلقات من صوت الثورة الفلسطينية منذ العام 1976، وهو ابن قرية شعب ومن الشبان الذين كانوا في حاميتها، وهو صاحب قصيدة مرسال الشهيرة التي نظمها بعد سقوط القرية عام النكبة والتي يستهلها بـ-
مرسال ياممتطي شملال كالسرحان
تسبق نسيم الشمالي حين ترخيها
حث المطية وسير برفقة الرحمن
وفي أقرب السُّبل يا مرسال مشّيها
وخذ هالرسالة وفيها من الدّما عنوان
ودمع الحزانى مْطرّز عا حواشيها
ومضمونها منتهى النكبات والأحزان
أسرع بها ولملوك العرب ودّيها
على تسجيل لصوت الشاعر افتتح الإحتفال بصدور كتاب ‘شعب وحاميتها’ الذي حضره حوالي خمسمئة إنسان من مختلف الأعمار من ابناء شعب والمنطقة، وهذا حضور غير عادي احتفاء بصدور كتاب، الحضور كان متلهفا متفائلا، الجميع يصافح الجميع، فالدافع لهذا الحضور الكبير من الشباب والكهول والمسنين، لم يكن المطالعة بذاتها رغم أهميتها، بل هي الظروف التي صدر فيها هذا الكتاب (شعب وحاميتها) لمؤلفه ياسر أحمد علي حسين.
لم يكن مؤلف الكتاب، بين المحتفلين بكتابه، لأنه ليس موجودًا في (شعب)، فقد ولد بعيدًا عن بلده في مخيم تل الزعتر في لبنان عام 1969 وما زال يعيش في المنفى، ولكن خلال الإحتفال قرأت صبية (ولاء مصطفى) رسالة الكاتب الذي تواصلت معه عن طريق الشبكة العنكبوتية، وتحدث عدد من المختصين،منهم المؤرخ الدكتور جوني منصور والباحث جميل عرفات، وممثلي اللجنة المبادرة التي أعادت طباعة الكتاب.
من الواضح أن المؤلف بذل جهدًا كبيرًا في هذا الكتاب التوثيقي لقرية شعب من خلال مائتين وثمانين صفحة من الحجم الكبير، لتاريخها، سكانها، أرضها، اقتصادها، ولشهدائها الذين تجاوز عددهم الأربعين عام النكبة، ولرجالتها، منهم الشاعر الآنف الذكر، وإبراهيم الشيخ علي (أبو اسعاف-1915-2002) الذي قاد حاميتها التي اشتهرت بصمود وشجاعة رجالها عام النكبة، مصطفى الطيار أول من اقتنى مذياعًا في شعب لاهتمامه بالسياسة، وشقيقه المدرّس نجيب الطيار الذي تعلّم في الكلية العربية في القدس وكلاهما من رجال الحامية، سعيد صالح عبد الهادي الأسدي، الذي حمل السلاح في مواجهة الغزو والاستعمار منذ العام 1936 مرورًا بحصار بيروت عام 1982 حتى رحيله في لبنان عام 1997، وهو من مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد استوحى الشهيد غسّان كنفاني منه شخصيًا الكثير من القصص ومنها قصة ‘العروس′ وهو الإسم الحركي للبندقية في القصة.
أبو صالح الأسدي هو (يونس) بطل رواية الكاتب الياس خوري (باب الشمس) الرجل الذي أنجب أبناءه سرًا من نهيلة وهي (منيرة) زوجته في الواقع.
عامًا بعد عام، ويومًا بعد يوم، يرحل الجيل الذي عاصر عام النكبة. التقيت أحدهم الذي كان مقاتلا في حامية شعب، وهو شيخ تجاوز التسعين عامًا، الحاج أحمد مطلق الخطيب، ما زال يتمتع بروح خفيفة ويداعب جلساءه، سألته ماذا تعني لك (حامية شعب)؟ ابتسم وقال: شبان شعب باعوا الفدّان- الحيوانات التي كانوا يحرثون ويفلحون عليها-، باعوا الذهب ورهنوا زيتونهم لاقتناء السلاح، كان لدى الجميع رغبة وشعور بضرورة التسلح، والسلاح عزيز، كانت هناك لجنة لتجنيد السلاح للحامية ، اللجنة كانت تدور على الناس من ذوي الإمكانيات المادية ويقولون لهم ‘أنت بفمك ريق’ يعني حالتك المادية مليحة هات ثمن بارودة’.
بلغ ثمن البندقية تسعين ليرة فلسطينية وما فوق، حتى وصل إلى مائة وعشر ليرات فلسطينية، كان أبو إسعاف (ابراهيم الشيخ خليل-1915-2002) هو الملهم في قضية السلاح، تعرّف على القسّام في حيفا وانضم للثورة، رغم أن رجال القسّام في البداية رفضوا انضمامه إليهم ورفضوا تسليحه لصغر سنّه، ولكنه باع ذهب زوجته واشترى قنبلة، ويقال إنه ألقاها على الإنكليز ولم تنفجر، وراحت خسارة.
يضيف أحمد مطلق الخطيب: عرفته شخصيًا في الحامية، كانوا يحكون أن شقيقته كانت تساعده للتملّص من الإنكليز، كانت تحمل طنجرة اللبن على رأسها، وكان إذا أطلق النار من مسدسه على الإنكليز يرمي المسدس في طنجرة اللبن، ويمضي بين الناس. في عام النكبة رافق صبحي الخضرا بموافقة المفتي الحاج أمين الحسيني لشراء السلاح من ليبيا وشحنه إلى حيفا، الصفقة وصلت الإسكندرية ثم إلى صور، ولكن حيفا سقطت في هذه الأثناء، فتم تهريب السلاح إلى حامية شعب، وصار أبو إسعاف قائدًا لحامية شعب، التي ضمت أكثر من مئتين وعشرين مقاتلا أكثرهم من شعب ومن قرى المنطقة.
يضيف الحاج أحمد المطلق وهو يبتسم’ كان النسوة يلحقن بالرجال إلى جبهة البروة وميعار والدامون- بالطعام والماء والخضار واللبن وغيره، كُنّ يجمعن الطعام من البيوت وينقلنه للجبهة، أذكر منهن..خضرة الشيخ خليل شقيقة أبو إسعاف، فاطمة يوسف القاسم أبو الهيجا، وزوجة علي القاروط -والدة الشاعر الفلسطيني يوسف القاروط، عندما سقطت البروة عدنا وحرّرناها، وأذكر ضابطًا من جيش الإنقاذ حضر في اليوم التالي فحيّا الرجال وشكرهم على بسالتهم وطلب منهم تسليم القرية للجيش فسلّمناها، في اليوم التالي سمعنا أنهم سلموها لليهود، كما يبدو حسب اتفاق لم ندر به.
تأتي أهمية الاحتفال بهذا الكتاب أولا لأن في الكتاب جهدًا كبيرًا وبحثا وشهادات حية من أهالي شعب المهجرين في الشتات، إلى جانب الوثائق وقائمة طويلة من المصادر حول شعب وحاميتها، والأهم من ذلك هو استعادة سكان قرية شعب الحاليين لذاكرتهم، بما فيهم أبناء القرى المهجرة الذين يعيشون في قريتهم.
يعيش في شعب اليوم خليطٌ من المُهجّرين الذين تم توطينهم فيها قسرًا بعد تهجيرهم من قراهم، كذلك من سكان شعب الأصليين الذين بقوا في وطنهم، ولكنهم لا يملكون شيئا من أراضيهم حسب القانون (القرقشيوني) يعني القراقوشي الصهيوني، قانون (الحاضر الغائب)، عن هذا القانون (القرقشيوني) قال لي ابن شعب الخال صلاح أحمد الحسين’ بعدما حصلنا على الهوية الإسرائيلية الزرقاء عام 1952 ضمن قانون لم الشمل، وفي أول موسم للزيتون، ذهبت كالعادة لقطف زيتوننا، فجاء شرطي وسألني ماذا تفعل هنا؟ قلت أجمع زيتوني! فقال: هذا كان لك ولم يعد كذلك، إنه ملك الدولة، وطردني من أرضي إلى يومنا هذا’ ويضيف الخال..كان في (دائرة أراضي إسرائيل) موظف اسمه غزال، وهي ترجمة لإسمه العبري (تسفي)، جاء عند والدي وعرض عليه مبادلة أرضه بأرض بديلة، والدي رفض العرض ليس فقط لأن النسبة المعروضة ضئيلة، ولكنه رفض مبدئيًا تبديل أرضه بأرض الآخرين..فقال له غزال’ أنت يا أبو كمال تنتظر جمال عبد الناصر…على كل حال إذا جاء عبد الناصر خذ أرضك وخذ معها أرض اليهود’…