أحدث الأخبار
الأحد 19 أيار/مايو 2024
معاذ الله أن نصدقكم أيها "المعتدلون" العرب !

بقلم :  د. فيصل القاسم ... 26.1.09

هل يصدّق الشعب العربي ما جاء في الخطابات المفاجئة واللهجة التضامنية التي سمعناها في قمة الكويت الأخيرة، وخاصة من "المعتدلين" العرب؟ هل نسي تآمر المتآمرين قبل أيام فقط ، ومباركتهم للغزو الصهيوني البربري لقطاع غزة الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة نفسه بأنه أبشع غزو في التاريخ الحديث؟ ألم يقفلوا المعابر والحدود قبل أيام فقط في وجوه الفارين من جحيم غزة؟ ألم يمنعوا حتى الأطباء العرب من دخول القطاع لمعالجة الجرحى والمصابين؟ ألم تنطلق التهديدات الإسرائيلية بمحو المقاومة الفلسطينية عن بكرة أبيها من أراضيهم أصلاً؟ ألم يذكر المسؤولون الأوروبيون أنهم سمعوا كلاماً من المعتدلين العرب بأنهم لا يودون خروج المقاومة الفلسطينية منتصرة من المعركة مع الصهاينة؟ ألم يحمــّلوا أهالي غزة العزّل مسؤولية الهمجية الصهيونية؟ ألم يسخروا من المظاهرات العربية المناصرة لسكان القطاع المنكوب؟
فلماذا راحوا على حين غرة يزايدون على الشارع العربي، ويستخدمون في الأيام الأخيرة من العدوان نفس اللغة التي يستخدمها المتظاهرون؟ هل غير "المعتدلون" المزعومون مواقفهم، أم كانوا يتخابثون مجاراة صورية للشارع؟ ألم يكونوا في البداية في واد، والشعب العربي في واد آخر تماماً؟
لماذا لم يدعوا إلى وحدة الصف العربي قبل العدوان على غزة لو كانوا صادقين فعلاً في دعواتهم المشكوك في نواياها؟ لماذا لم يطلقوا تهديداً واحداً ضد إسرائيل أثناء العدوان؟ لماذا انتظروا حتى أجهزت آلة الحرب الصهيونية النازية على أبرياء غزة؟ لماذا تغير هؤلاء الحكام بين ليلة وضحاها ليهددوا إسرائيل بقلع ثلاث عيون إسرائيلية مقابل كل عين فلسطينية؟ لماذا لم يهددوا بسحب المبادرة العربية للسلام بعد أسبوع واحد على بدء العدوان على الأقل؟ لماذا انتظروا حتى أنهت إسرائيل تدميرها للقطاع وتشريد أهله المحاصرين أصلاً؟ لماذا لم تظهر عنترياتهم وعواطفهم الجياشة الكاذبة إلا بعد أن انتهى العدوان الهمجي على غزة؟ صدقوني ،لا يصدقكم إلا مخبول.
لماذا لم تتداعوا إلى قمة غزة الطارئة التي سبقت قمة الكويت المبرمجة قبل عام، والتي جاءت بعد أن وضعت الحرب أوزارها؟ هل وحدت مأساة غزة صفوفكم فعلاً، وجعلتكم تنسون أحقادكم بشكل مفاجئ؟ هل كنتم بحاجة للانتظار حتى تخرب غزة كي تجتمعوا، وتقبلوا لحى بعضكم البعض؟ على من تضحكون أيها المنافقون الأفاقون؟ هل تعتقدون أنكم تستطيعون الضحك على ذقون الشعب العربي بهذا النفاق المفضوح والعواطف البلاستيكية المستهلكة والممجوجة؟
هل كان بعض المجتمعين في قمة الكويت سيعلنون عن تبرعات سخية لسكان غزة لولا أنهم وجدوا أنفسهم في مأزق حقيقي مع شعوبهم هذه المرة، وبعد أن انفضح أمرهم، ولم يعد بإمكانهم ستر عوراتهم الكثيرة؟ ألم تأت دموع التماسيح التي ذرفوها على محنة الغزاويين لتنفيس الشارع العربي الذي لن يغفر لهم مهما طال الزمن؟ هل يعتقدون أنهم سيقنعون الشعب بخطاباتهم التوفيقية والعنترية ووعودهم السخية؟ أليس حرياً بهم أن يعلموا أن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج بات أكثر ذكاء وحنكة مما يتصورون؟ لماذا تصورون لنا مجرد تصالحكم الباهت قفزة نوعية بعد معارككم الصبيانية؟ ماذا يستفيد الشعب المنكوب من تصالحكم؟ ماذا حققتم لنا وأنتم في عز وئامكم ووحدتكم؟ ألم تكن كل مؤتمرات قممكم هراء بهراء، وفي أحسن الأحوال مجرد مؤامرات، كما فعلتم قبيل العدوان الثلاثيني على العراق؟ وهل تعتقدون أن الشارع العربي سيشكركم على التصالح فوق دماء أهالي غزة؟ لماذا استغللتم دماء الأبرياء لتصفية حسابات كان بإمكانكم أن تصفوها بعيداً عن شلالات الدم الفلسطيني؟
لقد عجناكم وخبزناكم مرات ومرات، فلا تتذاكوا علينا. فلولا أنكم تعرفون أنكم سقطتم سقوطاً مريعاً في عيون شعوبكم والعالم أجمع، لما أبديتم لهجة تصالحية وتضامنية في قمتكم الأخيرة للتغطية على تآمركم . نحن نعرف دهاءكم وخبثكم جيداً، فأنتم تعرفون أن الشارع العربي يغلي بشكل غير مسبوق بعدما منعه بعضكم حتى من الصراخ في الشوارع تضامناً مع أهل غزة، وبعدما أوعزتم لخدمكم من شيوخ "الفـُل أوبشن" كي يصدروا فتاوى تحرّم التظاهرات، وتعتبرها رجساً من عمل الشيطان. إن الذي كان يزعم في مؤتمر قمتكم بأن دماء الفلسطينيين الذين قضوا في غزة أغلى على قلبه من كل شيء ما كان ليعطي الضوء الأخضر للصهاينة كي يعيثوا خراباً وتدميراً في أحياء غزة المكتظة بالسكان، ولما كان انتظر حتى سكتت المدافع التي كانت تدك الأبرياء في غرف نومهم حتى يتعاطف مع المنكوبين.
العبوا غيرها أيها الحكام! فكل ما تريدونه من قمتكم التي أردتموها مفاجئة في مضمونها أن تستعيدوا بعضاً من هيبتكم المسفوحة، وأن تحفظوا ما تبقى من ماء وجوهكم، وأن تستعيدوا زمام المبادرة بعد أن فلتت من أيديكم تماماً، وأن تمتصوا غضب الجماهير ونقمتها التي- إن شاء الله - لن تنسى لكم فعلتكم الشنعاء هذه المرة، مهما حاولتم استرضاءها بالمؤتمرات والعبارات الناعمة والعطايا السخية. لا تحلموا بأن تغطي مشاهد تبويس اللحى على موائد الغداء على المشاهد النازية والفاشية التي خلفها الصهاينة في غزة. فصور العائلات الفلسطينية الميتة تحت الأنقاض أشد وقعاً وتأثيراً على نفوسنا من عناقكم المزيف وخطاباتكم الانفعالية الزائفة.
نعرف يا حكام "الاعتدال" أنه لو استسلمت المقاومة الفلسطينية للعدو الصهيوني الغاشم، لما صدرت عنكم تلك اللهجة التصالحية في قمتكم الأخيرة، ولمضيتم في غيكم، ولكنتم، لو سقطت المقاومة، فركتم أيديكم فرحاً وأنتم تصيحون: "ألم نحذر حماس من مغبة استفزازها لإسرائيل"؟. نحن نعلم جيداً أنه لولا صمود المقاومة، لما تصالحتم على مضض، ولما تبرعتم بملايينكم. وإذا أردتم أن تشكروا أحداً على إعادة اللحمة المزعومة المفاجئة لصفكم فاشكروا المقاومة، ولا أحد غيرها.
صدقوني أنكم لا تستطيعون أن تغسلوا عاركم وتواطئكم، ولا أن تشتروا البطولة والشهامة والكرامة بملايينكم، فالدماء الغزيرة التي سالت في غزة أغلى بكثير من تبرعاتكم. ليس العبرة في إعادة الإعمار، بل في منع الدمار في المقام الأول، ويقول المثل الشعبي في هذا الصدد: "لا تقل الله يرحم الذي يجبر العظام المكسورة، بل قل الله يرحم الذي يمنع الكسر". وأنتم مشهورون في تشجيع كسر العظم العربي في لبنان والعراق وفلسطين
هل دعوتم للمصالحة أيها "المعتدلون" فعلاً من أجل رأب الصدع العربي، كما تدّعون، أم أن دعوتكم ما كان لها أن تتم لولا الضوء الأخضر الأمريكي، فقد خشي العم سام عليكم كثيراً بعد محرقة غزة، فطلب منكم توحيد الصفوف، لكن ليس من أجل القضايا العربية، بل من أجل الحفاظ على كراسيكم.
كل محرقة وأنتم بألف ويل!