أحدث الأخبار
السبت 18 أيار/مايو 2024
الإبداع في حسن الوداع !

بقلم : إبراهيم حسين أبو صعلوك ... 24.12.08

ظن الكثير من الناس أن قضية رجم الرئيس الأمريكي بوش بالحذاء المنتظر أثناء زيارته الوداعية للعراق ستكون مجرد حدثا عابرا سيندثر بعد ساعات أو أيام إلا أن العكس هو الصحيح فكلما مرت الأيام وتباعد وقوع هذا الحدث ازداد ذكره وتصويره بإشكال مختلفة ومتنوعة، ككتابة المقالات والألعاب المسلية والنكات.
إن تناول هذا الحدث بهذا الشكل وبهذا الكم لكفيل بترسيخه في الذاكرة إلى أزمنة مديدة وأيام عديدة أضف إلى ذلك مساهمة هذه الحادثة في محو تاريخ بوش بشكل كامل وتام من ذاكرة الناس ولن يذكر بعدها إلا بالرجل الذي اختتم حياته السياسية بضربة بالحذاء بمعنى الذم المحض لا بمعنى التعاطف والشفقة بينما سيذكر الناس الصحفي العراقي منتظر الزيدي بالخير والمحمدة كلما ذكر بوش ذما أو مدحا.
سيذكر منتظر الزيدي ليس بسبب العمل الذي قام به فحسب، بل بسبب كشفه لكذب وبهتان ما روجه بوش وزبانيته من العرب وبطانته ومستشاريه من الأمريكان وغيرهم بأن الهدف من احتلال العراق هو نشر الديمقراطية في العراق وإغراق العراق بالحريات كحرية التعبير عن الرأي مثلا، علما أن العراق في عهد صدام حسين لم يكن اقل ديمقراطية من غيره من الدول العربية الأخرى التي تحالف قادتها مع بوش وعاونوه على احتلال العراق لإنقاذ العراقيين من براثن دكتاتورية صدام على حد زعمهم، لكنة في الحقيقة كان أكثر خطرا منها على إسرائيل وإيران فأستحق ما حل به.
وحتى لو سلمنا جدلا بأن عراق بوش – طبعا إذا استثنينا العراقيين الحقيقيين أمثال منتظر وإخوانه- ينعم بأبسط مقومات الديمقراطية والنخوة والشهامة والشعور الإنساني البديهي بالذنب تجاه ما جلبه بوش ومن تأمرك معه من العرب والمسلمين على العراق من دمار وقتل وتشريد إذا لَما مكث منتظر الزيدي في السجن لحظة واحدة، لان ما قام به منتظر هو نوع من أنواع التعبير عن الرأي ليس إلا ولعل تصريحات بوش عن الحريات والديمقراطية قد أغراه ففعل ما فعل ظنا منه أن ديمقراطية بوش المزعومة قد تحققت في العراق، أنّ لهم ذلك وديمقراطيتهم لا تصلح حتى لرحمة الحذاء الذي انزلوا به عقوبة الإعدام حرقا فكيف بالبشر! ولعل أجمل ما يمكن ذكره في الديمقراطية الحقيقية التي تختلف عن ديمقراطية بوش الزائفة هذه الديمقراطية التي تغمرها الشهامة والنخوة والرجولة والتسامح هذه؛ الديمقراطية التي يجب أن تكون مثالا يحتذى به إن لم يكن لبوش وأمثاله من الأجانب، فليكن للحكام العرب والمسلمين على الأقل لان شيئا من هذه النخوة والشهامة التي تجلت في تصرفات أجدادهم أمثال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حين عفا عن المولى الذي دس له السم لا بل لم يكتف بالعفو عنه بل حرره من العبودية يفترض أن يكون متأصلا فيهم ولو بالوراثة على الأقل طبعا إن لم تخونهم الجينات حيث ستدفعهم هذه الشهامة والنخوة والمروءة إن توفرت بعد حادثة رجم بوش بالحذاء إلى مراجعة حساباتهم إزاء مواقفهم التي تتعلق بمصالح شعوبهم وأمتهم خاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان لا سيما بعد التسريبات التي رشحت من احد الاجتماعات في منتدى الأديان الأخير حول نية ملك السعودية التنازل عن حق ألاجئين الفلسطينيين في العودة، مع أن الكل يعلم أن هذا الحق هو ملك حصري لأصحابه الذين يلاقون فضلا عن تشريدهم من وطنهم شتى صنوف عذاب الجوع والمرضى والبرد والحر في المخيمات بينما يتنعم حكام العرب والمسلمين في صنوف الترف والبذخ حيث يكفي ما يخسره احدهم في البورصات المحلية والعالمية ليسد رمق الملايين من هؤلاء ألاجئين لان هذه الحادثة تعتبر رسالة واضحة تحمل معنيين احدهما نذير لكل البوشيين في العالم، والى من حذا حذوهم تنبئهم بسوء الخاتمة والثاني بشير إلى كل من فقد الأمل في الأمة والى من تتوق نفسه إلى التشفي في بوش الذي اعدم صدام حسين في يوم عيد الأضحى المبارك ضاربا كرامة العرب والمسلمين بعرض الحائط حيث شاء القدر أن تقع هذه الحادثة في مدارك عيد الأضحى المبارك وقبل مغادرة الحجاج لبيت الله الحرام لذا يكفي هذه الحادثة وفاعلها شرفا أن تكون رسالة وان لم تكن كذلك فيكفيها أنها أدخلت إلى قاموس التعبير عن الرأي صنفا جديدا لم يكن مألوفا من ذي قبل في هذه المحافل، ويكفي صاحبها انه سبق إلى الإبداع في حسن الوداع.

كاتب فلسطيني ـ اللد