أحدث الأخبار
الأحد 19 أيار/مايو 2024
زفرات !

بقلم : رشاد أبوشاور ... 11.12.08

الزفرة الأولى:
في 'لسان العرب'، الزفير هو أن يملأ الرجل صدره غمّا ثمّ يزفر به، وعن ابن سيده: زفر يزفر زفرا، وزفرا أخرج نفسه بعد مدّه، والزفرة: التنفس. وقال الزجّاج: الزفرُ من شدّة الأنين وقبيحه..والزفير اغتراق النفس للشدّة.
وهكذا فالزفرات جمع زفرة، والعربي الأخير أبو عبد الله الصغير، الذي رحل بعد الهزيمة عن آخر معاقل العرب والمسلمين في الأندلس زفر بحرقة، وزفرته خلدت شعرا ونثرا ...
حيّرني ما جاء في (لسان العرب)، وتخصيصه للرجل بالغم والزفرة، فكأنما الرجل وحده من يبتلى بالغم وضيق النفس والهموم، بينما نحن نساء ورجالا، في بلاد العرب، نتساوى في تصعيد الزفرات، بل إن المرأة العربيّة تبزّنا نحن معشر الرجال في زفراتها لأنّ همومها مضاعفة!
وأنا أرى وأسمع تصرفات شيخ الأزهر سيّد طنطاوي وأحتار في أمره، وأتساءل: أحقّا هذا رجل دين مسلم قرأ الآية: 'قاتلوا الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم' ...
وإذ أرى صورة هذا الرجل وهو يصافح بيريس مجرم الحرب، وبيديه الاثنتين حرصا على إبداء عميق الود، فإنني أستعيد صورة السادات وبيغن، والضحكة الفاجرة على وجه من باع العرب وفلسطين وفتح أبواب مصر للخراب، و..ابتسامة بيغن الشيلوكيّة، بيغن ذابح أهلنا في (دير ياسين)...
لا غرابة أن الدفاع عن شيخ الأزهر الكامب ديفدي، جاء من طلعت السادات (عضو) مجلس الشعب، الذي مجّد مواقف طنطاوي، وهاجم من سمّاهم بالعلمانيين، متهما إيّاهم بأنهم لم يقدروا على انتقاد ملك السعوديّة عبد الله الذي دعا إلى مؤتمر الأديان، والتقى بقادة الكيان الصهيوني! (إذاعة الـ BBC صباح الخميس 4 الجاري).
طلعت السادات انتصر لرجل يقدّم الغطاء الديني للسادات والساداتيّة، ويعبّر عن (حالة) نظام الحكم المهيمن على مصر منذ العام 81 ...
كلّما سمعت تصريحا، أو رأيت صورة للشيخ طنطاوي مع صهاينة، أو متصهينين، من الذين يستقبلهم في الأزهر الشريف، تذكّرت الإمام الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر في زمن القائد جمال عبد الناصر ...
الشيخ شلتوت وجّه البعثات إلى أفريقيا لتنشر التعليم، والرعاية الصحيّة، وتساعد الفقراء، وتواجه النشاط الاستعماري والصهيوني في القارة ...
الفرق بين الإمام شلتوت والشيخ 'سي السيّد' طنطاوي هو الفرق بين الناصريّة التي قادت حركة التحرر في الوطن العربي، وكانت في المقدمة عالميّا و..الساداتيّة التي أخرجت مصر من دورها وموقعها وحوّلتها إلى تابع لا وزن ولا أهميّة له!
الزفرة الثانية:
أمّا وقد أفرغنا أيدينا من (الحجارة)، وتركنا خناجرنا للصدأ، فإن من يسمّون بالمستوطنين، قد طمعوا فينا، فصاروا يرجموننا، ويقتحمون بيوتنا في الخليل، ويستولون عليها عنوة وبغيا، بل ..ويضربوننا بالخناجر!
أين أهزوجتنا:
ضرب الخناجر ولا حكم النذل بيّا
النذل يضربنا بالخناجر، ويقتحم بيوتنا، ويتمادى على حرماتنا، ويرجم رؤوسنا بالحجارة مسيلاً دمنا، وجيشه، جيش الدفاع .. يتفرّج في الخليل، ويحرس هذه القطعان، و...
وماذا بعد؟!
أصعّد زفرة حرّى من صدر مقهور، وأصرخ: إلى متى، وأين تبددت ثورة أطفال الحجارة، والشعب المقاوم بالحجارة، الشعب الذي بهر العالم بسلاحه المتواضع... الخليل تدق أبواب انتفاضة جديدة ... فلا تخذلوها.
زفرة ثالثة:
أرفض هذا التفسير والتبرير: قصفت مجموعاتنا مغتصبة (...) بصواريخ الـ (...) ردّا على ...
هل المقاومة رد فعل؟ وهل هي اشتباكات محدودة، وبالمناسبات؟! وهل هكذا يمكن تحرير فلسطين؟!
بعد انطلاقة العمل الفدائي، المقاومة، إثر هزيمة حزيران (يونيو) 67، وبفترة وجيزة، ارتفع شعار: ليس يهم أين تصل قذائف المقاومين، المهم أين تصل أقدامهم ...
ذلك الشعار رفع احتجاجا، تجاوزا، رفضا للجوء بعض الجهات لإطلاق القذائف من شرقي نهر الأردن على المستوطنات غربي النهر ...
من جديد أرى أن ذلك الشعار صحيح، وأنه لا بّد أن يرفع في وجه من يطلقون الصواريخ المتواضعة كرفع عتب، أو ردّا على عدوانات متكرّرة من جيش الاحتلال ...
أنحن مقاومة لتحرير فلسطين، أم ترانا نشتبك مع دولة مجاورة لخلافات حدوديّة؟!
زفرة رابعة:
في الاحتفال التكريمي الذي أقيم له في مخيّم اليرموك في 26 تشرين الثاني (نوفمبر)، خاطب البطل سمير القنطار أهله الفلسطينيين: أنا لا أنظر إلى الخلف، فما فعلته فعلته، والسنوات التي قضيتها في الأسر صارت ورائي. أنا لا أعيش على مجد مضى، ولذا أقول لكم: حاسبوني على ما سيأتي ...
بعض الفصائل الفلسطينيّة ـ وهذا ما أراه شخصيّا، وربّما يشاركني كثيرون ـ باتت تتعيّش على ماض أفل، ومجد زال، وهي لا تراجع ماضيها لتجدّد نفسها، ولا تعترف بالشيخوخة مع انها زمهرت (من الزهايمر)! ...
العجيب أنه عندما انتقد سمير القنطار الذي قضى ثلاثين عاما في الأسر، الفساد الذي انتقل إلى داخل فلسطين، رفع أحدهم صوته رافضا ـ وهو بمرتبة عضو مكتب سياسي في فصيل دأب على التنظير للتسوية ـ نقد سمير، صائحا باستعراضيّة وكأنه صاحب القول الفصل: ما بيطلع لك!
عندها صاح به كثيرون: اطلع برّه .. انت اللي ما بيطلع لك تحضر هذا الاحتفال ...
تصوروا: ما بيطلع لمن أعطى عمره لفلسطين، هو العربي اللبناني، وبيطلع لفلسطيني مهمته التنظير للتسوية، والاستسلام ..مدعّما وجهة نظره بمقولات ماركسية سابقا، وبالواقعيّة السياسيّة راهنا!
لا تعجبوا من شيخ طنطاوي، فالشيوخ في زمن الاستسلام أنواع بعمائم أو بدون عمائم، ولكن طريقهم واحد!
هذه بعض الزفرات، وعندي الكثير منها، ولولا أننا في (أجواء) العيد لزفرت لكم المزيد ..و..كل عام ومحبّو أمتهم، ووطنهم العربي، وفلسطين ..بخير.