أحدث الأخبار
السبت 18 أيار/مايو 2024
أيها الليبراليون : أسيادكم يفضلون الإسلاميين عليكم!!

بقلم : د.فيصل القاسم ... 11.11.07

ساذج وابن ساذج من يعتقد أن أمريكا تحتضن الليبراليين أو الديموقراطيين أو التحرريين العرب. قد يبدو هؤلاء الأقرب إلى الغرب ظاهرياً من خلال طروحاتهم "التقدمية" وأفكارهم "التحررية" المعادية للإسلام والمسلمين، لكنهم في واقع الأمر ليسوا أصحاب الحظوة لدى دوائر صنع القرار في أمريكا وأوروبا. ولا أبالغ إذا قلت إن أمريكا تخشى الليبراليين العرب الحقيقيين أكثر مما تخشى الإسلاميين بعشرات المرات. وهي مستعدة أن تبيعهم بقشرة بصل فيما لو فاضلت بينهم وبين المتدينين.
قد يعتقد أصحاب الأصوات "الليبرالجية" العالية أنهم "حبايب" العم سام وقرة عينه، لكنهم، في الواقع، ليسوا أكثر من مجرد أدوات، تماماً كالتيارات الفكرية والسياسية الأخرى على الساحتين العربية والإسلامية. ولكيلا نذهب بعيداً، لننظر إلى ما حل بـ"الليبرالجيين" العراقيين الذين جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكية، وظنوا أن أمريكا ستمكنهم من رقاب الشعب العراقي. أين هم الآن؟ لقد أصبحوا في خبر كان رغم عمالتهم الصارخة للغزاة والمحتلين، ورغم الخدمات الجليلة التي أسدوها للأمركيين قبل وبعد غزوهم للعراق.
أيهما أقرب لحكام واشنطن في العراق الآن، "الليبرالي" العلماني أحمد الجلبي، أم آيات الله وشيوخه؟ لسنا بحاجة للتمحيص طويلاً كي نرى كيف انحازت أمريكا إلى من تتهمهم بالتطرف والإرهاب في العلن، وتتحالف معهم وتدعمهم في السر، وأعني الأصوليين؟ ولا داعي للتذكير بالجولات والاتصالات المكوكية بين بول بريمر ثاني حاكم أمريكي للعراق وبين آية الله السيستاني، كما رواها بريمر نفسه في مذكراته الأخيرة.
وكي نجلي الأمور أكثر قليلاً، لا بد أن نتذكر أن الغزو الأمريكي للعراق لم يتم بالتشاور والتنسيق بين أمريكا و"ليبرالييها" العراقيين من أمثال أحمد الجلبي وإياد علاوي وكنعان مكية وغسان العطية فقط، بل أيضاً مع الأحزاب الدينية العراقية الشهيرة المصنوعة في إيران، وبالتالي على "الليبرالجيين" العرب الذين ما انفكوا يصورون الغزو الأمريكي للعراق على أنه مسعى لنشر الديموقراطية والحرية، وعلى أنه تحالف بين ليبراليين أمريكيين وعراقيين، عليهم أن يتوقفوا عن تسويق تلك الأكاذيب والإدعاءات الفارغة، لا بل يجب أن يعترفوا بأن مجرد تحالف العم سام مع أصحاب العمائم السوداء قبل الغزو وبعده أكبر دليل على زيف ادعاءاتهم الليبرالية والديموقراطية. هل يعقل أن تنشر الديموقراطية في ربوع العراق بالاعتماد على أصوليين تتهمهم بأنهم ألد أعداء الديموقراطية والحداثة وأرباب التطرف والإرهاب؟
مغفــّل من يعتقد أن أمريكا تعادي الأصوليين أو الأنظمة التي ترفع شعار الإسلام. ربما تضيـّق عليهم الخناق، وتبتزهم، وتطاردهم، لكن ما الحب إلا للحبيب الأول. ثم أليس من الخطأ الفادح تصوير العلاقة بين أمريكا وبعض الدول الإسلامية على أنها علاقة عداء وبغضاء؟ أليست علاقة العم سام مع باكستان مثلاً سمناً على عسل؟ أليس برويز مشرف مدعوماً من السواد الأعظم من الجماعات الإسلامية في البلاد، باستثناء بعض المشاغبين الهامشيين؟ أليست كبريات الجماعات الإسلامية في باكستان ضيفاً دائماً على مؤتمرات الحوار الأمريكية- الإسلامية؟
أليست العلاقة بين واشنطن والمملكة العربية السعودية، الدولة الاسلامية الأهم في العالم، أليست في أحسن حالاتها رغم التوتر البسيط الذي شابها في بعض الأوقات العابرة؟ أين أمريكا داعمة الحريات والديموقراطيات وحامية الليبراليين في العالم من بعض الليبراليين السعوديين الذين يقبعون في غياهب السجون؟ قد يقول البعض إن واشنطن تربطها علاقات طيبة للغاية مع ليبراليين سعوديين، وخاصة أولئك الذين يسبّحون بحمدها في بعض الفضائيات والجرائد، ويذودون عن حماها "عمــّال على بطــّال". وهذا صحيح، وهو جزء من لعبة توزيع الأدوار الأمريكية. لكن لو تمت المفاضلة بين الانحياز للأصوليين والانحياز لليبراليين، فإن مصير الليبراليين السعوديين لن يكون أفضل حالاً أبداً من مصير "الليبرالجيين" العراقيين الذين يتسكعون الآن متخفين في ربوع الرافدين، ويتوسلون لآيات الله كي يضعوهم تحت عباءاتهم للفوز بمقعد في البرلمان، كما حدث للجلبي وشركاه. ثم هل علاقة أمريكا مع بقية دول الخليج العربية الإسلامية علاقة خصام، أم حب وغرام ووئام؟
أليس النظام الحاكم في الأردن المتحالف حتى العظم مع الأمريكيين، أليس مسنوداً بشكل رئيسي من حركة الإخوان المسلمين الأردنية العريقة منذ أيام العاهل الراحل الملك حسين؟
وكذلك الأمر في اليمن. أوليس نظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي أبى إلا أن يصافح الرئيس بوش في زيارته الأخيرة للبيت الأبيض على طريقة "عكيد باب الحارة"، أليس مدعوماً، لا بل متحالف مع التيار الإسلامي في البلاد، ولا داعي للشرح؟
ألا يتفاوض "الأخوان المسلمون" في مصر من تحت الطاولة مع الأمريكان، والنظام يشتكي؟
ولو نظرنا إلى تركيا البلد الإسلامي الكبير لوجدنا أنه حاملة طائرات أمريكية بامتياز. ولا أعتقد ان العلاقة بين واشنطن وتركيا ستتأثر كثيراً بعد وصول حزب العدالة والتمنية الإسلامي إلى السلطة. فالإسلاميون الأتراك يزايدون على العلمانيين في التقرب من الغرب وأمريكا. ولعلنا نتذكر أن رئيس الوزراء التركي الإسلامي السابق نجم الدين اربكان وقع خلال فترة حكمه القصيرة مع إسرائيل أكبر عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدفاعية والتجارية.
وحتى إيران الأصولية التي يحذر الغرب من خطورتها قريبة جداً إلى القلب الغربي رغم كل "الهيصة" الإعلامية السخيفة. لا ننسى أن الأحزاب العراقية التي نسّقت مع أمريكا قبيل الغزو الأمركي للعراق تربت، وترعرت في إيران، وتدربت على أيدي المخابرات الإيرانية. ولا ننسى كلمات نائب الرئيس الإيراني السابق محمد علي أبطحي الشهيرة عندما تفاخر بأن غزو العراق وأفغانستان ما كان ليحصل لولا التحالف الأمريكي - الإيراني. ويجب ألاَّ ننسى أيضاً كيف تآمرت وكالة الاستخبارات الأمريكية (السي آي أي) في خمسينيات القرن الماضي على الزعيم الإيراني "الليبرالي" مصدّق، وأطاحت به.
ولا داعي للحديث عن العلاقات الغرامية بين النظام الإسلامي الإندونيسي وأمريكا. فقد ذبح سوهارتو "على الطريقة الإسلامية" أكثر من مليون شيوعي أندونيسي من أجل عيون أحبابه الأمريكان في خمسينات القرن الماضي. وهي المحرقة الحقيقية التي لا يتحدث عنها أحد.
وأرجو ألاّ يقول لنا أحد إن أمريكا تدعم أنظمة ليبرالية في المغرب العربي، وتحارب الإسلاميين. فالذين تدعمهم أمريكا هناك، وتوطد حكمهم ليسوا ليبراليين ولا علمانين. ولا ننسى أن ملك المغرب يلقب نفسه بـ"أمير المؤمنين".
متى يدرك "الليبراليون" أن أمريكا تستطيع أن تحقق من خلال فتوى "إسلامية" من سطرين أكثر ما تستطيع تحقيقه من خلال آلاف المواقع الالكترونية والصحف والفضائيات والأقلام والأصوات "الليبراليجية" الصاخبة؟ ألم يقل هنري كسنجر قبل أشهر إن السيستاني يستطيع إخراج القوات الأمريكية من العراق بإصدار فتوى بسيطة يدعو فيها الشعب العراقي لمجرد التظاهر ضد الاحتلال الأمريكي، وبعده لن يبقى الأمريكيون في العراق لأكثر من أسبوعين؟ لا أدري لماذا يعول الليبراليون العرب المزعومون على الدعم الليبرالي الأمركي بعد كل هذه الشواهد الدامغة؟
لقد جال رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير على العديد من الدول العربية والإسلامية قبل خروجه من السلطة وطمأنها بأن الغرب لن يتخلى عن الأنظمة "الإسلامية" الحالية الحليفة، وأنه نسي تماماً "حدوثة" أو "فاصل" الديموقراطية الترفيهي. فهل ما زال أخواننا "الليبرالجيون" العرب الجدد يراهنون على المشروع الأمريكي "الليبرالي التحرري الديموقراطي التنويري الحداثي إلخ،إلخ،إلخ" في العالم العربي؟ ألم نقل في السابق إن:"الصيت لأبي زيد الليبرالي، والفعل لذياب الأصولي"؟