أحدث الأخبار
السبت 18 أيار/مايو 2024
قراءة في كتاب " الجحيم الاميركي في العراق" / لماذا يكرهوننا ؟

بقلم : رائده الشلالفه ... 6.9.07

"نحن الجنود الاميركان نرهب العراقيين، نرعبهم، نضربهم، ندمر منازلهم، وربما نغتصبهم!
من لا نقتله نخلق له كل الاسباب في العالم ليتحول الى ارهابي، وبما نفعله بهم من يلومهم على رغبتهم بقتلنا؟! وقتل كل الاميركيين؟!
هذا الادراك المثير للغثيان تحول في احشائي الى ما يشبه ورما سرطانيا نما وكبر وسبب لي معاناة هائلة كل يوم يمر علي هناك .
الارهابيون في العراق .. هم نحن الاميركان.
من حكاية جندي هارب من الجيش الاميركي عن مقال لـ "جوشوا كي".
يتناول الكاتب والباحث السوري فخر الدين فياض معد ومقدم الكتاب بالاشتراك مع اسامه ابو ديكار وترجمة مها سعود اهم المحاور السياسية التي افضت الى فهم الشارع العالمي والعربي للمنظومة الاميركية عبر اداراتها في البيت الابيض والذي صوره الكاتب وفق تصورين يصور اولهما واشنطن على انها ملاك الديمقراطية القادم من لاهوت الحريات والحقوق والكرامة الانسانية لإنقاذ شعوبنا من لعنة الاستبداد، فيما يصور الفهم الاخر التصور القائل بان واشنطن هي وريثة جميع الامبرياليات التي عرفها التاريخ، وانها العلة التي تكمن وراء كل مشكلة نعاني منها.
منوها الكاتب بدوره ان اميركا في الحقيقة لا نستطيع ان نعنون ماهيتها السياسية وفق هذين التصورين بيد ان مبعثهما ليس كليا فيما يتعلق بالتشخيص الاميركي تجاه العالم العربي وقضاياه التي تجهد اميركا الى تفصيله وفق ارضية مؤدلجة تقسم العالم الى خيرين وآخرين أشرار، كان الرئيس بوش قد ترجم ذلك التوجه عبر ادواته السياسية وتصريحاته القاضية بان هناك دول ديمقراطية حرة واخرى مارقة شريرة، وليس ادق على ذلك بحسب الكاتب فياض من الحدية التي وصف بها الرئيس بوش المشهد السياسي العربي تجاه العالم بانه قال عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر (من ليس معنا فهو ضدنا).
يروح فياض الى اغراق انسيابي في وصف جزئية ما يكتب داخل اميركا عن القضايا العربية وغير العربية في اطار ما تحاوله الماكينة الاميركية الضخمة التي تحاول اليوم ان تقود العالم، مبديا دهشته لشفافية "بعض" كتّاب الرأي العام الاميركي الذين يبدون حرصهم على العرب اكثر من حرص معظم الكتّاب العرب انفسهم وان تطرق فياض في وقفته تلك على ان شفافيتهم تلك تجيء في سياق حرصهم على مصداقية اميركا الاخلاقية في حضورها العالمي. مؤكدا ان الامة العربية ومنذ تاريخ نشأتها السياسية لم يكن لها اشكالية مع الشعب الاميركي نفسه، وانما مع منظومته السياسية التي عنونت سمات سلوكها السياسي الامبريالي وبعد الحرب العالمية الثانية تحديدا بالهيمنة والسيطرة على العالم العربي ودعم حكوماته المستبدة وانحيازها الكلي لاسرائيل مشيرا في ذلك السياق الى انها اشكاليات مشتركة لكلا الشعبين العربي والاميركي.
ويعرج الباحث الى صورة اميركا المكروهة على الصعيد العالمي والعربي والاسلامي حيث تعيش اسوأ مراحلها التاريخية من حيث المصداقية الاخلاقية في سياساتها العالمية خصوصا في ضوء ردة الفعل العالمية على حرب العراق، والتي نجحت في توحيد جزء كبير من العالم في نوبة جنون غاضب ضد الامركة سبق ذلك ارث غاضب غلف علاقة اميركا بالعالم قبل حربها على العراق بوقت طويل. فقد تجاوزت اميركا بقية دول العالم في ابعاد القوة كلها وبهامش لا سابق له مع انفاق عسكري يساوي مثيله في بقية دول العالم مجتمعة، ومعرجا كذلك الى الاختلال الضخم في التوازن البنيوي في القوة العالمية كان من اثاره ان واجهت الهيمنة الاقتصادية الاميركية في عهد الرئيس الاسبق كلينتون رفضا كبيرا لمسار العولمة الذي تهيمن عليه، الى جانب ان الولايات المتحدة وفي سياق فرض هيمنتها الاحادية على العالم لم تعد تعتمد على رصيدها من الاحترام الذي فقدته بالاضافة ان الصيغة الاميركية المفصلة للنظام الاقتصادي العالمي لم تعد تمارس التأثير الذي حظيت به سابقا ما يضعها في مطب تشي معالمه حول تطلعات واشنطن لاقامة عالم احادي القطب بانها لم تعد واقعية.
يتطرق الكتاب وعبر اكثر من 50 مقالا لاكبر كتاب الغرب واميركا الى الصور الصارخة والفاضحة التي غلفت صورة اميركا - داعية الديمقراطية والانسانية والحريات - في حربها على العراق يربط فياض في معرض تقديمه للكتاب عن الصلة بين جوانتانامو وسجن ابو غريب ، ويستشهد بما يقوله المفكر الاميركي ذو الاصول اليابانية وصاحب كتاب نهاية التاريخ فرنسيس فوكوياما والذي يعرج الكاتب في وصفه الى انه بمثابة الاب الروحي لجورج بوش وعراب ادلوجة الانتصار التاريخي والكوني للمنظومة الليبرالية حيث يقول فوكوياما "لقد خلقت ادارة بوش بغزو العراق نبؤة حققتها بنفسها، حل العراق مكان افغانستان كمغناطيس وارض للتدريب الاصولي وقاعدة جهاد للجهاديين الارهابيين وذلك بوجود الكثير من الاهداف الاميركية لاطلاق النار).
يوثق الكاتب وعبر مقالات الكتّاب المشاركين الرؤية التشاركية التي اجتمع عليها الشارع الاميركي المناوئ للسياسات الخارجية للبيت الابيض والرئيس بوش الابن، وذلك عبر ما كتب به مستشار الامن القومي الاميركي الاسبق زيغنبو بريجنسكي الذي دأب منذ الغزو الأمريكي للعراق على انتقاد سياسات إدارة البيت الابيض وهو صاحب كتاب (الفرصة الثانية.. ثلاثة رؤساء، وأزمة السوبر باور الأمريكية) والذي يصف فيه الحرب الأمريكية بالعراق بأنها كارثة تاريخية من الناحية الأخلاقية والاستراتيجية شنت تحت افتراضات كاذبة، وشككت في شرعية الولايات المتحدة عالمياً، وشملت انتهاكات لطخت المبادئ الأخلاقية التي تدعيها واشنطن بدافع ردود فعل وعجرفة امبريالية،حيث يقول عن كتابه "أنا احاجج في كتابي بان الديمقراطية هي المرحلة النهائية في عملية واسعة تشمل احترام كرامة الاخرين وقبول التنوع في ثقافات العالم وانعكاساتها على السياسية، حيث لا يمكن تصور ان الثقافة السائدة في مجتمع ما لا تؤثر على النواحي السياسية فيه، وفي هذا السياق يمكن اتن تقوم الديمقراطية من خلال مؤسسات ولذلك توهمت الادارة الاميركية الحالية ان بوسعها نشر الديمقراطية بالوعظ او فرضها بالقوة، وبطبيعة الحال نسمع الرئيس بوش يتحدث بفخر عن الديمقراطية الوليدة في العراق بينما لا تتواجد حكومة العراق – التي يسميها بالديمقراطية – خارج المنطقة الخضراء وهي اساسا قلعة عسكرية اميركية في قلب بغداد".
وفيما يتعرض اليه محتوى كتاب الجحيم الاميركي في العراق/لماذا يكرهوننا،وفي ضوء مداخلات واطروحات مضامين المقالات المدرجة عبر الكتاب ذي الحجم الكبير الواقع في 367 صفحة اهم الاتجاهات الفكرية – السياسية التي تؤثر في صناعة القرار الاميركي اليوم وهي التيارات التي تتختلف وتتحالف فيما بينها، ويتوقف دور الولايات المتحدة الاميركية في العالم على من يتصدر هذه التيارات، التي اجملها فياض في تيار المحافظين الجدد، فيما يحمله من مفاهيم تقضي بتغيير النظام والسيطرة الفاضلة الاحادية السياسية والاستثناء الاميركي، والاتجاه الثاني كما يراه فياض يتمثل بمدرسة الواقعية الجديدة وهي ابرز مدرسة سياسية صاغت السياسة الخارجية الاميركية في العقود الثلاثة الاخيرة وهي المسؤولة عن توثيق علاقات الولايات المتحدة مع كثير من الانظمة القمعية والديكتاتورية في اوائل السبعينيات وعلى رأس منظريها وزير الخارجية ابانها هنري كيسنجر. اما الاتجاه الثالث فيتمثل بالليبراليون الجدد مرادفة "الويلسونية" وابرز اتباعها الرئيس الاميركي السابق كلينتون ووزيرة خارجيته انذاك مادلين اولبرايت. والاتجاه الرابع "الجاكسونيين" وهم دعاة الوطنية الاميركية الذين تقوم سياساتهم على مبدأ الاعتزال ولديهم شكوك حيال صلاحية المنظمات الدولية ويركزون على رفع موازنة الدفاع وزيادة القدرات العسكرة الاميركية.
ومن ابرز الكتّاب الغربيين والاميركيين المشاركين المفكر المعاصر البريفسور نعوم تشومسكي، والكاتب الاميركي الياباني فرنسيس فوكوياما، والصحفي البريطاني المخضرم روبرت فيسك، وعضو البرلمان البريطاني ورئيس حزب الاحترام جورج غالواي صاحب الاراء والمواقف الجريئة المناوئة لوزير الخارجية البريطاني السابق بلير ومحاباته للصهيونية عبر قراراته الداخلية والخارجية للسياسات البريطانية في السنوات الاخيرة.
الجحيم الاميركي في العراق/لماذا يكرهوننا ، أكثر من50 عالماً ومفكراً ومثقفاً ومنظراً استراتيجياً قدموا الاجابات على السؤال المطروح عبر مقالات ودراسات وتحليلات اسهم معد ومقدم الكتاب فخر الدين فياض ومها سلمان سعود واسامة ابو ديكار في توفير ما يشبه الوثيقة، وثيقة في كتاب ستكون عونا للباحثين والدارسين في المرحلة السياسية القادمة والتاريخية اللاحقة.

* كاتبه واعلامية /الاردن