أحدث الأخبار
الأحد 19 أيار/مايو 2024
الإعلام الأمريكي «الحر» !

بقلم : د.فيصل القاسم ... 17.9.07

لو كان جوزيف (غوبلز) وزير إعلام هتلر الشهير حياً هذه الأيام لطالب وسائل الإعلام الأمريكية بتعويضات هائلة. كيف لا وتلك الوسائل تستخدم أساليبه الإعلامية القائمة على الكذب المبرمج والممنهج، وتطبقها بحذافيرها دون الإشارة إلى مؤلفها. بعبارة أخرى فإننا هنا بصدد اعتداء صارخ على حقوق الملكية الفكرية لـ(غوبلز). وبما أن الأمريكيين يهتمون كثيراً بموضوع الملكية الفكرية، فكان عليهم أن يعترفوا لوزير الإعلام النازي بأنهم يستنسخون طريقته الإعلامية، وبالتالي لا بد من دفع ما يترتب عليهم من مستحقات. لكن ربما لأن الإعلام الأمريكي قد طور نظرية (غوبلز) الإعلامية كثيراً، وجعلها أكثر فتكاً وتأثيراً، وبالتالي حصل على براءة اختراع جديدة، ربما لهذا السبب امتنع عن ذكر المصدر.
وكي لا يعتقد البعض أن هذا الكلام نوع من التخريف، وأن الإعلام الأمريكي أشرف إعلام على وجه المعمورة، ومن الظلم الشديد تشبيهه بإعلام غوبلز، هاكم هذا المانشيت العريض الطازج في صحيفة أمريكية لحماً ودماً:"نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يأمر وسائل الإعلام الأمريكية بالترويج والتسويق لضرب إيران، وتعليمات محددة لقناة "فوكس نيوز" التلفزيونية وصحيفة "وول ستريت جيرنال" للبدء بحملة إعلامية مبرمجة ومكثفة تمهيداً للهجوم المقبل على طهران بدءاً من اليوم الثلاثاء الموافق أربعة تسعة ألفين وسبعة." هذا العنوان ليس من صحيفة أو وسيلة إعلام عربية تريد أن تتجنى على الإعلام الأمريكي، بل هو عنوان لمقال مهم بقلم الصحفي الأمريكي بول جوزيف واتسون في صحيفة "بريزن بلانيت". ومعظم معلوماته مستقاة من كبريات الصحف والمجلات الأمريكية مثل "نيويوركر" ذائعة الصيت.
وينقل الصحفي الأمريكي عن بارنيت روبن الخبير المخضرم في شؤون أفغانستان بجامعة نيو يورك أن الأخير تحادث بشكل مطول مع رئيس أحد المعاهد التابعة للمحافظين الجدد في أمريكا، وهو شخصية رفيعة المستوى، وأعلمه الأخير بأن التعليمات صدرت فعلاً من مكتب نائب الرئيس للبدء في شن حملة إعلامية واسعة ومركزة لبيع فكرة ضرب إيران للشعب الأمريكي في الأسبوع الأول بعد عيد العمل. ومن أجل ذلك سيتم التنسيق بين معهد"انتربرايز" وصحيفة "وول ستريت جيرنال" وجريدة "ويكلي ستاندرد" ومطبوعة "كومنتري" وقناة "فوكس" وبقية الصحف والمجلات والتلفزيونات والإذاعات الأمريكية ذات الصلة. وطلب مكتب الرئيس من الإعلام الأمريكي أن يكثف حملته على الهواء، وينسقها جيداً، بحيث يقنع الأمريكيين بتقبل الضربة المقبلة لإيران، حقاً أو باطلاً.
لاحظوا أنه مطلوب من وسائل الإعلام الأمريكية التي صدّعوا رؤوسنا بـ"مصداقيتها" و"استقلاليتها" و"حريتها" أن تبث سلسلة من الأكاذيب والفبركات لتمرير خطة ضرب إيران. فقد قال نائب الرئيس الأمريكي إن ضربتنا لإيران يجب أن تترافق مع إمكانية تعرضنا إلى أعمال إرهابية حقيقية أو مفبركة. لهذا فقد طلب من وسائل الإعلام أن تنحى باللائمة على إيران مهما حدث من أعمال، حتى لو كان المسؤول عنها الشيطان الأزرق. المهم أن تسوقوا أن المسؤول عن أي شيء يحدث لنا هو إيران، ولا أحد غيرها، حسب أوامره. يا سلام على هكذا إعلام! هل يختلف هذا المنطق عن تفكير الإعلام النازي بقيادة (جوزيف غوبلز) الذي كان شعاره: "اكذبوا ثم اكذبوا حتى يعلق شيء في أذهان الجماهير، أو حتى تصدقوا أنفسكم؟ ألا يصور الإعلام الأمريكي الأبيض أسود والأسود أبيض حسب تعليمات نائب الرئيس ديك تشيني؟ ألسنا هنا أمام نفس المعادلة الإعلامية النازية بحذافيرها: قائد يأمر وإعلام يمرر ويزوّر بشكل أعمى واتوماتيكي!!
والأخطر من ذلك أن ديك تشيني، حسب تقرير صادر عن صحيفة "المحافظون الأمريكيون"، كان قد طلب من القيادة الاستراتيجية الأمريكية قبل عامين تقريباً أن تضع خطة طوارئ للعمل بها بعد تعرض أمريكا لعمل مشابه لذلك الذي حدث في الحادي عشر من سبتمبر- أيلول، يتبعه هجوم نووي شامل على المواقع الإيرانية، وكأنه يوحي بطريقة غير مباشرة بأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر جاءت لتمرير مشاريع معينة كغزو أفغانستان والعراق.
من قال إن الأمريكيين غير صادقين؟ لقد اعترف التقرير الصادر عن الصحيفة أعلاه أنه ينبغي على وسائل الإعلام أن تلصق تهمة تعرض أمريكا لأي عمل بإيران فوراً دون أدنى تردد أو تفكير، كما يجب عليها أن تتستر على أية دلائل تشير إلى جهات أخرى متورطة في العمل. لاحظوا المهنية والمصداقية والحيادية والحرية الإعلامية!
كيف يختلف الإعلام الأمريكي (الحر جداً) عن الإعلام العربي الرسمي القميئ الذي تستخدمه الحكومات كأبواق للدعاية والتضليل والتعتيم والتجهيل والتعبئة المفضوحة؟
كم أنت مسكين يا (غوبلز)!! يشيطنوك، ويسخرون من أساليبك، ويصورونك على أنك عنوان الدجل والنفاق والسقوط الإعلامي، ثم يستنسخون أساليبك من ألفها إلى يائها، مع اختلاف بسيط وهو أن وسائل إعلامك كانت بدائية ومتخلفة قبل أكثر من نصف قرن، أما امبراطورياتهم الإعلامية الحديثة فهي غير مسبوقة في التاريخ، فما أرحم الغوبلزية الإعلامية النازية!