أحدث الأخبار
الأحد 05 أيار/مايو 2024
وزارة الوحدة الاضطراريّة!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 21.3.07

الوزارة الفلسطينيّة، وزارة السلطة ـ لا يمكن الادعّاء بأنها وزارة الشعب الفلسطيني داخلاً وخارجاً، لأن لفلسطينيي المنافي والشتات قضيّة لا تنازل عنها مهما طال الزمن، تختصر بكلمتين : حّق العودة ـ ولدت من الخاصرة، بعمليّة قيصريّة في (مكّة)، بعد معاناة واقتتال، ومشاهد مفجعة مخزية مكئبة.. فالحمد لله علي السلامة يا حكومة، نستبشر بوجهك الباسم بعد زمن العبوس والفاقة والتيه، وتهانينا يا معالي ـ كيف تجمع كلمة معالي؟ بحرف النداء مع التبجيل:يا أصحاب المعالي.. يا!
حكومة الوحدة الاضطراريّة ولدت يوم السبت 17 آذار 2007 .. أرّخوا هذا اليوم فلعلّه يكون مفصلا بين زمنين، وخيارين، وتجربتين، ويكون له ما بعده طال عمر الحكومة أم قصر.
قبل أن يحسبني بعض المتسرّعين متشائماً أوّد، وهذا لتدليل علي رؤيتي لربع الكأس المليان، أن أعلن نيابة عن نفسي فقط أن هذه الحكومة المولودة قيصريّاً لها حسنة أولي وهي إنها أوقفت الاقتتال الداخلي ولو مؤقتّاً، والذي نريده ينتهي نهائيّاً من حياتنا ـ ما زالت الاغتيالات والتحرّشات، والتهديدات مستمرّة في قطاع غزّة ـ وآمل أن تكون لها حسنة ثانيّة وهي الحصول علي دعم أوربي، وإدخال المال المحتجز لدي الجامعة العربيّة التي عجزت عن الإفراج عنه رغم قرار وزراء الخّارجيّة العرب، لزوم الخبز لملايين الفلسطينيين المجوّعين بحصار أمريكي، واستعادة المال المختطف لدي عصابة الاحتلال.
وزارة الوحدة الوطنيّة لا تولد اضطراراً، ولكنها تولد عن قناعة، وانطلاقاً من رؤية وطنيّة، وتلبيّة لحاجات ومهمات وطنيّة، وهي في حالتنا الفلسطينيّة خيار إستراتيجي وطني في مواجهة احتلال غاشم صفيق لا يرعوي بالمناشدات، وبيانات الاستنكار، والتهديدات الجوفاء، لأنه عدو يخاف ما يستحيش.
الوزارة الاضطراريّة ـ أستعير هذا التعبير من مصطلح يتعلّق بالظروف الطارئة التي تضطّر الطيّارين للهبوط الاضطراري، لعطل في أحد المحرّكات، أو لسوء الأحوال الجويّة، أو لحريق يشّب في محرّك، أو بسبب اختطاف وتغيير وجهة السفر، أو لإسعاف مريض في حالة الخطر الشديد .. الخ!
حسناً يا حسن!
نائب رئيس المجلس التشريعي الدكتور حسن خريشة لم يمنح صوته للوزارة، وهو في حوار معه أجراه تلفزيون فلسطين صباح الأحد 18 الجاري برّر حجبه لصوته عن الوزارة الاضطراريّة : أنا ملتزم ببرنامج طرحته أمام الناخبين الفلسطينيين الذين منحوني أصواتهم وبفضلهم صرت نائباً : تحــرير الأسري، حّق العودة، الدولة الفلسطينيّة، محاربة الفساد والفاسدين !
حوار حّار، جدّي، أحسب أنه لاقي صدي في نفوس الفلسطينيين تساءل الدكتور خريشة: كيف أتنازل عن برنامجي الانتخابي الوطني الذي لم يتحقق منه شيء، لوزارة لا تعد بهذا البرنامج، وزارة ولدت بدون قناعات من الطرفين الكبيرين: فتح وحماس؟!
حسن خريشة رأي أن تشكيل الوزارة، وبرنامجها هو هبوط عن السقف الوطني.. .
هذا رجل مستقّل يحترم ناخبيه، يؤمن بقضيّته، غير مضطّر لتقديم تنازلات، يحافظ علي كلمته التي وعد بها ناخبيه .اتهم الدكتور خريشة بعد الانتخابات أنه منحاز لحماس، ولكن ها هو يأخذ موقفاً رافضاً لبرنامج الوزارة الذي توافقت عليه حماس وفتح، وهو برأيه ورأي كثيرين ينهي وجود طرف قوي معارض!...
ألا تحرج وجهة نظر الدكتور حسن خريشة التنظيمين الكبيرين؟! أين برامجهما السياسيّة، ووعودهما للناخبين الفلسطينيين؟!
هو، ونحن، نتساءل : ما الفرق بين الالتزام بالاتفاقات التي أبرمتها السلطة، أو منظمة التحرير ـ غير الموجودة إلاّ اسماً ـ و.. احترام هذه الاتفاقات؟!أليس في هذا شبه تطابق مرحلي؟!.
وزارة واحدة أم وزارتان؟!
ما أن أعلن عن تشكيل وزارة الوحدة حتي وجهت فرنسا دعوة لوزير الخارجيّة الدكتور زياد أبو عمرو لزيارتها، ورحّبت جهات بالوزير سلام فيّاض، وستتعامل بعض الأطراف مع وزراء بعينهم، ولن تتعامل مع وزراء حماس رغم كّل (الاحترام) للاتفاقات الذي أعلنه رئيس الوزراء الحمساوي إسماعيل هنيّة!
ستكون الوزارة وزارتين، بعض الوزراء يرحّب بهم علي الخطوط الأوربيّة، وفي العواصم الأوربيّة، وبعض الوزراء سيسافرون برّاً إلي القاهرة أو مكّة للحج أو العمرة . سيكون الوزراء المحليّون مطالبين ببسط الأمن داخليّاً، وإنجاز متطلبات اجتماعيّة، والشأن الوطني سيعود أمره لوزراء (الظّل) المجرّبين المعروفين، الذين اشتاقوا كثيراً للكاميرات والتصريحات واللقاءات مع زملائهم (الإسرائيليين) علناً لا سرّاً .
أحدهم قبل أيّام كان في مؤتمر اقتصادي شرق أوسطي مع شمعون بيريس، وآخر يتلمّظ شوقاً للقاء يوسي ساريد لاستئناف الترويج لوثيقة (جنيف) .. وبين جنيف وجنين فرق كبير، فأهل جنين في واد، ومفاوض جنيف في الدرجة الأولي ذهاباً وإياباً.. في واد آخر!
وزير الإعلام الجديد الدكتور مصطفي البرغوثي صرّح بأن مهمّة هذه الوزارة تحقيق الدولة الفلسطينيّة!
كيف يا دكتور؟!
إذا تواصل تلوّي الجدار الأكوندي ـ نسبة لنوع من الأفاعي الضخمة البلاّعة ـ ناهباً مدمّراً ..
وإذا لم يفرج عن الأسري...
وإذا تواصل بناء المستوطنات...
وإذا لم يفرج الاحتلال عن ملايين الدولارات المصادرة من ضرائبنا...
وإذا تواصل التحكّم في المعابر وبخّاصة معبر رفح...
وإذا...
ما العمل بالله عليك؟
هل يذكّرك هذا السؤال بالمرحوم لينين يا (رفيق)؟!
السؤال موجّه لليمين واليسار في الوزارة، وليس لممثلي الكتل الصغيرة المسكينة الدمثة والتي لن يكون لها تأثير علي الكتلتين اللتين برنامجهما الوزاري برنامج زواج مؤقّت .. فكّل جهة تقول : برنامجنا الخّاص لا نتخلّي عنه، ولكننا مع برنامج التوافق الوطني! .. أهذا كلام؟ نعم كلام سمعناه في بيروت أيام الفاكهاني، فالتنظيمات اليساريّة والقوميّة كانت تبرر لنفسها المشاركة غير الفاعلة في اللجنة التنفيذيّة بهذا التنظير الاستهبالي !
في كّل حال؟ ما العمل إذا استمرّت الإدارة الأمريكيّة علي انحيازها الصلف وتطابقها التّام مع الكيان الصهيوني؟ يعني في سياسة الكيل بمكيالين، والتي هي في الحقيقة كيل بمكيال واحد، فكّل ما هو علي البيدر للحليف الاستراتيجي,ونحن لنا التهم بالإرهاب، وعلينا تقديم التنازلات، والمزيد من التنازلات؟!.
هل ستكون الوزارة وزارة التقاط أنفاس، ثمّ سقوط في العجز بسبب أمريكا وحليفتها، والعجز الرسمي العربي و.. بعد فترة، أشهر لا أكثر.. ينفجر الشعب الفلسطيني في ثورة عارمة بعد انكشاف الوعود الخلّب: ضد الجدار، واستمرار الاستيطان ونهب الأرض، وبقاء البنات والأبناء في الأسر، وسياسة الحصار والخنق الاقتصادي...
و.. عندئذ هل سنري الوزراء، أو بعضهم، وبخّاصة الوزراء الذين لا يستقبلون في باريس وأوسلو وكوبنهاغن وبرلين وروما .. الوزراء الذين من مخيمات وقري غزّة والضفّة، وغضب وقهر ووجع نابلس وجنين وطولكرم، يخلعون البدلات وربطات العنق الاضطراريّة و.. يعودون أكثر شراسة مما سبق، فينزلون إلي الشوارع مع شعبهم المجرّب الذي لا يمكن ارتهانه ببعض المساعدات بينما أرضه تنهب، وزيتونه يقلع، وشبابه يغتالون، وقدسه يبقر بطنها وتحوّل إلي حفرة انهداميّة لبلع تراثها وتاريخها وزرع كائن هجين بدلاً عنها؟.
الوزارة ! الوزارتان.. بوزراء محليين و.. انترناشيونال مقبولين ـ تفرقة أوربيّة أمريكيّة لئيمة استدراجيّة تفرّق بين وزير ووزير ـ هل ستنجح في تحقيق هدف الدولة بعد الأمن الداخلي و.. رواتب الموظفين؟ وكم تحتاج لزمن، و.. ما نوع المعارك التي تنتظرها، وهل ستخوضها بكامل عدد وزرائها الطيّارين و.. المشاة الأرضيين المحليين.. معاً، وفي كّل شوارع الضفّة والقطاع؟! لننتظر ونري ي ي ي.. .