أحدث الأخبار
الأحد 05 أيار/مايو 2024
نعم: القدس في خطر ...

بقلم : رشاد أبوشاور ... 7.3.07

انسربت إلي داخل قاعة الاجتماعات في مقّر المجلس الوطني الفلسطيني الواقع في منطقة (دير غبار) في العاصمة الأردنيّة عمّان، علي رؤوس أصابعي، محاذراً إصدار جلبة، والاصطدام بأحد، فالقاعة معتمة، وثمّة عرض بدأ للتو لفيلم توثيقي عن (القدس) وما يجري لها، وصوت عميق حزين غاضب وأحياناً ساخر يشرح ما يتوالي من صور، ويعلّق علي المشاهد، ويوضّح كل جزء يظهر في الصور.
خليل تفكجي الفلسطيني المقدسي مدير قسم الخرائط في مركز الدراسات العربيّة في القدس، قدم من القدس ليحاضر في أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، منبّهاً إلي خطورة الحفريات تحت الأقصي وقبّة الصخرة، والهجمة الاستيطانيّة المتسارعة للاستحواذ علي قلب القدس، والتخلّص من العرب الفلسطينيين، وفقاً لخطّة يتعارف عليها بالعشرين عشرين، يعني 2020، والتي ترمي إلي جعل القدس في ذلك التاريخ مدينةً (إسرائيليّة) تماما، والأقليّة القليلة عرباً فلسطينيين مسلمين ومسيحيين.
خليل تفكجي لا يتحدّث بالعواطف، لا يقول كلاماً خطابيّاً، هو يقدّم وثائق بالخرائط، وبتصوير المواقع وما يحدث فيها، وهو يقدّم مقترحات عمليّة فعّالة في حال أنجزت.
من يطالب المقدسيين بالصمود عليه أن يمدّهم بما يكفل تكلّل هذا الصمود والصبر والتحمّل بالفوز، الذي هو إنقاذ القدس من براثن المخططات الصهيونيّة.
ما يجري تحت القدس ربّما يكون أكثر خطورة مّما يجري فوق أرضها، وحولها، فثمّة قدس تنشأ تحت المدينة، بأنفاق، وممّرات، ومعابر تصل بين نفق ونفق، وعلي عمق أزيد من 12 متراً.
بالخرائط شرح خليل التفكجي وضع الكتل الاستيطانيّة التي تنتشر في داخل القدس، وتتوسّع، وكيف التهمت وتلتهم المساحات التي كانت حارات عربيّة كاملة قبل الـ67 مثل حارة المغاربة، وحارة الأرمن...
بين خارطة وخارطة كان خليل التفكجي يتوقّف مردّداً العبارة المنذرة: نحن في سباق محموم مع الزمن، إنهم ماضون وبسرعة لوضع اليّد علي المدينة المقدسّة، وهم يريد الكسب علي كّل الصعد، فهذه المدينة (بترول) لا ينضب، بما سيتدفّق عليها من سياحة وأموال..في المستقبل!
وبما يثير القشعريرة في الروح يقول التفكجي المقدسي المتابع لتفاصيل التفاصيل بعقليّة علميّة:لا تتفاجأوا يوما لو استيقظتم صباحاً علي إعلان علي شاشة (الجزيرة) يقول: تمّ بناء الهيكل، ومع الخبر يظهر الهيكل علي الشاشة !
تحت الأرض يحفرون ليل نهار، وفوق الأرض يزحف الاستيطان خانقاً عرب القدس، ناهباً المساحات، مشردا مزيداً من المقدسيين وتحويلهم غرباء في مدينتهم.
للصمود عوامل، ونحن لو مضينا بخطّتنا 2015 في مواجهة خطّتهم 2020 وكما نقترحها فسيمكننا أن نوقف زحفهم، وأن نفشلهم.
ثمّة خطّة من بنود طرحها التفكجي، منها ترميم البيوت في القدس، دعم المدارس، بناء ألوف الوحدات السكنيّة حول المدينة علي أرض متوفّرة وجاهزة للبناء، وليشرف علي المشاريع من يتبرّع بالتكلفة لطمأنته علي ماله.
تمكّن الفريق مع التفكجي من الدخول بالكاميرا والتصوير في أحد الأنفاق في العمق، وارتنا عين الكاميرا بعض ما يحدث وهو ما لا يمكن وصفه سوي بأنهم يأكلون لبّ المدينة المقدسّة العريقة.
يريدون أن يتحوّل الوجود الفلسطيني الإسلامي المسيحي إلي قشرة هشّة يمكن أن تتهاوي في لحظة معّد لها، بعامل طبيعي وارد، أو بفعل مدبّر.
القدس هي المعركة، ونحن في سباق مع الزمن، فإمّا أن نوقفهم أو نخسر معركة القدس ومعركة (الدولة)، ومن يأخذ القدس يستحوذ علي قلب العالم، كما ردد خليل التفكجي!
القدس في خطر لأن الصهاينة يحفرون تحت أساسات المسجد الأقصي تماماً، ولأنهم يحفرون قبرنا في واقع الحال، فهم يريدوننا غرباء علي أرضنا، سقّائي ماء في القدس!
أضيئت القاعة، وتوّقف خليل التفكجي عن الكلام، وحتي لا يسود اليأس، وقد أدرك حالة الحزن التي ملأت النفوس، قال مخاطباً الحضور: لا داعي لليأس إن نحن عملنا بجّد.
منذ بدأت الغزوة الصهيونيّة لبلادنا فلسطين والقدس في خطر، فهم وضعوا عينهم عليها منذ البداية وفي كّل تصريحاتهم المعلنة غير الخافية، رددوا بأن القدس (أورشليم) هي روح الدولة، وأنه لا دولة بدون القدس!
يوم الاثنين 5 آذاروضع خليل التفكجي الحقائق أمام أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المتواجدين في عمّان، وبحضور الصحافيين، ومراسلي وكالات الأنباء والفضائيات.
والآن أسأل: ما دور (القيادة) الفلسطينيّة في إنقاذ القدس؟!
أحد أبرز أعضاء هذه القيادة، (بطل) أوسلو أبوعلاء قريع طلع علينا بمقالة أرادها مثيرة بعنوانها (مرّةً أخري..القدس في خطر)، والمنشورة في القدس العربي يوم الثلاثاء 27 شباط.
ما هذا؟ الرجل يأخذ دورنا نحن الكتّاب والصحافيين، وكأنه ليس (قائداً) يفترض فيه أن يدّلنا علي طريق الخلاص، لا أن يصف ما يحدث للقدس، هو الذي وافق علي إرجاء قضيّة القدس إلي مفاوضات الوضع النهائي!..أتري نهاية الوضع يا صاح؟!
تطالب بالتحركات الجماهيريّة بعد أن أتلفتم حياة شعبنا وأضعتم الأرض، ومنحتم الاحتلال الوقت المريح له لبناء الجدار، ونهب الأرض، والتحكم تماماً بالاقتصاد الفلسطيني يا رجل الاقتصاد ! وزّج المزيد من أهلنا في السجون، وفتح وإغلاق العابر وقت يشاء...
أيام زمان كان أبوعلاء يحّب الفكاهة وسماع النكات واستملاحها، والضحك ملء شدقيه حتي يهتّز (بنصه) ـ كرشه الصغير آنذاك ـ ولا ادري إن بقي علي عهدي به، ولكن يبدو أنه ما زال يميل للدعابة، فروح المرح لا تفارقه، وإلاّ ما هذه المقالة التي يخبرنا فيها بأن القدس في خطر!
بشرفك !..أهي في خطر حقا، ومنذ متي بالضبط، وماذا فعلتم كقيادة لإنقاذها من الخطر المحدق بها؟
أين البوس مع قادة الكيان الصهيوني، وأين العلاقات الأسريّة الحميمة، وتبادل الهدايا، وجلسات الفرفشة بينكم و(بينهم) كأصدقاء حميمين ؟. يبدو أنكم اندمجتم في الوّد معهم، بينما هم عندهم للضحك وقت، وللاستيلاء علي القدس وقت !..هم لا يخلطون المزاح بالجّد، بينما أنتم تسابقتم علي الدخول في قلوبهم ورضاهم والـVIP و..البزنسة معهم، و..أشياء أخري نعرفها...
يعيب أبوعلاء في مقالته علي القيادات الفلسطينية حاليا إضاعتها الوقت في التفاوض علي المحاصصة، وعدد الوزراء و..ألست من هذه القيادة يا صاح؟!
نعم، المعركة محتدمة حاليّاً حول إن كان زياد أبو عمرو قريباً من حماس أم من فتح؟..وماذا عن وزير الداخليّة؟
المهّم حاليّاً الوزارة والوزراء، عددهم ودرجة ولائهم، ولتتدبّر نابلس المنكوبة دفن شهدائها، ولتتواصل عمليات الحفر وإنشاء مدينة أورشليم تحت الأقصي والقيامة والصخرة...
هكذا تمضي الأمور: شعب معطّل القدرة عن المقاومة المنظمّة الكفيلة بمواجهة خطط الاحتلال، يقوده عجزة متبلدون، كّل همهم التسابق علي إطلاق التصريحات للفضائيات، وأكثرها سماجة وقلّة حياء: قبل نهاية هذا الأسبوع قد نعلن تشكيل الحكومة!
هذه الحكومة!..قد لا تشكّل قبل نهاية مخططات إسرائيل في تهويد القدس فوق الأرض وتحت الأرض، وإن تشكلّت قريباً فلن تكون حكومة مقاومة...