عشرون عاماً ضد الإعدام: حقائق حول عقوبة الاعدام في فلسطين وموقف المركز منها!!
بقلم : راجي الصوراني * ... 12.10.2016 المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان :"في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، نؤكد أن نضالنا على كافة الأصعدة لإلغاء هذه العقوبة سيستمر.. نؤمن كالجميع أن فلسفة العقوبة هي الإصلاح والردع، والإعدام لا يحقق الأولى، وليس له فضلاً خاصاً في تحقيق الثانية، وهذا ما أثبتته الدراسات والواقع في الدول الأكثر استخداماً لها.. العدالة هدفها تحقيق الأمن والسكينة وليس الانتقام"
مقدمة
تشكل عقوبة الإعدام أحد القضايا الجدلية في المجتمع الفلسطيني بما تمثله من ابعاد اجتماعية ودينية وأمنية في المجتمعات العربية بشكل عام وفي المجتمع الفلسطيني بشكل خاص. وكان للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان موقفاً واضحاً من اليوم الأول لإنشائه ضد عقوبة الإعدام، على الرغم من إدراكه أن موقفه لا يتماشى مع المزاج للشريحة الأكبر من المجتمع، والتي ربما تأثرت بكثير من المغالطات حول الطبيعة الدينية على هذه العقوبة أو ما يشاع حول ما تمثله من ردع حاسم ضد الجريمة لم يثبته الواقع ولا البحث العلمي. وقد عمل المركز خلال أكثر من عشرين عاماً مضت ضد هذه العقوبة، وتطوير الجدل الاجتماعي ضدها، ورصد جزءاً مهماً من جهوده في سبيل الوصول إلى وقف العمل بها، تمهيداً لإلغائها. ويستند المركز في موقفه إلى مبررات قانونية ومنطقية وأخلاقية، تم تناولها وتوضيحها في هذه الورقة.
وقد شكل انقسام السلطة الفلسطينية في العام 2007 نكسة للجهود الرامية إلى إلغاء عقوبة الاعدام. وكان المركز قد بذل جهوداً حثيثة، للحشد باتجاه تبني قانون عقوبات خال من هذه العقوبة. وقد قطع شوطاً طويلاً على هذا الصعيد، من خلال ما قام به من لقاءات مع صناع قرار، ومراسلات، وحملات توعية، ونقاشات نخبوية وجماهيرية، حتى جاء مشروع قانون العقوبات الفلسطيني خاليا من هذه العقوبة. ولكن، جاء الانقسام ليعطل كل الجهود، بل تسبب في زيادة وتيرة استخدام هذه العقوبة والتي سجلت ارتفاعاً ملحوظاً، بعد الانقسام الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة.
تنظم عقوبة الإعدام في السلطة الفلسطينية ثلاثة قوانين للعقوبات، أحدها قانون عسكري، صدر عن منظمة التحرير، والآخران قانونان مدنيان أحدهما مطبق في الضفة الغربية والآخر في قطاع غزة. ويعيب هذه القوانين اسرافها في تقرير عقوبة الإعدام على الكثير من الجرائم، بعضها جرائم سياسية، مثل جريمة "التآمر على قلب نظام الحكم". وتعتبر المحاكم العسكرية هي الأكثر استخداماً لهذه العقوبة، وتمارس ولايتها حتى على المدنيين في بعض الجرائم، وخاصة في جرائم التخابر مع الاحتلال الاسرائيلي، ويمثل عرض المدنيين على محاكم عسكرية مخالفة جسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الاساسي الفلسطيني الذي أكد على حق كل مواطن في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي.
وقد داوم المركز على تأكيد انحيازه لضحايا الجرائم التي ترتب عقوبة الإعدام، وكذلك تأكيده على أن موقفه لا يعني التساهل مع المجرمين أو التخلي على متطلبات الأمان. ولكن هذا الانحياز وتلك المفاهيم لا يمكن أن تخل بما يحمله المركز من رسالة عدل وحق، تستوجب عليه الوقوف عند استحقاقات العدالة. والعدالة تتطلب أن يكون اسناد الجريمة لفاعلها لا يقبل أي شك منطقي، وإن أي لشك يجب أن يفسر في صالح المتهم، كما تتطلب أن تتناسب العقوبة مع الجريمة، والا تكون حاطة بالكرامة أو مبالغ في قسوتها، باعتبار أن العقوبة للإصلاح لا للانتقام. وهذا الفهم لمنظومة العدالة تدعمه الدراسات والأبحاث، والتي يستند إليها المركز في موقفه وخاصة فيما يتعلق بعلاقة عقوبة الاعدام بتحقيق الأمن.
يؤكد المركز أن رؤيته حول عقوبة الإعدام تستند إلى مبررات قانونية وموضوعية وأخلاقية ولا تتعارض بأي حال مع مقاصد الشريعة الاسلامية التي أجلت الحياة والكرامة الإنسانية وجعلتها محور التشريع ومنتهاه. ويرى المركز أن الإصرار على تطبيق هذه العقوبة التي لا يمكن الرجوع عنها او تصحيح الخطأ فيها على الرغم من عدم توافر متطلبات وشروط وإمكانيات الحكم بها، قد يضع حياة أبرياء على المحك، ويهدد الأمن والسكينة، وهما هدف ومنتهى منظومة العدالة. ولهذا يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، الموافق 10 أكتوبر، إنه سيستمر في العمل لإلغاء هذه العقوبة اللاإنسانية، وهو يضع نصب عينيه المصلحة العامة واعتبارات العدالة، التي تأبى أن يقتل بريء على منصتها.
تعرض هذه الورقة وبشكل مقتضب حقائق حول عقوبة الإعدام في فلسطين وموقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان منها في ثمانية محاور، وتختتم بتوصيات لصناع القرار، والمحاور مرتبة كما يلي:
1. استخدام عقوبة الاعدام أمام المحاكم الفلسطينية.
2. تنفيذ أحكام الإعدام في فلسطين.
3. القوانين التي تنظم عقوبة الإعدام في فلسطين.
4. عدد الجرائم التي تستحق عقوبة الإعدام وفق القانون الفلسطيني.
5. الالتزامات الدولية على السلطة فيما يتعلق بعقوبة الإعدام.
6. شروط تطبيق عقوبة الإعدام وفق التشريعات الفلسطينية.
7. مدى توافق التشريعات الفلسطينية المتعلقة بعقوبة الإعدام مع المعايير الدولية.
8. موقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
أولا: استخدام عقوبة الاعدام أمام المحاكم الفلسطينية:
تعرف عقوبة الاعدام بأنها إزهاق الروح البشرية بحكم صادر عن محكمة مختصة وفق الاصول القانونية. وتتضمن قوانين العقوبات الفلسطينية عقوبة الاعدام، ويصدر من 10 إلى 15 حكماً سنوياً، في المحاكم الفلسطينية جلها في قطاع غزة، على جرائم تخابر مع الاحتلال. فيما يلي بعض الحقائق الرقمية عن استخدام عقوبة الاعدام أمام المحاكم الفلسطينية:
1. معلومات عن أحكام الاعدام الصادرة في 2016:
- أحكام الإعدام الصادرة في العام 2016 وحده، حتى الأن، هي: (16) حكماً جميعها في قطاع غزة، منها (4)احكام من محكمة عليا، تأييداً لأحكام سابق.
- صدر هذا العام وحتى الآن (12) حكما عن محاكم عسكرية.
- صدر هذا العام وحتى الآن (4) أحكام عن محكمة مدنية.
2. معلومات عن أحكام الاعدام الصادرة منذ قيام السلطة الفلسطينية في العام 1994 وحتى الأن:
- عدد أحكام الإعدام الصادرة من المحاكم المختلفة (مدنية وعسكرية): (180) حكماً.
- عدد الاحكام الصادرة في قطاع غزة : (150) حكماً.
- عدد الاحكام الصادرة في الضفة الغربية: (30) حكماً.
- عدد الاحكام الصادرة في قطاع غزة بعد الانقسام الفلسطيني في العام 2007 : (91) حكماً.
- عدد الاحكام الصادرة من محاكم عسكرية منذ الانقسام الفلسطيني في غزة: (67) حكماً.
ثانيا: تنفيذ أحكام الإعدام في فلسطين:
عدد أحكام الاعدام التي نفذت حتى الآن في السلطة الفلسطينية (35) حكماً، وما زال (87) مداناً ينتظرون تنفيذ عقوبة الاعدام في السجون الفلسطينية. فيما يلي بعض الحقائق عن تنفيذ عقوبة الاعدام في السلطة الفلسطينية:
1. قطاع غزة:
- نفذت أغلب أحكام الاعدام في قطاع غزة بعد الانقسام الفلسطيني، وجميعها بدون مصادقة الرئيس، حيث كان مجلس وزراء حكومة غزة السابقة، يصادق على الاحكام، في مخالفة واضحة للقانون، سيما القانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2003. وهناك (3) أحكام نفذت بعد تشكيل حكومة التوافق في العام 2014.
- عدد الاحكام التي نفذت بمصادقة الرئيس: (11) حكماً.
- عدد الاحكام التي نفذت دون مصادقة الرئيس خلافا للقانون، سيما المادة (109) من القانون الأساسي، وجميعها في قطاع غزة: (22) حكماً، منها (3 ) أحكام نفذت بعد تشكيل حكومة التوافق.
2. الضفة الغربية:
لم تنفذ أحكام اعدام في الضفة الغربية منذ العام 2002 ولم يصادق الرئيس على تنفيذ أي حكم بالإعدام منذ العام 2005 ، وقد نفذ في الضفة الغربية (2) حكماً منذ قيام السلطة الفلسطينية.
ثالثا: القوانين التي تنظم عقوبة الاعدام في فلسطين:
تنظم عقوبة الإعدام في السلطة الفلسطينية (6) قوانين، ثلاثة من هذه القوانين هي قوانين عقوبات، وهي القوانين المسؤولة عن تحديد الافعال المجرمة والعقوبات عليها. أما الثلاث قوانين الأخرى فهي قوانين إجرائية، تضمنت بعض النصوص الخاصة تنطبق في حال الحكم أو تنفيذ عقوبة إعدام. بعض هذه القوانين مطبق في قطاع غزة فقط، وبعضها مطبق في الضفة الغربية فقط، وهناك قوانين مطبقة في كليهما. فيما يلي اسماء هذه القوانين ونطاق تطبيقها:
- قانون العقوبات رقم 74 الصادر عن سلطات الانتداب البريطاني لسنة 1936. (مطبق في قطاع غزة)
- قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960. (مطبق في الضفة الغربية)
- قانون العقوبات الثوري لسنة 1979. ( قانون صادر عن منظمة التحرير الفلسطينية ومطبق في الضفة الغربية وقطاع غزة)
- قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2001. ( مطبق في الضفة الغربية وقطاع غزة)
- قانون أصول المحاكمات الثوري لسنة 1979. ( مطبق في الضفة الغربية وقطاع غزة)
- قانون القضاء العسكري لسنة 2008. (مطبق في قطاع غزة)
رابعاً: عدد الجرائم التي تستحق عقوبة الإعدام وفق القانون الفلسطيني:
حددت قوانين العقوبات الفلسطينية الجرائم التي تستحق عقوبة الإعدام، وهي تتضمن العديد من الجرائم أغلبها جرائم سياسية. فيما يلي توضيح لعدد الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام في القانون الفلسطيني:
- القانون المدني (قانون العقوبات 1936 المطبق في غزة، وقانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 المطبق في الضفة الغربية) هناك (15) جريمة تستحق عقوبة الإعدام.
- القانون العسكري (قانون العقوبات الثوري لسنة 1979)، هناك (45) جريمة تستحق عقوبة الاعدام.
خامساً: الالتزامات الدولية على السلطة فيما يتعلق بعقوبة الاعدام:
انضمت دولة فلسطين إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، في العام 2014، دون أي تحفظات، وبذلك اصبحت ملتزمة بكافة نصوص العهد ومن ضمنها المادة (6) والتي وضعت ضمانات والتزامات على الدول لتطبيق هذه العقوبة إلى حين إلغائها، حيث نصت على:
"... 2- لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة.... 4- لأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص أو إبدال العقوبة. ويجوز منح العفو العام أو العفو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات. 5- لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفيذ هذه العقوبة بالحوامل. 6- ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء عقوبة الإعدام من قبل أية دولة طرف في هذا العهد."
لم تنضم دولة فلسطين للآن للبروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1989 والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، رغم مطالبات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الحثيثة بهذا الاتجاه.
سادساً: شروط تطبيق عقوبة الإعدام وفق التشريعات الفلسطينية:
نصت القوانين الفلسطينية على عدد من الضمانات الاجرائية والموضوعية للحكم بعقوبة الاعدام وتنفيذها. وتعتبر هذه الضمانات جيدة، وتلبي الشروط التي تطلبتها المعايير الدولية التي ترتب اشتراطات على الدول التي ما زالت لم تلغي هذه العقوبة. ويعيب هذه الضمانات، غياب سيادة القانون في السياق الفلسطيني، وسوء قانون العقوبات نفسه.
- أن يكون الحكم صادر عن هيئة المحكمة المختصة بالإجماع.
- أن تكون الجريمة المدان بها المحكوم إحدى الجرائم التي أوجب قانون العقوبات المطبق في مناطق السلطة الفلسطينية إنزال عقوبة الإعدام فيها.
- أن يكون الحكم مبني على اليقين وليس الشك.
- أن يكون الحكم قد صدر بعد إعطاء المتهم كافة ضمانات حق الدفاع كما نص عليها القانون.
- أن يكون الحكم بات (استنفذ جميع طرق الطعن).
- أن يصادق رئيس السلطة على تنفيذ الحكم.
- أن لا يكون مرتكب الجريمة امرأة حامل ( إذا تبين أن المحكوم عليها امرأة حامل تحول العقوبة إلى أشغال شاقة مؤبدة وفق قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2001 ).
- أن يكون المدان قد أتم 18 عاماً عند ارتكابه الفعل الإجرامي.
- أن لا يكون مرتكب الجريمة مختلاً عقلياً.
- أن لا يتم تنفيذ العقوبة في أيام الأعياد الرسمية.
- أن يُسمح للمحكوم عليه برؤية أقاربه ورجل الدين الخاص بديانته.
- ألا يكون قد صدر عفواً عام (من قبل المجلس التشريعي) أو خاصاً (من قبل رئيس السلطة الفلسطينية) شمل المدان بالجريمة.
سابعاً: مدى توافق التشريعات الفلسطينية المتعلقة بعقوبة الإعدام مع المعايير الدولية
جاءت التشريعات التي نظمت عقوبة الإعدام السلطة الفلسطينية مخالفه لمعايير حقوق الإنسان وسيادة القانون في التالي:
- قانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936 المطبق في قطاع غزة أقر عقوبة الإعدام لعدد كبير من الجرائم، تصل لـ15 جريمة، أغلبها جرائم سياسية، و جاءت نصوص التجريم فيه فضفاضة لتسمح بتصفية أي عمل ضد سياسات الانتداب في فلسطين، كما أن بعض الجرائم التي أقر لها عقوبة الإعدام لا تدخل تحت معيار أشد الجرائم خطورة، وبالتالي فنصوص هذا القانون تمثل خرقاً واضحاً للمعايير الدولية.
- جاء قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 المطبق في الضفة الغربية مخالفاً للمعايير الدولية، حيث أقر عقوبة الإعدام لـ15 جريمة، أغلبها جرائم سياسية ترتبط بالأمن القومي والتحريض. وقد جاءت عبارات القانون فضفاضة، مما قد يؤدي إلى استخدامها لتصفية الخصوم السياسيين.
- أقر قانون العقوبات الثوري لسنة 1979 عقوبة الإعدام لـ45 جريمة، جلها جرائم سياسية. كما لم يفرق القانون بين حالتي السلم والحرب خاصة في الجرائم التي تتعلق بالخيانة. هذا بالإضافة إلى أن بعض الجرائم المعاقب عليها بالإعدام لا تصنف كأشد الجرائم خطورة، مثل جريمة "الإساءة للثورة والتحريض عليها".
- نظم قانون القضاء العسكري الفلسطيني للعام 2008 أحكاماً تتعلق بتنفيذ عقوبة الإعدام في المواد (91، 96، 102، 104)، وبالتالي جاء مكرساً لعقوبة الإعدام بهذا التنظيم. ومن الجدير بالذكر أن هذا القانون صادر عن كتلة التغيير والإصلاح، والتي تعقد جلساتها باسم المجلس التشريع في قطاع غزة.
ثامناً: موقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:
للمركز موقفاً مبدئياً من عقوبة الإعدام، وهو موقف إنساني بالدرجة الأولى، إلا إن هذا الموقف ليس وحده هو السبب وراء عمل المركز الدؤوب، بل إن موقفه يستند إلى اعتبارات العدالة التي يشترطها القانون نفسه. كما ذكرنا سابقا، هناك العديد من الضمانات الدستورية والقانونية لتنفيذ عقوبة الاعدام تضمنتها القوانين الفلسطينية. والسلطة الفلسطينية، وخاصة في قطاع غزة، لا تستطيع الالتزام بهذه الضمانات، وهو ما يخالف التزامات السلطة الفلسطينية بموجب المادة (6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. فيما يلي توضيح لموقف المركز بشكل عام من عقوبة الإعدام واسانيد ضرورة وقف عقوبة الإعدام في السلطة الفلسطينية.
1. موقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من عقوبة الإعدام بشكل عام:
يستند المركز في موقفة ضد عقوبة الإعدام إلى مبررات إنسانية وأخلاقية، كما ويرى أن موقفه لا يتعارض مع روح الإسلام وتعاليمه، والتي هدفت في جلها إلى الحفاظ على النفس البشرية. فيما يلي اسانيد موقف المركز:
- عقوبة الإعدام غير إنسانية وهي عبارة عن قتل لا يمكن تبريره باسم العدالة.
- يرى المركز أن عقوبة الإعدام ضرب من ضروب التعذيب المهين للكرامة البشرية، ولهذا يجب التوقف عن استخدامها.
- عقوبة الإعدام لا يمكن التراجع عنها، وبالتالي إذا تبين براءة المحكوم في وقت لاحق، فمن المحال جبر الضرر. ويكشف التاريخ القضائي حول العالم عن كثير من القضايا التي تبين فيها براءة بعض المدانين بعد أن تم تنفيذ عقوبة الإعدام بحقهم.
- عقوبة الإعدام لم تثبت قدرة خاصة على الردع، بل أثبتت الدراسات المتعلقة بتطبيق عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الولايات التي تستخدم عقوبة الإعدام لم يقل فيها معدل الجريمة عن الولايات الأخرى التي لا تستخدم عقوبة الإعدام.
- سيادة القانون والقدرة على إنفاذه هي الرادع الحقيقي للجريمة وليس عقوبة الإعدام.
- عقوبة الإعدام تحط بالكرامة البشرية، والتي وجدت منظومة الحقوق لحمايتها، حيث أنها تعتبر أخطر أنواع المعاملة القاسية واللاإنسانية.
- هناك أكثر من 141 دولة قد ألغت عقوبة الإعدام بشكل قانوني أو فعلي، وبالتالي فالعالم متجه نحو إلغاء هذه العقوبة اللاإنسانية.
2. موقف المركز من عقوبة الاعدام في مناطق السلطة الفلسطينية بشكل خاص:
يعارض المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان استخدام عقوبة الإعدام في مناطق السلطة الفلسطينية لعدم توافر الضمانات الكافية لتطبيق هذه العقوبة الخطيرة التي لا يمكن الرجوع عنها ولا تصحيح الخطأ فيها. فيما يلي أبرز اسانيد موقف المركز الفلسطيني:
- عدم توفر الإمكانيات والكفاءات اللازمة في السلطة الفلسطينية لإجراء تحقيق دقيق في الجرائم، فعدم وجود هيئة طب شرعي مستقلة وغياب معمل جنائي لفحص الأدلة يعدم إمكانية الخروج بنتائج تحقيق دقيقة، وهو أمر لا غنى عنه للوصول إلى إدانة مبنية على اليقين، ففلسفة العدالة الجنائية تستلزم بناء الإدانة على اليقين وليس الشك. ومن الجدير بالذكر أن الاعتراف أو التلبس وحدهما لا يكفيان لوجود إدانة مبنية على اليقين. والتاريخ القضائي حول العالم يؤكد أن كثيراً ممن اعترفوا على أنفسهم بارتكاب جرائم أو ضبطوا في حالة تلبس تبين بعدها براءتهم.
- إن الآثار الخطيرة التي رتبها الانقسام الفلسطيني على القضاء، خاصة فيما يتعلق بوحدة الجهاز القضائي ودستورية تشكيله، تفرض وقف العمل بعقوبة لا يمكن الرجوع عنها كعقوبة الإعدام.
- التخوف من استخدام هذه العقوبة بدوافع سياسية، خاصة في ظل الانقسام السياسي الفلسطيني، مما قد يؤدي إلى غياب السكينة والأمان في المجتمع، واللذان يعتبران الهدفين الأساسيين من وجود العدالة القضائية.
- إلغاء عقوبة الإعدام في فلسطين لا يتعارض مع معتقدات الشعب الفلسطيني، حيث يتفق إلغاؤها مع روح الشريعة الإسلامية، والتي ضيقت بشكل كبير من نطاق تطبيق هذه العقوبة، وأجازت وقف تنفيذ الحدود في الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية الصعبة. فقد أكدت الشريعة على عدم جواز استخدام الحدود في حالة الشك والعمل على تجنب تطبيقها قدر المستطاع، فقد قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود بالشبهات". كما قال عليه الصلاة والسلام : " ادرءوا الحدود ما استطعتم". ونظراً لوجود الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وما خلفه من وضع اقتصادي واجتماعي وثقافي سيئ، وما رتبه ذلك من تأثيرات نفسية واجتماعية سلبية على المواطن الفلسطيني، هذا بالإضافة إلى حالة الانقسام الفلسطينية وتأثيرها السلبي على عمل القضاء، يصبح مع هذه الظروف وقف العمل بعقوبة الإعدام هو أمر جائزاً شرعاً، بل واجب.
- التشريعات المطبقة في مناطق السلطة الفلسطينية لا تصلح أن تكون مرجعاً عقابياً في فلسطين، خاصة عندما نتحدث عن عقوبة بخطورة عقوبة الإعدام، فالقوانين المطبقة في مناطق السلطة الفلسطينية والتي تقر عقوبة الإعدام أحدها من عهد الانتداب البريطاني، وهو قانون العقوبات 74 لسنة 1936 المطبق في غزة، والذي يعتبر قانون غير أخلاقي وضع حينها لردع أي محاولة للمطالبة بالحقوق الفلسطينية، وهذا انعكس على مواد القانون التي جاءت لتجرم أي أفعال يمس نظام الحكم. أما قانون العقوبات الثوري لسنة 1974 فهو قانون غير دستوري، لصدروه عن جهة غير مخولة بالتشريع في السلطة الفلسطينية، كما أنه يخالف في كثير من أحكامه أبسط قواعد العدالة. وكذلك قانون العقوبات 1960 المطبق في الضفة الغربية، والذي جاءت أغلب نصوص الإعدام فيه لردع تحركات المعارضة السياسية.
-تاسعاً: توصيات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:
1. يطالب الرئيس الفلسطيني بالتوقيع على البروتوكول الثاني لسنة 1989 الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والخاص بإلغاء عقوبة الإعدام، وإصدار قرار رئاسي بوقف العمل بها إلى حين إلغائها عن طريق المجلس التشريعي حين التئامه.
2. يدعو المجلس التشريعي - حال التئامه- إلى إعادة النظر في التشريعات والقوانين الفلسطينية الخاصة بهذه العقوبة، وبخاصة قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936، المعمول به في قطاع غزة، وقانون العقوبات الأردني رقم (16) لسنة 1960، المعمول به في الضفة الغربية، والعمل على سن قانون عقوبات موحد ينسجم مع روح الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بما في ذلك تلك الخاصة بإلغاء عقوبة الإعدام.
3. يشدد على موقف الرئيس الفلسطيني بعدم التصديق على أي حكم للإعدام، ويؤكد على إن التصديق على احكام الاعدام صلاحية حصرية له، وفقاً للدستور والقوانين ذات العلاقة، ولا يجوز تنفيذ أي حكم إعدام دون تلك المصادقة. * محامي وناشط حقوقي فلسطيني
www.deyaralnagab.com
|