هكذا يرانا الفرنسيون في «مكتب أساطير» المخابرات والشرقيات محظيات وموضوعات للمتعة!!
بقلم : ندى حطيط ... 07.10.2016 ليست الدراما مساحة لتحقيق أحلام العشاق والمغامرين فحسب، بل يبدو جليا تحولها على أيدي الفرنسيين إلى مساحة حلم للدولة الفرنسية نفسها، تحقق فيها طموحاتها العاجزة عن بلوغها بلغة الواقع، لا سيما بعد أن خبا نجم النفوذ الفرنسي واضمحل مع تحول جمهورية ديغول المشاغبة إلى تابع صغير لهيمنة الولايات المتحدة، وشريك نصف نائم للنفوذ الألماني المتصاعد عبر أوروبا.
مناسبة هذا الحديث بث الموسم الثاني من حلقات الدراما السياسية – الجاسوسية الفرنسية «ذا بيرو دي ليجانديس»، أي مكتب الأساطير (ٲو المكتب وفق الترجمة الإنكليزية)، في العالم «الإنغلو ساكسوني» بعد عرضه في فرنسا.
المسلسل التلفزيوني، الذي أنتجته «كانيل بلوس» الفرنسية بتوقيع إريك روشان يتمحور حول الحياة السرية لمجموعة من عملاء المخابرات الفرنسية، حظي وما يزال باستقبال إيجابي بدا حاراً على نحو غير مسبوق، لا سيما في فرنسا ذاتها، إذ اعتبرته الصحف الفرنسية واحداً من أهم الأعمال الدراميّة الفرنسية عبر التاريخ، وقد حاز على جوائز تلفزيونية فرنسيّة ودوليّة عدة، إضافة إلى منح ماثيو كاسوفيتز (الممثل الذي يلعب الشخصية الرئيسة في المسلسل) جوائز بوصفه أفضل ممثل.
دراما فرنسيّة مشوّقة بنت يومها
يروي «مكتب الأساطير» تقلبات الأحداث في وحدة المخابرات الفرنسية الخاصة – قيل إنها جمعت من روايات حقيقية لمغامرات جواسيس فرنسيين سابقين – مع ربطها بأحداث معاصرة طالما أراد الفرنسيون أن يكونوا من لاعبيها الكبار، لا سيما: الأزمة السوريّة، والملف النووي الإيراني، وأيضاً العلاقة الشائكة في الجزائر.
وحسب المسلسل فإن وحدة خاصة في جهاز الإستخبارات الخارجيّة تتخصص في تدريب وزرع العملاء للقيام بمهمات طويلة المدى ضمن مساحة النفوذ الفرنسي التقليدي الموروثة من أيام الإمبريالية الغائبة.
يطلعنا المسلسل على ما ينبغي أنه تدريب قاس لهؤلاء العملاء تحضيراً لهم لمواجهة أسوأ الإحتمالات، ومن ثم كيف يتم خلق شخصيات منتحلة لهم، يعيشون فيها سنوات عدة قبل أن يشرعوا في ممارسة ثاني أقدم مهنة في التاريخ – التجسس وتجنيد العملاء في البلد المستهدف.
الموسم الأول يقدم ثلاث خطوط سرد متوازية عن كل من سوريا والجزائر وإيران مع غلبة للقضية السورّية، بينما يتمحور الموسم الثاني حول إيران، علما بأن العقود وقعت من أجل موسم ثالث لم يعرف بعد مجال تركيزه.
بطل العقدة الدراميّة في الموسم الأول عميل الإستخبارات الفرنسي غيليوم ديبايلي (يلعب دوره ماثيو كاسوفيتز) الذي يستدعى إلى باريس لمهمة أخرى بعد أن قضى ست سنوات في سوريا أثناء الأزمة العاصفة التي تتعرض لها البلاد.
يعاني غيليوم من مشاكل عويصة في إعادة التكيّف مع مطلقته وإبنته و زملائه وحتى مع ذاته، لكن ذلك كله سيكون بمثابة مهمة سهلة مقارنة بتطورات الأحداث بشأن علاقته مع ناديا المنصور (تلعب دورها الممثلة المغربيّة الأصل زينب التريكي)، عشيقته السوريّة المتزوجة، والتي يتبين بعد عودته إلى فرنسا أنها ضمن الفريق الرسمي للحكومة السورية الذي يتفاوض سرّاً مع المعارضة في باريس، لكن برعاية الإستخبارات الروسيّة. وبحسب المسلسل تتعلق المفاوضات بتقسيم محتمل لسوريا، يقودها عن الجانب السوري الرسمي ابن عم للرئيس (يلعب دوره الممثل السوري فارس الحلو).
يستمر خط السّرد السوري في الموسم الثاني من المسلسل، لكن المساحة الأكبر تكرّس لمتابعة العميلة مارينا لويسزو (تلعب دورها سارة جيرودو) التي تم زرعها بنجاح في الصناعات النووية الإيرانية بوصفها متخصصة في المسوح الزلزاليّة.
وقد صوّرت معظم المشاهد الخارجيّة للموسم في الدار البيضاء في المغرب مع إضافات تزيينية شكلية لتبدو وكأنها طهران.
وبالرغم من جل المحاولات المحمومة لإظهار العملاء الفرنسيين كأبطال، فإن «مكتب الأساطير» يعترف في النهاية بمحدودية القدرات الإستخباريّة الفرنسيّة، أقله مقارنة بالمخابرات الأمريكيّة والروسيّة، ولعل تلك الواقعيّة هي مفتاح سرّ نجاح المسلسل شعبياً: إذ لا يسقط الأبطال في فخ التضخيم والنرجسيّة لحدود الإنفجار، كما في دراما الجاسوسية الأمريكيّة، وهم لا يقومون بالخوارق كما في زميلتها الدراما البريطانية، لذا جاءت النتيجة على شاكلة عمل قابل للتصديق، إبن شرعي للواقع، شخصياته من نسيج حقائق محضة، تواجه تحديات إنسانيّة الطابع وتتكيف معها.
المشاهد العربيّة: عن اللغة والعري
من دون أدنى شك سيسقط الجمهور العربي في هوى (مكتب الأساطير)، إذ يلعب هذا العمل جاهدا على وتر أعمال الإستخبارات ونظريّة المؤامرة الواسعة الإنتشار في العالم العربي، كما أنه يطرح مسائل تعني هذا الجمهور على وجه الخصوص، سواء في مشرق الوطن العربي أو في مغربه.
يأتي هذا العمل ليشكل نوعا ما حضورا أكثر عمقا وشأنا للشخصيات العربية، التي أثقلت ذاكرتنا بسطحية استخدامها في السينما الأمريكيّة تمثيلا وصوتا وصورة ومعنى، فهم غالبا (مفعول به أو شاهد صامت على إنتصارات الرّجل الأبيض). المقاطع الممتدة والتي يفترض أنها تدور في دمشق أو الجزائر أو حتى بين عرب في باريس – جاءت بلغة عربيّة جدا مقبولة بالطبع مقارنة بما نصادفه متشظيا في أغلب الأعمال الهوليوودية وإن كانت لا تزال تعاني عموماً من آثار إستشراق عميق.
زينب التريكي (إبنة جنرال مغربي متقاعد معروف) قدمت للمسلسل خدمة لا يستهان بها، فهي على مستوى ما ممثلة عربيّة الملامح واللغة والروح، وفي الوقت ذاته فرنسيّة الثقافة والمنشأ، ومن هنا تسجل لها إجادة مشاهد الحميمية والعري القليلة التي تطلبها النص من دون الوقوع في مطبات الإبتذال والبصريات الشاذة المجانية الطرح.
كل نماذج النساء العربيات في المسلسل خضعن لأسوأ ما في الإستشراق الفرنسي، حيث هن غالبا محظيات وموضوعات للمتعة إلى جانب نموذج أمهات العملاء الخونة، النسوة العربيّات دوماً عشيقات فاتنات خائنات مهما كنّ – سكرتيرات أو أستاذات جامعة – وفي أي بلد، بينما تظهر المرأة الفرنسيّة – النقيض في نماذج مؤثرة، مستقلة، قادرة على فرض إيقاع العلاقة مع الرجل، ولا يمكن أن تكون مجرد ضحية سهلة لا سيما لكل عميل أجنبي.
مشاركة السوري فارس الحلو في هذا العمل العالمي تحسب له دون شك، مع الأخذ بعين الإعتبار أن شخصية رجل الأعمال السوري الذي هو – وفق المسلسل – من أقارب الرئيس، بدت كاريكاتيرية في بعض الأحيان، وعانت من التسطيح المخل الذي يقدم عليه فقط عقل إستشراقي محض، لكن ذلك لا يعيب أداء الحلو، بل وربما يضيء عليه أكثر.
مجرد أرقام
يلخص البطل الرئيس للمسلسل – شخصيّة غيليوم وبعد فشله في إقناع رئيسه بالتدخّل لإنقاذ عشيقته من أيدي سجانيها السوريين – الصّراع الذي يدور على ساحة الإستخبارات بأنه صراع دول كبرى قاس، لا يُعنى بالأفراد ولا يحفل بهم، وهو يتعامل معهم وكأنهم مجرد أرقام.
يظهر المسلسل أن دافع الجهاز للتدخل لإنقاذ عملائه مرتبط أساساً بتقييم المصلحة الفرنسيّة العليا، ولا مكان فيه أبداً للأشخاص: فكل ما يحظى به العملاء الذين أعدموا على يد السلطات هو تضامن الزملاء الرمزي لا أكثر (سكرتيرة الضابط الجزائري) ، بينما ترسل قوات فرنسيّة خاصة للإنقاذ إذا كان ذلك العميل هاماً في حساب لعبة المخابرات العالميّة (إنقاذ العميل الجزائري سايكلون).
إذن دراما تلفزيونيّة في نفس سينمائي وحبكة متقنة لمفردات الصورة وأبعادها ورموزها وعوالمها المتشعبة، وإبحار في عقل المخابرات الفرنسيّة بعد استعارة نظارات الرجل الأبيض الفرنسي في رؤيته المنحازة للجيران الجنوبيين ذوي البشرة السمراء. خذوا علما، هكذا يرانا الفرنسيون!! إعلامية لبنانية ..المصدر: القدس العربي
www.deyaralnagab.com
|