العراق : نساء يقتتن من أكوام القمامة بمكبات كربلاء !!
بقلم : إبراهيم صالح – مشتاق محمد عباس ... 08.06.2015 أسباب متعدّدة جعلت نسبة الفقر في العراق تبلغ مستويات غير مسبوقة، رغم الثروات النفطية الهائلة، ومن أهمّها استشراء الفساد في دوائر الدولة وشنّ السلطات لحرب طائفية شرسة وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من البلاد.. كلّ ذلك أدّى إلى ارتفاع نسب البطالة وتراجع مذهل لفرص العمل.. ولتحصيل لقمة العيش وجد عراقيون كثر أنفسهم مجبرين على العمل في ظروف مأساوية.. النساء اللائي ينبشن أكوام القمامة في كربلاء مثال صارخ على ذلك.
في مكبّ النفايات عند أطراف مدينة كربلاء، وسط العراق، لا تبالي النساء بشمس الصيف الحارقة، وإن تجاوزت الحرارة أربعين درجة.. تنبري أم محمد، المرأة الثلاثينية النحيلة، مواجهة أكوام القمامة، تنبشها بأصابع قد برز عظمها من أسفل الجلد بشكل لافت، تتناول بعض القطع من هنا وهناك، لتضعها في أكياس متسخة، بعضها للمعادن وأخرى للبلاستيك.. وعند سؤالها عمّا تفعل في هذا المكان، أجابت بهدوء من اعتاد المعاناة “أبحث عن رزقي ورزق أبنائي”.
وعلى غرار العشرات من نساء العراق وأطفاله، تقطع أم محمد مسافة 20 كيلومترا يوميا للوصول إلى مكبّ النفايات الرئيسي حيث الصحراء القاحلة، في جنوب كربلاء، لتقضي النهار بحثا عن المعادن، مثل الحديد والألمنيوم والنحاس، إضافة إلى البلاستيك والكارتون، وجمعها ووضعها في أكياس، ومن ثم نقلها إلى المدينة لبيعها في سوق الخردة.
تقول، وهي منهمكة في عملها الشاق، “أجني يوميا من هذا العمل بين 5 آلاف و15 ألف دينار (ما يعادل ما بين 4 و12 دولارا) في اليوم الواحد”.
وتتوقّف لحظات لتنظر بأسى إلى النسوة والأطفال المنتشرين حولها يبحثون بين النفايات، قبل أن تستطرد “لم أجد ما يسدّ رمق عائلتي سوى هذا العمل المضني، والذي لا يعطينا من المال بقدر ما يأخذ من صحتنا وأعمارنا، نحن وأطفالنا”، متحدّثة عن إصابة بعض النسوة والأطفال بأمراض جلدية، وظهور بعض البقع على أيديهم ووجوههم، جرّاء العمل في النفايات دون أيّ أدوات للوقاية الصحية.
قالت أمّ محمد، متأوّهة، إنّ السلطات العراقية “لا تدير بالا للفقراء”، مضيفة أن “المسؤولين في العراق يطلقون الوعود للمواطنين خلال الانتخابات وبعدها يختفون، بينما نحن نحترق تحت الشمس ولا نحصل إلا على جزء يسير لسدّ رمقنا من هذا العمل”.
يذكر أنّ العراق ثاني أكبر مصدر للبترول في منظمة أوبك، ويحصل منذ سنوات على ما يزيد عن 100 مليار دولار سنويا من بيع النفط، لكن رغم ذلك بقيت مشاريع مكافحة الفقر وتقديم الخدمات العامّة محدودة جدّا جرّاء أعمال العنف المستمرة والفساد المستشري على نطاق واسع في دوائر الدولة.
تلوح على شفتي أم محمد، ابتسامة أسى، لافتة إلى أن “المسؤولين بدلا من أن يزوروا مكبّ النفايات للاطلاع على الأسباب التي تدفع الناس إلى النبش، يقومون بإرسال الشرطة لمطاردتنا، بحجة أننا لا نملك ترخيصا للعمل”.
وفي الأجواء تنتشر رائحة كريهة تنبعث من أكوام النفايات التي تغطي مساحة واسعة من الصحراء القاحلة، بينما تواصل أم محمد والبقية بلا كلل النبش عن مصدر رزقهم.
ليلى المشهداني، رئيسة لجنة الهجرة والمهجرين في مجلس محافظة كربلاء، بعد اتصالنا بها للحديث عن أوضاع أم محمد ورفاقها وعن المشاريع الحكومية لانتشال هؤلاء من الفقر المدقع، سارعت بالقدوم إلى موقع المكب، وتعهدت بتشكيل لجنة ميدانية مختصة لتسجيل أسماء أم محمد ورفاقها، تمهيدا لإيجاد مصدر رزق آخر يكفل لهم حياة كريمة، حسب قولها.
كما تكفلت المشهداني بمعالجة عدد من الأطفال والنساء هناك، كانوا يشكون من أمراض جلدية.
ويوزع العراق رواتب على شرائح محددة من الفقراء وفق قانون الإعانة الاجتماعية، حيث يبدأ سلم الإعانة من 50 ألف دينار (40 دولارا تقريبا) للفرد الواحد، وصولا إلى 120 ألف دينار (نحو 100 دولار) للعائلة المكوّنة من ستة أفراد.
ورغم أن هذا المبلغ زهيد ولا يؤمن حاجة الأسرة العراقية، إلا أنّ معظم الذين التقيناهم في مكب النفايات لا يتقاضون شيئا من شبكة الإعانة الاجتماعية.
ويتحدث هؤلاء عما وصفوه بـ”محسوبيات، وفساد يشوب ملف الإعانة الاجتماعية، وأن الكثير ممّن يتقاضونها ميسورو الحال بينما يحرم منها الفقراء”.
من جانبها، تقول زهرة مطر، رئيسة لجنة حقوق الإنسان في المجلس المحلي بكربلاء، إن “نسبة البطالة وصلت إلى مستويات مرتفعة في محافظة كربلاء، بلغت ما بين 30 و35 بالمئة من مجمل السكان”.
وترجع مطر الأسباب إلى “سياسة التقشف التي تتبعها الحكومة المحلية والعراق عموما، نتيجة العجز في ميزانية العام الحالي، جراء انخفاض أسعار النفط والنفقات المتزايدة للحرب التي تخوضها بغداد ضد تنظيم داعش”، حسب ما ذهبت إليه.
وتشير المسؤولة العراقية إلى أنّ “أغلب العمّال الذين يعملون بأجر يومي في الدوائر الحكومية لم يستلموا رواتبهم منذ أكثر من خمسة أشهر، وهم فعليا عاطلون عن العمل”.
وتلفت مطر إلى “ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لتقليل نسبة البطالة، من خلال تشجيع مشاريع القطاع الخاص، وإعطاء قروض بلا فوائد لإعانة السكان على إنشاء مشاريع صغيرة”.
المسؤولة العراقية برّرت أيضا مشكلة البطالة المتفاقمة في العراق، وارتفاع نسب الفقر المدقع بوجود اعتبارات تخصّ تصاعد العمالة الأجنبية الوافدة.
ودعت إلى “ضرورة قطع الطريق أمام دخول العمالة الأجنبية إلى البلاد”، قائلة إن “الكثير من العمالة تدخل إلى العراق من دول شرق آسيا، وهو ما أثر سلبا على الأيدي العاملة المحلية
واعتبرت أنّه من “الضرورة الاعتماد على الأيدي العاملة العراقية في المشاريع الإستراتيجية بالبلاد، ولا سيما بقطاع النفط لتحسين ظروف العراقيين، بدلا من استقدام العمالة الأجنبية”.
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة حقوق الإنسان في العراق، كامل أمين، قد أعلن في وقت سابق أن "نسبة الفقر في البلاد، وصلت إلى 30 بالمئة بسبب تنظيم داعش، وانخفاض أسعار النفط في البلاد".
وأشار إلى أن “آخر مؤشر لمستوى الفقر الذي قامت به وزارة التخطيط ووكالات الأمم المتحدة، كان في عام 2009 حيث بلغت النسبة 23بالمئة، وتعتبر هذه النسبة مرتفعة قياسا بوجود موارد البلاد الكثيرة”، مبيّنا أن البنك الدولي طلب من العراق وضع إستراتيجية لرفع الفقر، وكانت محافظة المثنى هي أكثر محافظة تعاني الفقر.
وتابع أنّه “تم إجراء مسح في عام 2013 وبلغت نسبة الفقر 18 بالمئة، لكن ما جرى في العام الماضي من عملية نزوح وتوقف خمس محافظات عن العمل، وخسارة الكثير من الأموال بسبب تنظيم داعش، ارتفعت المؤشرات الإحصائية لتصل إلى نسبة 30 بالمئة، وهذا تحد كبير أمام الحكومة بسبب انخفاض أسعار النفط”.
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي باسم أنطوان أن الأحداث التي شهدها العراق بعد سيطرة تنظيم الدولة على أربع محافظات عراقية، أدت إلى تراجع الوضع الاقتصادي فيها، مع إيقاف أصحاب المحال التجارية الخاصة أعمالهم وإغلاق محلاتهم.
وأشار أنطوان إلى أن أسباب ارتفاع معدل خط الفقر كثيرة، لكن أبرزها خسارة العراق بعد دخول التنظيم إليه 150 مليون دولار أميركي يوميا، ونزوح أعدادا كبيرة من سكان المحافظات الشمالية والغربية، حيث وقفت الحياة الاقتصادية في ثلث العراق تقريبا.
وقال الباحث الاجتماعي، واثق صادق، إن الأرقام المتداولة بشأن مستوى الفقر في العراق تعد مؤشرات خطيرة للأزمة التي تعيشها البلاد حاليا على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولعل ارتفاع هذه الأرقام يعود إلى تصاعد مستوى التهجير الداخلي بعد العاشر من يونيو 2014.
الفقر من العوامل المعوقة للتنمية المجتمعية في العراق، خاصة إذا لم تتم معالجة الأسباب الحقيقية التي تقف وراءه كالبطالة وقلة الفرص الاستثمارية، وفق ما ذهب إليه صادق. المصدر : العرب
www.deyaralnagab.com
|