منزل الشيخ “ياسين” بغزة..”سكون” يروى تاريخا مليئا بـ”الحكايات"!!
بقلم : مصطفى حبوش ... 24.03.2014 غزة ـ لن تحتاج إلى مرشد لتتعرف على منزل مؤسس حركة المقاومة الإسلامية “حماس″، الشيخ أحمد ياسين، فثلاث دقائق من التجوال في جميع غرفه التي لم يتغير من معالمها شيء، كافية لاستحضار مسيرته، وذاكرة حضوره، بعد مرور عشرة أعوام على اغتيال صاحبها.
ولا يتطلب الوصول إلى منزل الشيخ القعيد، ياسين، الذي اغتالته إسرائيل في 22 مارس/ آذار عام 2004، سوى اتصال هاتفي بأحد أبنائه ليكون على استعداد لاستقبالك داخل المنزل “المتواضع″، الذي تحول بفضل أسرته إلى “متحف”، يضم مقتنياته من أثاث، وكتب، وملفات، وملابس، وصور.
وفي داخل الصالة توسط المكان مقعدا متحركا قديما، وضعت عليه صورة لياسين، ويحيط به مجموعة من المقاعد “الخرزانية” والبلاستيكية.وعلى جدران الغرفة، عُلقت مجموعة من الصور للشيخ، مع شخصيات فلسطينية، وعربية وإسلامية، بينهم مسؤولين ورؤساء دول عربية.وكانت تلك الغرفة التي لا تتجاوز مساحتها خمسة أمتار مربعة، يستخدمها ياسين للاجتماع بقيادات وأعضاء المكتب السياسي لحركة “حماس″، ولاستقبال الزوار من الشخصيات السياسية والعامة.
ويقودك باب في نهاية غرفة الاجتماعات إلى ممر ضيق، وضعت في بدايته بقايا مقعده المتحرك، الذي اغتيل خلال جلوسه عليه، داخل صندوق زجاجي.ومن باب على الجانب الأيسر لذلك الممر، يمكنك الوصول لغرفة النوم، التي تضم سريراً خشبياً قديماً، لا زال على حاله كما تركه صاحبه قبل عشرة أعوام، ويقابله خزانة فيها ما بقي من ملابسه البسيطة.
ويجاور السرير، “حامل مصحف” حديدي، عليه كتاب “قرآن”، من الحجم الكبير، مفتوح على صفحتي (281-282)، وهما نهاية سورة “النحل”، وبداية سورة “الإسراء”، وهي آخر ما قرأ “ياسين”، من “وِرْدِه” اليومي من كتاب الله، حسبما ذكر لـ”الأناضول” أحد أبناءه.
وإلى جانب غرفة نوم ياسين، تقع الغرفة الأخيرة في المنزل، والتي كان ينام فيها ليلاً بناته وأبنائه.
وفي النهار كانت الغرفة، تتحول إلى مكتب يضم كتبا، وملفات، وقوائم لطلاب، ومرضى، وأسر يحتاجون لمساعدات مالية.
ورغم مرور عشرة أعوام على اغتيال الشيخ ياسين، إلا أن أسرته أبقت على مقتنياته على حالها، وحولت منزله إلى “متحف”، لاستقبال الزوار من جميع أنحاء العالم، بعد أن انتقلت للسكن في منزل آخر مجاور، لا يقل تواضعاً عن سابقه.وخلال العشرة أعوام السابقة، زار منزل الشيخ أحمد ياسين، العشرات من الوفود الفلسطينية، والعربية والإسلامية، بينهم رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس″ خالد مشعل الذي زار قطاع غزة نهاية العام 2012.وكما أن منزله على حاله، فإن ذكرياته، ومواقفه، لا زالت عالقة تماماً في أذهان أبنائه وبناته وأحفاده، الذين يعيشون ذكرى اغتياله هذه المرة، بعيداً عن أعين الصحفيين وقيادات الفصائل الفلسطينية الذين اعتادوا في كل عام على زيارتهم، واستذكار تلك الأيام التي جمعتهم بالشيخ ياسين
.ويقول “عبد الغني”، وهو الابن الأوسط للشيخ ياسين لـ”الأناضول”:”منزلنا قبل استشهاد والدي، كان لا يكاد يخلو من الزوار، سواء السياسيين، والمسؤولين، أو العامة ..فالجميع كان يأتي إليه ليتدارس معه الوضع الفلسطيني، أو ليساعده في حل بعض المشاكل، أما اليوم فلا يزورنا أحد باستثناء بعض قيادات حماس الذين يحضرون في الأعياد والمناسبات”.ويستذكر عبد الغني، الذي يعمل “بستانياً” في الجامعة الإسلامية بغزة، في الذكرى العاشرة لاغتيال والده، تلك الساعات التي كان يسترقها الشيخ من الليل ليجتمع مع أسرته في سهرة، تمتد حتى الصباح، يناقشون خلالها شؤونهم الخاصة، في أجواء لا تخلو من المرح والفكاهة بعيداً عن صخب السياسة.
ويضيف: “كان المنزل يضج بالحياة، ولكن بعد استشهاد الشيخ، مات كل شيء”.وبعد أن صمت لحظات، أردف:”لم يعد للحياة ذلك الطعم الجميل الذي تذوقناه في زمن الشيخ (…) رغم همومه ومرضه إلا أنه كان يمنحنا الثقة والأمل”.وللشيخ ياسين، تسعة أبناء، منهم ثلاثة ذكور، وست إناث، ويعيشون مع والدتهم المسنة، “حليمة ياسين”.ومن بين بنات الشيخ ياسين الإناث، أرملتين، قُتل زوجيهما على يد الجيش الإسرائيلي.ويعمل أبناء الشيخ ياسين، في وظائف بسيطة، فنجليه الأكبر “محمد” والأصغر “عبد الغني”، يعملان “بستانيان” في الجامعة الإسلامية بغزة، فيما نجله الأوسط، يمتلك متجراً صغيراً لبيع المواد الغذائية.وتشير “فاطمة”، وهي الابنة الخامسة للشيخ ياسين، والبالغة من العمر (32 عاما) إلى أن “الجلوس مع الشيخ ياسين لفترة طويلة، كان أمنية جميع أبنائه”.وتضيف:” لقد كان دائما مشغول، مع الزوار من السياسيين، والعامة، وقيادة حركة حماس″..وتذكر فاطمة أنها كانت وأخواتها الإناث، ينتظرن والدهن، حتى ما بعد صلاة الفجر، ليجلسن معه بعد أن ينهي انشغالاته.
ومنذ رحيله تحول حياة فاطمة، وأخواتها، “روتينية”، مملة، لا جديد فيها، خالية من الدفء، والحب، والحكمة، التي كان يمنحها الشيخ ياسين لكل أفراد أسرته، خاصة الإناث منهم، حسب قولها.وتستذكر “فاطمة”، البرنامج اليومي لوالدها، حيث كان يستيقظ من النوم قبيل الفجر، ويتوضأ مستعدا للصلاة التي كان يؤديها في مسجد “المجمع الإسلامي” القريب من منزله، ثم يخلد للنوم ثانية، كي يستريح نظرا لإصابته بالعديد من الأمراض، إضافة لإصابته بالشلل.ومن ثم كان ياسين، يقضي بقية يومه في العمل “المقاوم”، و”التنظيمي” و”الدعوي”، دون أن يتمكن من الاجتماع مع أبناء أسرته، سوى أوقات قليلة.
وتشير إلى أنه كان يحرص على “عدم إظهار الآلام التي يشعر بها جراء كبر سنه، وأمراضه”.ولا ينسى حمزة الزايغ (25 عاما) وهو حفيد الشيخ ياسين، (من ابنته “عايدة”) تلك الهدايا التي كان يمنحها له جده في كل عام تقديراً لتفوقه في المدرسة.ويقول الزايغ:”كان جدي يعطيني كل عام هدية، تقديراً لتفوقي في المدرسة، وفي العام الذي استشهد فيه، كان قد وعدني بجهاز حاسوب، أحضره لي خالي محمد (النجل الأكبر للشيخ أحمد ياسين) تنفيذا لوعد جدي”.ويضيف:”بعد عشرة أعوام على استشهاد جدي، لا زلت أفتقده، فقد كان قدوة لي دائماً، والحياة معه بالتأكيد كانت أجمل”.
وولد الشيخ أحمد ياسين في 28 حزيران/ يونيو عام 1936، في قرية الجورة الواقعة جنوب (فلسطين التاريخية)، قبيل احتلال العصابات الصهيونية لها وإعلان دولة إسرائيل.وتعرض ياسين لحادثة كسر في فقرات العنق، أثناء ممارسته الرياضة وهو شاب، أدت إلى إصابته بشلل تام في جميع أطرافه.وعمل مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، في مدارس غزة.وتبنى ياسين، منذ صباه، أفكار جماعة الإخوان المسلمين التي أُسست في مصر على يد حسن البنا.
واعتقلته إسرائيل عام 1983 بتهمة حيازة أسلحة، وتشكيل تنظيمٍ عسكري، والتحريض على إزالة إسرائيل من الوجود، وصدر بحقه حكم بالسجن 13 عامًا، لكن أفرج عنه عام 1985 في عملية تبادل للأسرى بين إسرائيل، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة).
وفي نهاية عام 1987م أسس الشيخ أحمد ياسين مع مجموعة من قادة جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، تنظيم “حركة المقاومة الإسلامية” المعروف اختصارا باسم “حماس″,وأعادت إسرائيل اعتقال مؤسس “حماس″ عام 1989م، وحكمت عليه بالسجن مدى الحياة، إضافة إلى 15 عامًا، على خلفية التحريض على أسر وقتل جنود إسرائيليين، وتأسيس “حماس″ بجهازيها العسكري والأمني.
وأطلقت إسرائيل سراح ياسين، في عملية تبادل أخرى في أكتوبر/تشرين الأول، عام 1997 جرت بين الأردن وإسرائيل، في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لـ”حماس″ خالد مشعل في العاصمة عمان.
وفي مقابل الإفراج عن ياسين، أفرجت الأجهزة الأمنية الأردنية عن اثنين من عملاء الموساد اللذين حاولا اغتيال مشعل.وفي 22 مارس/آذار 2004سقط ياسين، قتيلا وقد تناثرت أجزاء كرسيه المتحرك في المكان!! المصدر : القدس العربي
www.deyaralnagab.com
|