logo
ترويج بدائل التبغ... سوق سوداء لأجهزة التدخين الإلكتروني في قطر!!
بقلم :  عمرو نور ... 29.07.2024

يتحايل باعة أجهزة التدخين الإلكتروني في قطر على حظر تداولها قانونياً، ويروّجون بضاعتهم بين المستهلكين، دون اعتبار لعمر أو لنوع المادة المباعة، ما يهدد صحتهم، خاصة من يعتقدون بأنها بديل آمن للسجائر التقليدية.
- أشعل الثلاثيني المصري، المقيم في قطر، سامي الشال لفافة تبغ هي الأولى بعد انقطاع دام 5 أشهر، لتنتهي بذلك محاولته الرابعة للإقلاع عن التدخين، ملقياً اللوم على ضعف إرادته الذي أفشل مختلف طرق الهروب من "العادة المميتة" التي ترافقه منذ 14 عاماً.
يقول الشال لـ"العربي الجديد" إن محاولته الأخيرة بدأت أثناء إجازة في مصر، بعد نصيحة من صديق بأن يدخن السجائر الإلكترونية أو ما يسمى بـ Vape (الفيب)، بدلاً من لفائف التبغ العادية، وبالفعل اشترى جهاز تدخين إلكترونياً بـ 3500 جنيه مصري (72 دولاراً أميركياً)، كما اشترى مخزون شهر من عبوات سوائل التدخين اللازمة لعمل الجهاز بقيمة 600 جنيه (12.5 دولاراً)، لكن أمراً لم يعره الشال اهتماماً، سبّب مشكلة لاحقة، إذ يحظر القانون القطري بيع "مقلدات أدوات التدخين"، وما إن نفد مخزونه حتى بات يشتري "ممنوعات"، حسب تعبيره.
وتحظر المادة السابعة من القانون رقم (10) لسنة 2016 بشأن الرقابة على التبغ ومشتقاته "استيراد أو تداول أو عرض أو بيع أو توزيع أو تصنيع السيجارة والشيشة الإلكترونية ومقلدات أدوات التدخين"، ما خلق سوقاً سوداء للاتجار بها، يشوبها على حد وصف الشال "استغلال المشترين، وبيع المنتجات بأضعاف أثمانها للمستهلكين".
وعلى الرغم من حظر بيع وتداول أدوات التدخين الإلكتروني داخل قطر، وفرض عقوبات، يصفها بدر الرميحي عضو اللجنة القانونية في المجلس البلدي القطري بـ"الصارمة" فإنه يؤكد لـ"العربي الجديد" سماح القانون بجلبها من الخارج في حدود الاستخدام الشخصي فقط، كما لا يوجد ما يمنع استخدامها في الأماكن المخصصة للتدخين.
تجارة عن بعد
تُعرّف منظمة الصحة العالمية التدخين الإلكتروني بأنه "استخدام نظم لإيصال مادة النيكوتين للمتعاطي، عبر تسخين سائل يكون هباء جوياً (بخار) يستنشقه المتعاطي، وهذه السوائل الإلكترونية قد تحتوي على النيكوتين أو لا، كما تحتوي عادة على مواد مضافة ومنكهات ومواد كيميائية يمكن أن تضر بصحة المتعاطين".
ويدفع تجريم تداول مقلدات أدوات التدخين المروجين إلى منصات التواصل الاجتماعي، إذ يعتمدون على البيع من خلال مجموعات على "فيسبوك"، وحسابات على "إنستغرام"، و"سناب شات"، يعرضون فيها بضاعتهم، ورصد معد التحقيق ما يزيد عن 60 حساباً، تعلن عن منتجات بدائل التبغ المختلفة، سواء أجهزة التدخين أو السوائل التي تملأ بها، أو ما يسميه التجار والمستخدمون بـ "النكهات"، وادعى رغبته في شراء منتجات متنوعة وتواصل مع ثمانية تجار أبدوا استعدادهم توصيل الطلب مجاناً داخل الدوحة، على أن تجري الصفقة في "شارع رئيسي أو داخل محطة مترو"، ورفضوا الإيصال حتى باب المنزل، لعدم معرفتهم المشتري، وبلغت الأسعار التي تدفع عند الاستلام بين 150 و900 ريال قطري (ما يتراوح بين 40 و240 دولاراً) في مقابل الأجهزة على اختلاف أنواعها، و150 ريالاً مقابل عبوة سعة 100 ملليلتر من "النكهة"، وبسبب التجريم فإن تلك الأسعار تصل إلى أضعاف قيمة المنتج الأصلي في دول مجاورة تتيح تداول بدائل التبغ كالكويت، فعلى سبيل المثال يباع فيها جهاز Vozol (فوزول) أحادي الاستخدام هناك بـ 4 دنانير أي ما يعادل 47 ريالاً (12.5 دولاراً)، بينما يباع في قطر بنحو 150 ريالاً، فيما تباع عبوة سائل التدخين سعة 100 ملليلتر في الكويت بـ 3 دنانير (9.5 دولارات)، ويصل سعرها في قطر إلى 180 ريالاً (48 دولاراً).
وبخلاف الأنواع الشهيرة التي يسميها المستخدمون premium (الفئة الأولى) يعرض مروّجون منتجات مجهولة تماماً بأسعار تقل كثيراً عن سابقتها، إذ يبيع تاجر فيليبيني يدعى "كاي"، اكتفى بذكر اسمه الأول، عبوة نكهة سعة 100 ملليلتر بسعر 50 ريالاً، وهو ثلث قيمة مثيلتها من الفئة الأولى، وقال لـ"العربي الجديد" :"المنتجات رخيصة جداً في بلادي، مقارنة مع دول الخليج، وأصدقائي يجلبون بين الحين والآخر بدائل تبغ من الفيليبين وتايلاند بكميات ليست كبيرة، يدخلون بها مباشرة من المطار على أنها استخدام شخصي، لأستفيد من فارق السعر بين السوقين"
ويفسر مروج جزائري، رفض نشر اسمه حتى لا يتعرض للتوقيف، سبب تضاعف الأسعار في قطر عن مثيلاتها في دول الجوار، بأن البائع يحمّل المشتري ثمن مخاطرة بيع منتج محظور قانوناً، فبموجب المادة 16 من القانون المذكور يُعاقب بائعو مشتقات التبغ بـ"الحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر، أو بغرامة لا تزيد عن مائة ألف ريال (27.400 دولاراً)، أو بإحدى العقوبتين".
ويعمد بعض المروجين إلى إخفاء هوياتهم تماماً باستخدام حسابات "فيسبوك" مزيفة، والتواصل عبر أرقام غير قطرية، فبين التجار الثمانية الذين تواصل معهم "العربي الجديد" عرف اثنان نفسيهما على أنهما "مسوقون"، واستخدما رقمي هاتف سوريين، أجريا من خلالهما الاتفاق على الصفقة ومقابلها، كما أحالا المشتري دون السؤال عن عمره إلى مندوبي توصيل مقيمين في الدوحة، من أجل شراء 3 زجاجات مقابل 400 ريال، تسلمهم في عجالة مندوب هندي في شارع جانبي مواز لشارع المرقاب الجديد الرئيسي (وسط الدوحة)، وتبين لاحقاً أن عبوات سائل التدخين منتهية الصلاحية، وعقب مواجهتهما تهرّب التاجر والمندوب، وحظرا الاتصال بهما عبر تطبيق "واتساب".
وتشنّ كل من وزارة التجارة والصناعة ووزارة الداخلية حملات لملاحقة مروجي أدوات التدخين الإلكتروني، عبر منصات التواصل الاجتماعي، وفقاً لإفادة نائب رئيس المجلس البلدي وعضو اللجنة القانونية، مبارك بن فريش السالم، الذي أكد أن الوزارتين أطلعتا أعضاء المجلس على حملاتهما لملاحقة المروجين داخل الدولة وإغلاق حساباتهم، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في نشاط تلك الحسابات خلال الفترة الماضية، لكن النائب الرميحي لفت إلى مناقشة المجلس خطوات من شأنها الحد من انتشار أدوات التدخين الإلكتروني، أهمها تشديد الرقابة على الأسواق، قائلاً: "لا تقتصر جهودنا على القوانين فقط، بل نركز بشكل كبير على التوعية. حملاتنا المكثفة تستهدف مختلف فئات المجتمع، من خلال برامج توعية في المدارس والجامعات، والتعاون مع المنظمات الصحية لتقديم الإرشادات اللازمة للإقلاع عن هذه العادة الضارة".
ضررها لا يقل عن التبغ
لا يقل التدخين الإلكتروني ضرراً عن التبغ، بحسب تأكيد الدكتور أحمد الملا، مدير مركز مكافحة التدخين بمؤسسة حمد الطبية (حكومي)، إذ يؤكد لـ"العربي الجديد" احتواء سائل التدخين الإلكتروني على مواد ضارة للمدخن وعلى من حوله، كالكروم والنيكل.
ما ذهب إليه الطبيب الملا، تؤكده ورقة بحثية بعنوان "تأثير نسبة البروبيلين جليكول والجلسرين النباتي في سائل التدخين الإلكتروني على تقييمات التأثير الذاتي لدى المدخنين الحاليين"، نشرتها "جمعية أبحاث النيكوتين والتبغ" (منظمة دولية غير ربحية) في دوريتها لشهر مايو/أيار 2020، وعمل عليها الدكتور كينيث مايكل وفريقه والذين حللوا مكونات 30 نوعاً تجارياً من سوائل التدخين المكونة في الأساس من "الجلسرين النباتي" و"البروبيلين جليكول"، واعتمدت الدراسة على أساس وجود معامل تجاري لقياس نسبة الجلسرين إلى البروبيلين (المكونان الرئيسيان) في السائل VG/PG Ratio وحسب إفصاح مصنعيهم، فإن النسب 50:50 و30:70 و40:60 و0:100 لكن بإجراء التحليل الكمي للسوائل اكتشف الباحثون اختلاف النسب عمّا قاله المصنعون، فكانت 70.8 VG إلى 22.8 PG و56.8 VG إلى 36.9 PG و69.5 VG إلى 24.8 PG، وكل النسب السابقة مجموع طرفيها لا يساوي 100، كما يفترض إحصائياً (أقل من 100)، لكن الباحثين عزوا ذلك إلى إضافة مواد أخرى للسائل كالنيكوتين والنكهات الاصطناعية، بمعدلات تتراوح بين 3 إلى 9 ملليلترات لكل 100 ملليلتر.
كما نشرت جمعية الرئة الأميركية (غير ربحية) في مايو 2023 سلسلة مقالات علمية تحت عنوان "ما هي السجائر الإلكترونية؟"، صنفت خلالها التدخين الإلكتروني بأنه سلوك إدماني، كما عددت المكونات الضارة، وقالت إن سائل التدخين يحتوي على النيكوتين وهو مادة شديدة الإدمان، بالإضافة إلى مواد مسرطنة كـ"الأسيتالدهيد والفورمالدهيد" و"الأكرولين"، وهو مبيد يستخدم بشكل رئيسي لقتل الأعشاب الضارة، ويمكن أن يسبب تلفاً رئوياً لا يمكن التعافي منه، و"الداي إيثيلين غليكول" وهو مادة كيميائية سامة تستخدم في مضادات التجمد (تمنع تجمد السائل)، ومعادن ثقيلة مثل النيكل والقصدير والرصاص و"الكادميوم"، وهو سام موجود في السجائر التقليدية، ويسبب مشاكل في التنفس.
وبالإضافة لما سبق "تؤكد دراسات طبية عدة المخاطر الصحية المرتبطة بتعاطي البدائل الإلكترونية، فاستنشاق المعادن الثقيلة التي يحتويها السائل بديل التبغ، يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية، تبدأ بالتهاب الجهاز التنفسي، وصولاً إلى أمراض القلب والسرطان" يقول الملا، مشيراً إلى أن العيادة التي يديرها تستقبل شهرياً عشرات المراجعين من متعاطي البدائل، ويشكون من إصابات متنوّعة، منها التهابات الفم والأسنان، وآلام القلب والجهاز التنفسي.
وتعتبر منظمة الصحة العالمية التدخين الإلكتروني خطراً على الصحة لاحتواء السوائل على كميات متفاوتة من النيكوتين ومواد سامة أخرى تضر المدخنين، خاصة الفئات الأكثر عرضة للخطر منهم كالحوامل والأطفال، ولتلك الأجهزة أثر سلبي على نمو الأجنة حال تعرضوا لهذه المواد وعلاوة على ذلك، فإن لاستهلاك الأطفال والمراهقين للنيكوتين آثاراً سلبية على نمو الدماغ، مما يخلف عواقب طويلة الأجل على نموه ويُحتمل أن يتسبب في إصابتهم باضطرابات التعلم والقلق.
واستبعد الملا كون التدخين الإلكتروني يصلح وسيلة للإقلاع، مشدداً على عدم اعتماده لهذا الغرض من أي مؤسسة علمية، وأشار إلى أن آخر إحصاء أجراه مركز مكافحة التدخين عام 2023 كشف أن 11% من المدخنين يستخدمون البدائل الإلكترونية دون إقلاع تام عن التدخين، داعياً الراغبين في الإقلاع بحق إلى مراجعة فروع مركز مكافحة التدخين على مستوى الدولة، والخضوع لبرنامج علاجي معتمد من الجهات الصحية الرسمية.
التداول محظور وليس الاستخدام
يتفق خمسة مستخدمين لأجهزة التدخين الإلكتروني مع الملا، في عدم صلاحيتها كوسيلة للإقلاع، وأكدوا لـ"العربي الجديد" أنهم حتى إن نجحوا في استبدال التبغ والاعتماد على الجهاز لكنهم يفشلون في الإقلاع عنه، فقبل خمسة أعوام كان العشريني القطري عبد الرحمن عبد الله يقنع نفسه بأنه تحول إلى التدخين الإلكتروني من أجل أن يحل محل لفافات التبغ، لكنه بعد أن جرّب كل أنواع الأجهزة، يعترف بأنه وقع أسير إدمان آخر.
ولا يجد عبد الله مشكلة في الحصول على مخزون دائم من أجهزة وسوائل التدخين، يشتريها بنفسه أو يجلبها له أصدقاؤه من دول جارة كالكويت والإمارات بـ 25% من سعرها في قطر، ويقول: "طوال هذه المدة أمر بالجهاز وعبوات السائل من المطار ولم يوقفني أحد سوى مرة واحدة صادرت الجمارك القطرية جهازًا و7 عبوات، وتم إعدامها لحظيًّا ومن ثم مروري" مشددًا على اعتياده حمل كميات قليلة للاستخدام الشخصي في كل رحلة.
وعلى الرغم من حظر تداول وبيع بدائل التبغ قانوناً، فإنه لا يوجد نص يجرّم استخدامها، ويؤكد المستخدمون الستة لـ"العربي الجديد" علمهم بهذا الأمر، لكن المحامي حمد اليافعي (لديه مكتب خاص) شدد على مخالفة المروجين للقانون المنظم لبيع التبغ ومشتقاته وقال لـ"العربي الجديد" إن أي مروج يدخل تحت طائلة عقوبتي الحبس أو الغرامة أو كلتيهما حال ضبطه متلبسا، داعيًا السلطات إلى تشديد الرقابة على الباعة من أجل الحفاظ على صحة المواطنين والمقيمين.
"فالمروجون لا يبالون بعمر المشتري، فمن يحمي الأطفال إذن؟" يتساءل اليافعي، وهو ما تؤكده التجربة الميدانية إذ لم يسأل أي من التجار الثمانية عن عمر المشتري، لذلك يرى اليافعي وجوب تبني الدولة ومؤسسات المجتمع المدني حملة توعية في المدارس حول مخاطر التدخين الإلكتروني الصحية والتبعات القانونية التي قد تواجه المخالفين، ويتفق معه عضو المجلس البلدي الرميحي قائلا: "التوعية هي مفتاح الحرص على نمط حياة أفضل وصحي وخال من التدخين"

**المصدر : العربي الجديد

www.deyaralnagab.com