اللاجئون السوريون في الأردن: لا عودة آمنة ولا مساعدات كافية!!
بقلم : الديار ... 05.09.2023 *بعد مرور أكثر من ثلاثة عشر عاما على فتح الحدود الأردنية أمام اللاجئين السوريين الهاربين من الصراعات والنزاعات في سوريا، واستضافة ما يزيد على 1.4 مليون سوري، بات الأردن عالقا في مواجهة معضلة الاستمرار في استضافة هؤلاء اللاجئين الذين يشكلون عبئا كبيرا على الاقتصاد المحلي، في وقت تتراجع فيه مساعدات المجتمع الدولي ودعمه.
عمّان - رغم محاولة اللاجئين السوريين الانخراط في المجتمع الأردني وسوق عمله لتأمين لقمة عيشهم، إلا أنهم بقوا تحت ضغوط الحياة التي يعيشها الأردنيون أساسا، ولكنهم عقب قرارات بعض المنظمات الأممية تقليص المساعدات عنهم، باتوا تحت تهديدي الجوع أو العودة القسرية إلى بلدهم صوب مصير مجهول.ولم يكد اللاجئون السوريون في الأردن يستوعبون صدمة شرعنة النظام ببلادهم بعد عودته إلى جامعة الدول العربية في مايو الماضي، حتى استيقظوا على وقع إعلان منظمات أممية تقليص مساعداتها لهم بسبب أزمة تمويل غير مسبوقة تواجهها.ويتوقع الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر أن يوظف الأردن قرار تقليص المساعدات الدولية للاجئين في زيادة الضغوط على السوريين لدفعهم إلى العودة.ورجح ضاهر استخدام السوريين “كبش فداء” من قبل الأردن لعرض الصعوبات الاقتصادية التي يواجهانها، “لذلك يمكن توقع المزيد من التضييق على اللاجئين”.
وأشار ضاهر إلى أن دمشق ستستخدم الضغوط المتزايدة من دول الجوار في ملف اللاجئين لزيادة التطبيع معها ومع دول أخرى على الصعيد الإقليمي.
السوريين بالمملكة اعتباراً من أول أغسطس 2023”.
وجاء ذلك في سلسلة تغريدات عبر حسابه على منصة “إكس” قال فيها إن “وكالات الأمم المتحدة الأخرى وبعض المانحين يفعلون الشيء نفسه، لن نكون قادرين على سد الفجوة، وسيعاني اللاجئون (..) لا يمكننا تحمل هذا العبء وحدنا”.
وأضاف “توفير حياة كريمة للاجئين مسؤولية عالمية، ليس بلدنا وحده كبلد مضيف، ويجب أن تعمل الأمم المتحدة لتمكين العودة الطوعية، وحتى ذلك الحين يجب أن تحافظ وكالاتها على الدعم الكافي”.
وبعد تصريحات الصفدي، أعلن برنامج الأغذية العالمي في 19 يوليو تقليص مساعداته الشهرية لأكثر من 100 ألف لاجئ سوري يقيمون في الأردن، اعتبارا من الأول من أغسطس، بسبب نقص التمويل، دون الحديث عن وقفها بشكل كامل.
وقال البرنامج في بيان “سيضطر البرنامج آسفا إلى تخفيض قيمة المساعدات الشهرية بمقدار الثلث لجميع اللاجئين السوريين في مخيمي الزعتري والأزرق البالغ عددهم 119 ألف لاجئ بسبب نقص في التمويل”.
ونقل البيان عن المدير القُطري الممثل المقيم لبرنامج الأغذية العالمي في الأردن ألبرتو كوريا مينديز قوله “نشعر بقلق بالغ إزاء تراجع حالة الأمن الغذائي لدى الأسر اللاجئة، مع نقص التمويل فإن أيدينا مقيدة”.
يتواجد في المملكة 66 ألف لاجئ عراقي و14 ألف يمني و6 آلاف سوداني، إضافة إلى بضعة آلاف من جنسيات أخرى
ومنذ العام 2018، بلغ عدد العائدين السوريين من الأردن إلى بلدهم نحو 40 ألفا فقط، منهم 5800 في آخر عامين، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويقول منير الخطيب (60 عاما)، لاجئ سوري منذ 11 عاما، “كنت أتلقى مساعدات بقيمة 200 دولار من المجلس العسكري السوري (باعتباره عسكريا منشقا)، وبعد أن توقفت انتقلت للعيش في مخيم الزعتري (أكبر مخيمات اللجوء السوري في الأردن)، ثم خرجت منه في وقت لاحق”.
وأضاف “كنا نعيش على كوبون (قسيمة) بمواد غذائية من برنامج الغذاء العالمي، والآن نحن بلا مساعدات”.
وتابع الخطيب “لا أستبعد أن يكون لوقف المساعدات علاقة بقرار إعادتنا إلى سوريا (..) البعض عاد لأنه ليس عليه شيء، ولكن بالنسبة إلى العسكريين فلن يعودوا أبدا مهما كلف الأمر؛ لأن مصيرهم معروف”، في إشارة إلى استهدافهم من جانب النظام.
وأكد أنه “دون مساعدات لن نستطيع العيش، فأنا على سبيل المثال مريض بالقلب والشرايين، وما يصلني من فاعلي الخير أشتري به علاجات”.
ودعا المجتمع الدولي إلى “عدم ترك السوريين؛ لأن الوضع مأساوي.. الأردن تحمل الكثير ولم يقصر معنا، ولكن بما نراه حاليا لا نعلم إلى أين نسير”.
وبحسب نشرات رسمية لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أحدثها منتصف أغسطس الماضي، فإن ما حصلت عليه من متطلباتها المالية لعام 2023 بالنسبة إلى الأردن هو 33 في المئة فقط، بواقع 128 مليون دولار من أصل 390 مليون دولار.
ويوجد في الأردن نحو 1.3 مليون سوري، قرابة نصفهم مسجلون لدى المفوضية بصفة “لاجئ”، فيما يقيم 750 ألفا منهم في البلاد قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، بحكم النسب والمصاهرة والعلاقات التجارية بين البلدين الجارين.
كما يتواجد في المملكة 66 ألف لاجئ عراقي و14 ألف يمني و6 آلاف سوداني، إضافة إلى بضعة آلاف من جنسيات أخرى، بينها الصومالية، وفق إحصائيات رسمية.
ويقول اللاجئ حكمت الزعبي أن “أجرة البيت مكسورة علينا، ونعيش كل يوم بيومه، ونسعى لتأمين وجبتنا المقررة ولا ننتظر التالية”.
وتابع الزعبي وهو معلم سابق في سوريا “على العالم ألاّ ينسى اللاجئين السوريين، فهم معلقون لا يقدرون على العودة ولا على الاستمرار بالوضع المعيشي الذي يمرون به”.
ولم يستعبد الزعبي (64 عاما) هو الآخر ما تحدث به الخطيب من أن يكون قرار تقليص المساعدات له علاقة “بالضغط علينا للعودة”.
واستدرك “سوريا غير مستقرة، والوضع الاقتصادي فيها صعب، ولو هناك إمكانية للعودة فسنعود دون الضغط علينا”.
وتطرق إلى مخاوف أخرى تتعلق بإمكانية عودتهم بقوله “أبناؤنا حاليا بسن الخدمة العسكرية، وذلك يعني بأنهم ذاهبون إلى الموت بأرجلهم”.
وحث الزعبي المجتمع الدولي والأمم المتحدة على أن “ينظروا إلى السوريين بعين العطف إلى حين عودتنا إلى بلادنا سالمين”.
وترى الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش هبة زيادين أن قرار تقليص المساعدات أو وقفها بإمكانه أن يسهم في اتخاذ اللاجئين السوريين قرار العودة، رغم المخاطر.
وأشارت زيادين إلى أن أبحاث المنظمة أظهرت أن الأشخاص الذين يعودون طوعا أعدادهم قليلة جداً، رغم الأوضاع الصعبة في الدول المجاورة، بينما يعود البعض بسبب تعرضهم لـ”ضغط هائل”.
زيادة الأعباء
يزيد اللاجئون السوريون أعباء الأردن المأزوم اقتصاديا، في وقت لا تلقى فيه دعوات المملكة المنادية بتوفير موارد مالية دولية كافية لتأمين متطلبات اللاجئين الأساسية، آذانا صاغية في ظل إنهاك المانحين الدوليين.والأردن دولة ذات “دخل متوسط أعلى”، ويبلغ عدد سكانه 10.8 مليون نسمة، بما في ذلك 2.9 مليون شخص غير مواطن (لاجئون وعمال مهاجرون)، ويستضيف ثانية أعلى نسب اللاجئين لكل فرد في العالم، ما يضع ضغوطا غير مسبوقة على ميزانيته وموارده الطبيعية والبنية التحتية وسوق العمل.ويواجه الأردن ثلاثة عوامل رئيسية لانعدام الأمن الغذائي وتتمثل في أزمة لاجئين مطولة، مع 1.3 مليون لاجئ سوري و90 ألف لاجئ من أصول أخرى، لا يستطيع الكثير منهم تلبية احتياجاتهم الغذائية بشكل مستقل بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، وقد احتد هذا الوضع بسبب جائحة كورونا، والزيادات العالمية في أسعار الغذاء الناجمة عن الأزمة الأوكرانية، مع ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الفقر، ما يؤثر على وصول الناس إلى الغذاء، وزيادة تواتر الصدمات المتعلقة بالمناخ.وتقدر الحكومة الأردنية حجم التمويل المطلوب لخطة الاستجابة، والتي تغطي الإنفاق على الخدمات المقدمة للاجئين السوريين، بحوالي 2.3 مليار دولار، فيما كشفت تقارير أن الاقتصاد الأردني لم يعد حتى قادرا على تلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيه بالشكل المطلوب، وأن أزمة اللاجئين زادت الصعوبات التي يعانيها الأردن.وكانت الخطة الإستراتيجية لبرنامج الأغذية العالمي للأردن (2023 – 2027) قدرت تكلفة تنفيذ برامجها في المملكة خلال السنوات الخمس بحوالي 767 مليون دولار، منها 230 مليونا للعام 2023
.ويشير الخبير الاقتصادي الأردني عوني الداوود إلى أنّ “هنالك دوماً عجزاً في خطط الاستجابة للأزمة السورية، فالمجتمع الدولي غير متجاوب بالصورة المطلوبة مع الدور الذي يقوم به الأردن، رغم كل المؤتمرات الدولية التي أطلق الأردن بها صرخات لمناشدته التحرك”.ويضيف الداوود أنه “غالباً لا نصل إلى النصف من الاستجابة الدولية وهذا لا يمكن وصفه إلا بالتقاعس من المجتمع الدولي، ولا يمكن القول إن جائحة كورونا هي السبب في ذلك، كون الضعف في التمويل كنا نشهده قبل الجائحة، هذا العجز سيؤثر في الميزانية والمصروفات والبنية التحتية واستهلاك المياه في الأردن”.ويعيش الأردن أزمة اقتصادية خانقة في ظل عجز الميزان التجاري وارتفاع نسب المديونية التي بلغت أرقاما قياسية.وأقرت الحكومة الأردنية في الأول من ديسمبر الماضي موازنة عام 2023، متوقعة أن يبلغ عجز الموازنة بعد المنح الخارجية 2.5 مليار دولار، وأن يبلغ التضخم 3.8 في المئة، وبمعدل نمو حقيقي يبلغ 2.7 في المئةويعاني البلد، وهو أحد أبرز بلدان الشرق الأوسط التي تعتمد على المساعدات، من صعوبات اقتصادية متنوعة منذ سنوات ما أثّر على نسب النمو وانعكس على معدلات البطالة، مما يتطلب وصفة تضمن الإبقاء على استمرارية الوظائف واستدامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بوصفها العمود الرئيسي لخيمة الاقتصاد
.ويحاول الأردن أن يعوض نقص دعمه الخارجي بإجراءات حكومية لا يقبلها الشعب، ومنها المشتقات النفطية التي شهدت أسعارها ارتفاعا كبيرا أدى إلى حدوث إضراب قطاع النقل ما نتج عنه من تطورات واحتجاجات أسفرت عن مقتل 4 من رجال الأمن ومشتبه به في قتل واحد منهم.ويتوقع مراقبون استمرار المصاعب الحكومية في الأردن عام 2023 وما بعده، مرجعين سبب ذلك إلى “استمرار التوسع في الإنفاق ما بين 9 إلى 10 في المئة، وعجز في الموازنة بـ2.6 مليار دينار (3.6 مليار دولار)، ونسب نمو متدنية لا تزيد على 2.6 في المئة، وبطالة نسبتها 22.6 في المئة وفقر نسبته 22 في المئة”.وحسب تبريرات الحكومة، لا يستطيع الأردن حل تلك المشكلة إلا باللجوء نحو الاقتراض الخارجي والداخلي، وهو ما أدى إلى ارتفاع قيمة المديونية إلى 50 مليار دولار، وبما نسبته 116 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
www.deyaralnagab.com
|