logo
فساد الحكم المحلي... سيطرة عائلية في الضفة الغربية!!
بقلم : مجد علي ... 30.04.2023

تسيطر عائلات فلسطينية على هيئات الحكم المحلي بسبب النظام الانتخابي وتحالف الفصائل معها، ما أسفر عن ضياع 21 مليون شيقل نتيجة عدم الالتزام بالقوانين والتعليمات وترد في الخدمات المقدمة للمواطنين والمشاريع التنموية.
- فازت قائمة "القبيبة للجميع" بالتزكية في انتخابات هيئة القبيبة المحلية، التي أجريت في 11 ديسمبر/كانون الأول 2021، وضمت ثلاثة أعضاء من نفس العائلة، وهم شقيقان وابنة أحدهما، فيما توزعت المقاعد الأربعة المتبقية على عائلات أخرى، ضمن المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية بالضفة الغربية.
حالتان شبيهتان فازتا بالتزكية، الأولى "كتلة البناء والتحرير" التابعة لحركة فتح والتي حصلت على كامل مقاعد الهيئة المحلية في قرية جيبيا شمال رام الله، وضمت ثلاثة أبناء عمومة من أصل 9 مرشحين، والثانية قائمة "الفرسان" المستقلة التي حصلت على كامل مقاعد هيئة عزون العتمة المحلية شرق قلقيلية، وضمت شقيقين وابني عمومة.
وتعد الأمثلة السابقة جزءا من ظاهرة يوثقها التحقيق ويكشف آثارها، عبر بيانات نشرتها لجنة الانتخابات المركزية في موقعها الرسمي في ديسمبر/كانون الأول ومارس/آذار 2022، وكذلك إحصاءات دراسة غير منشورة لمؤسسة مجتمع مدني عملت على نتائج الانتخابات المحلية في مرحلتها الأولى التي جرت في ديسمبر 2021 في 316 هيئة محلية، وتبين من مطابقة البيانات أن 162 هيئة محلية بينها 19 مجلسا بلديا والباقي مجالس قروية فازت فيها قائمة واحدة بالتزكية دون منافسة من بينها 126 عائلية سجلت باسم حركة فتح.
وفي المرحلة الثانية التي أجريت في مارس 2022 فازت 23 قائمة بالتزكية، بينها 18 عائلية سجلت باسم فتح، في 5 مجالس بلدية و18 مجلسا قرويا، فيما أجريت الانتخابات في 54 هيئة محلية حصل المستقلون فيها على 64.4% من إجمالي المقاعد والباقي لقوائم حزبية.
وفازت 13 قائمة بالتزكية في المرحلة الأولى ضمت مرشحين من عائلة واحدة فقط، بالإضافة إلى عدد من القوائم ضمت أفرادا من أسرة واحدة، أي أقارب من الدرجة الأولى، وفي المرحلة الثانية فازت 46 قائمة عائلية بالتزكية، فيها أربعة أعضاء أو أكثر من نفس العائلة، بحسب الدراسة.
قوائم حزبية شكلية
شهدت ظاهرة فوز قائمة واحدة عبر التزكية، تصاعدا ملحوظا في الانتخابات البلدية بالضفة الغربية، ففي عام 2013 حسمت هذه القوائم 215 هيئة محلية من أصل 354 أي ما نسبته 60.7%. وفي عام 2017 تشكلت 60% من الهيئات المحلية على أساس الفوز بالتزكية وفق بيانات رصدها معد التحقيق عبر الموقع الرسمي للجنة الانتخابات المركزية.
في الانتخابات الأخيرة (2021-2022) لم يقتصر نفوذ العائلات على القوائم التي فازت بالتزكية، ولكنها شاركت في قوائم خاضت بالفعل الانتخابات، إما كقوائم حزبية أو مستقلة، منها على سبيل المثال في أريحا تحالفت حركة فتح مع العائلات في قائمة "إيد بإيد" بينما سجلت قوائم "أريحا الكبرى" و"كتلة أريحا الموحدة" و"المستقبل" كقوائم حزبية تابعة لفتح لكنها تشكلت على أساس عائلي، وفي طوباس تحالفت فتح مع 8 قوائم عائلية من أصل 9، ومن الأمثلة الدالة على ذلك، أن هيئة عين البيضاء التابعة لمحافظة طوباس سجلت قائمة باسم البناء والتحرير التابعة لحركة فتح بينما تشكلت القائمة ككل من عائلة واحدة، وهي ظاهرة اتسمت بها الانتخابات البلدية الأخيرة، وتظهر تحولا في تراجع الدور الفصائلي في الانتخابات المحلية، كما يوضح مدير مركز العالم العربي للديمقراطية والانتخابات عارف جفال، مشيرا إلى أن العائلات فاوضت الفصائل في انتخابات 2017 على التمثيل داخل القوائم الحزبية، لكن في 2021 فرضت كلمتها بتشكيل قوائم عائلية، بالإضافة إلى تحوّل الأدوار بحيث أصبحت الفصائل تفاوض العائلات على تأطير قوائمها حزبيا، بمعنى الطلب من العائلات تسجيل قوائمها باسم الفصائل.
وساعد النظام الانتخابي القائم على التمثيل النسبي والذي يمنع ترشح الأفراد بشكل منفصل وبالتالي إمكانية التصويت لهم كأسماء، والقائمة المغلقة التي تتشكل بناء على اتفاق بين مجموعة من الأشخاص بغض النظر عن طبيعة الكفاءات الموجودة فيها، في الدورات الانتخابية الثلاث، (2012، 2017، 2021)، في سيطرة العائلات على العمليات الانتخابية في المجالس القروية والبلديات المصنفة ضمن مناطق (ج) لأنه يفرض قائمة واحدة بما تحمله من ضعف ولا يشجع الكفاءات على الانخراط في العملية الانتخابية والترشح للمجالس المحلية، خاصة في المناطق (ج) و (ب) التي تسود فيها المفاهيم العائلية كونها قرى سكانها موزعون على عائلات محددة، على عكس المدن التي يسكنها أفراد من مناطق وخلفيات اجتماعية مختلفة، كما يوضح تقرير مركز العالم العربي للديمقراطية والانتخابات، حول الرقابة على المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية في دورتها الرابعة (2021-2022).
ولم يحدد قانون الانتخابات للهيئات المحلية ضوابط لمسألة ترشح الأقارب في نفس القائمة المغلقة، وهو ما أنتج إشكالية وتغاضيا عن تضارب المصالح ودفع عائلات إلى الترشح بقرابة من الدرجة الأولى والثانية، ومنع تكافؤ الفرص واختيار الكفاءات، وفق جفال، الذي أوضح أن عدم معالجة قانون الانتخابات لشروط اعتماد قوائم التزكية أيضا، أدى إلى استمرار ارتفاع عدد الهيئات المحلية التي تعتمد فيها قائمة واحدة.
ولم يعالج قانون الانتخابات مسألة ترشح شخص له قريب من الدرجة الأولى يعمل في منصب إداري مهم في الهيئة المحلية التي فازت فيها قائمة بالتزكية، وهو ما اعتبره جفال مساسا بمبدأ تضارب المصالح في التصويت داخل الهيئة المحلية.
تحالف الفصائل مع العائلات
تشير لميس الشعيبي مديرة برنامج حوار السياسات والحكم الصالح في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية، (غير حكومية تهدف إلى تعزيز مبادئ الديمقراطية) إلى أن حركة فتح تحالفت مع العائلات أو سجلت قوائم الأخيرة باسمها لأن ذلك يساعدها في جمع أكبر قدر ممكن من القوائم لصالحها في النتائج النهائية، وبالتالي إعلان فوزها، وفي حالة حركة حماس، فرفضها إجراء الانتخابات في قطاع غزة دفعها للإعلان عن عدم المشاركة في الضفة لكنها أتاحت لعناصرها التصويت لقوائم عائلات أو تشكيل قوائم على أساس عائلي، وكان مبرر الملاحقة الأمنية لعناصر الجبهة الشعبية من قبل الاحتلال الإسرائيلي دافعا للذهاب بنفس الاتجاه، وهذا ما ساعد العائلات في السيطرة على الهيئات المحلية، إما من خلال قوائم حزبية أو مستقلة.
60.7% من القوائم الانتخابية فازت بالتزكية في الضفة الغربية
ولم يعد الاختيار لرئاسة وعضوية الهيئات المحلية على أساس مهني ووفق الكفاءة، بينما توسعت ظاهرة تشكيل القوائم على الأساس الجهوي والعائلي، وهذا ساهم في وجود إشكاليات مالية وإدارية، كما يؤكد رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية إياد تيم لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أنهم قدموا توصيات بتقليص عدد البلديات وتشكيل مجالس مشتركة، وبالتالي تشكيل إطار أوسع للإدارة.
أموال مفقودة وبيانات مخفية
تنعكس هذه الطريقة في الترشح والتمثيل على أداء الهيئات المحلية كما يؤكد تيم، فقد بلغ الأثر المالي الضائع خلال عام 2020، أي المبالغ المفقودة، بعد التدقيق في عمل 20 هيئة محلية، 18 مليون شيقل على خزينة الهيئات المحلية، و3.5 ملايين شيقل على خزينة السلطة الفلسطينية، نتيجة عدم الالتزام بالقوانين والتعليمات، وكان من الممكن الاستفادة من هذه المبالغ في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتطوير مشاريع تنموية، وفق تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الصادر في أغسطس/آب 2021.
ويكشف تقرير آخر صادر عن ديوان الرقابة المالية والإدارية نشر في يوليو/تموز 2022، واعتمد على التدقيق في عمل 21 هيئة محلية خلال عام 2021، أن 14 منها لم تقم بإعداد موازنة تبين حجم الإيرادات والنفقات المقدرة والمشاريع التي تنوي تنفيذها، بالإضافة إلى عدم إعداد تقارير تبين التنفيذ الفعلي للإيرادات والمصروفات، وهو ما أثر على الخدمات المقدمة للمواطنين، الأمر الذي اعتبره تيم "نتيجة لوجود مشكلة حقيقية في الهيئات المحلية، خاصة فيما يتعلق باستقلالية قرارها، وسيطرة العائلية على بعض الهيئات، ما أسس لإدارة فاشلة يستشري فيها الفساد، وأحد أسباب ذلك عدم وجود قانون ينظم علاقتها مع الجهات الرسمية".
ويكشف تقرير "مؤشر الشفافية في أعمال الهيئات المحلية" الذي أعده ائتلاف من أجل النزاهة أمان عن واقع الشفافية في الهيئات المحلية ونشر في يونيو/حزيران 2022، ورصد أكبر 17 بلدية في الضفة الغربية وهي: قلقيلية، جنين، نابلس، طوباس، أريحا، رام الله، سلفيت، الخليل، حلحول، بيتونيا، بيرزيت، بيت لحم، عنبتا، البيرة، بيت جالا، دورا، أن 10 منها لم تنشر الموازنة التفصيلية للعام الماضي ولم تذكر إيراداتها. فيما لم تفصح جميعها عن دخل رئيس الهيئة المحلية أو ممتلكاته الخاصة وسجل المصالح المالية الخاصة له أو لأقاربه المباشرين.
ويرى جفال والشعيبي وتيم أن عدم انتظام إجراء الانتخابات البلدية هو أحد الأسباب في الخلل الذي يعتري عملها، إذ إن أول انتخابات للهيئات المحلية في ظل السلطة الفلسطينية أجريت في عامي 2004 و 2005 في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي بعد 11 عاما من إنشاء السلطة، وكانت تلك الانتخابات جزئية وغير مكتملة إذ لم تجر في حوالي 100 مجلس، والمرة الثانية أجريت في نهاية المطاف في عام 2012 في الضفة الغربية فقط، وفي 13 مايو 2017، أجريت للمرة الثالثة في الضفة فقط.
وتؤكد الشعيبي أن الخطر المترتب على تغير خريطة التمثيل داخل الهيئات المحلية وفي المؤسسات الفلسطينية ككل، هو تلاشي الأيديولوجيات والمبادئ الديمقراطية، لتحل محلها الهياكل الأبوية التقليدية. بينما يعتقد جفال أن أي انتخابات تشريعية قادمة ستشهد حضوراً للعائلات خاصة الممتدة التي يوجد أفرادها في محافظات مختلفة.
غياب الناظم القانوني في العلاقات مع الجهات الحكومية
تشترك عدة جهات حكومية في العلاقة مع الهيئات المحلية، وبعضها يفتقد للقانون الناظم، كما في حالة اتحاد الهيئات المحلية الفلسطينية، وهو مؤسسة شبه حكومية غير ربحية تشكل إطارًا شاملًا يضم كافة الهيئات المحلية الفلسطينية وتشكل عام 1997 بمرسوم رئاسي، إذ إنه لا يوجد قانون يحدّد العلاقة بين الاتحاد ووزارة الحكم المحلي والهيئات المحلية، وتحدد العلاقة حسب مساحات التعاون المشتركة والتي ما زالت تتمدد وتتقلص نتيجة غياب إطار قانوني ناظم لهذه العلاقة، بحسب ما يكشفه تقرير حكومي صادر في 2016 تحت عنوان "استراتيجية الحكم المحلي 2017 - 2022".
ويتضح من خلال مراجعة قانون الحكم المحلي عدم وجود ناظم للعلاقة بين الهيئات المحلية والوزارات والهيئات الحكومية الأخرى، وهو ما أدى إلى وجود تداخل بالصلاحيات والاجتهادات القانونية فيما يتعلق بالعديد من القضايا، فمثلاً في قضية أزمة الكهرباء المستمرة في طولكرم منذ 12 عاماً كان هناك تداخل بين صلاحيات سلطة الطاقة والبلدية ومجلس الوزراء في قبول مشاريع الطاقة الشمسية لحل الأزمة، وفق ما يوضحه مصدر مسؤول في البلدية رفض الكشف عن اسمه حتى لا يتعرض للمساءلة، مؤكداً أن هذا يعد أحد الأسباب في عرقلة هذه المشاريع واستمرار الأزمة.

*المصدر : القدس العربي

www.deyaralnagab.com