هاجس تعزيز الهوية الفلسطينية لا يفنى عند رائد يوسف القطناني!!
بقلم : ميموزا العراوي ... 14.06.2020 **أعمال التشكيلي الفلسطيني مباشرة جدا، وواقعية جدا، ولكنها في آن واحد معبّرة ورمزية مشبعة بألوان فلسطينية تؤكد استمرارية وجودها.
يستمر الفنان التشكيلي الفلسطيني رائد يوسف القطناني عبر تحوّلات فنية ظهرت بشكل واضح مؤخرا في أعماله الفنية التي تعزّز الهوية الفلسطينية، في التأكيد على أن الفن ليس فقط شكلا من أشكال المقاومة. لكنه بات اليوم الأقدر على ترسيخ الوجود أمام الاحتلال الإسرائيلي الذي يثبت يوما بعد يوم توجسه وتململه من كل عمل فني يدرك أنه سلاح فتاك في زمن معني بشكل أساسي بحروب الأفكار وسلطة الصورة.
من الضروري ذكر أن اعتبار الفن “سلاحا فتاكا” ليس بجديد، وخاصة عند مروجي الأكاذيب ومرتكبي التزوير التاريخي الذي تعود أصوله إلى مرحلة الانتداب البريطاني لفلسطين، حيث حرصت حكومة الانتداب على تعرية منهاج التعليم من كل ما يكرّس أو يطوّر الوجدان العربي الفلسطيني لاسيما الفنون بكل أشكالها. في حين عمدت ولا تزال المناهج الصهيونية إلى اختراع وتثبيت وجدان صهيوني مرتبط بفلسطين كأرض وكفكرة من خلال مناهج تعليمية تركّز بشكل كبير على تعليم وتطوير الأعمال الإبداعية كالمسرح والفن التشكيلي والتجهيزي والموسيقى ولاحقا الفنون السينمائية.
بعد هذا كله استطاع الفن التشكيلي الفلسطيني أن ينمو ويتكاثر وينهض في عملية مواجهة من نوع آخر، هي من أهم ما أوصل القضية الفلسطينية إلى العالمية تماما كما فعل الشعر الفلسطيني وعلى رأسه الشاعر محمود درويش.
منذ فترة قصيرة نشر الفنان الفلسطيني رائد يوسف القطناني على صفحته الفيسبوكية عملا فنيا أنجزه السنة الماضية. تظهر في اللوحة امرأة ورجل بالزي الفلسطيني التقليدي يحتضنان بفرح طفلا صغيرا.
عمل مباشر جدا وواقعي جدا، ونكاد نقول “تقليدي” جدا، ولكنه في آن واحد معبّر، ورمزي مشبع بألوان فلسطينية تفضي إلى أفكار ومشاعر متداخلة تعيد تظهير ذاتها تأكيدا على استمرارية الوجود في أكثر فترة مصيرية وحرجة يعيشها الشعب الفلسطيني، لا بل القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها وأحلامها.
من البديهي القول إن لوحة الفنان رائد يوسف القطناني ليست من اللوحات النادرة التي يظهر فيها طفل في حضن والديه، بل هي واحدة من لوحات رائعة يصعب إحصاؤها لفنانين فلسطينيين رسموا هذه الثلاثية الأساسية للاستمرارية الفلسطينية. غير أن ما يميز هذه اللوحة هي طبيعة ملامح الأبوين المطمئنة إلى حد أقصى والمبهورة أمام وليد ليس ككل حديثي الولادة لأنه يحيل في هذا الزمن بالذات، أي زمن الفنان، إلى “إعجاز” الولادة ذات الصفات “الملوكية”، إذا جاز التعبير، المتمثلة بأناقة الوالدين الشابين في لباسهما التراثي. لباس هو عنوان استمرارية الوجود بنسخة حاضرة ومستقبلية واضحة على هامش وفي جوهر كل ما يُحاك ضد حقّ استعادة الفلسطيني أرضه، مملكته، بالكامل.
ما هي إلاّ فترة قصيرة حتى أعاد الفنان نشر لوحته تلك. ولكن مع عملية تحريك ديجيتالي بسيط وموفّق للوحة. أطلعنا الفنان أن هذا العمل التحريكي هو إهداء مشكور من أحد طلابه.
ولكل من يودّ أن يقول بأنها لوحة “فولكلورية” علينا أن نقول بأنها ليست كذلك. نقول لا، ليست لوحة “سياحية” لمجرد أن فيها عناصر تراثية. إنها إعلان عام ومعمّم لما يراه ويشعر به الجميع. إنها وغيرها من أهم الأعمال الفنية التشكيلية الفلسطينية تأكيدا على الهوية الفلسطينية وعلى حيوية الشعب الفلسطيني، الذي في تطلعه إلى المستقبل ينتمي انتماء وجدانيا عميقا إلى الذاكرة الجماعية.
بعيدا عن بهتان حجج واقتراحات الغاصب السريالية وبعيدا عن هذيان الواقع الحالي المهدّد لأمن المنطقة بأسرها، تجيء هذه اللوحة ببساطتها البليغة لتهدهد فكرة العودة/ الطفل.
تجيء مطمئنة إياه بيقين لافت متمثل بخلفية اللوحة الحالكة والخالية من حضور لون أو تشكيل خطوط قد يعكّر هدوء النواة ثلاثية العناصر: الأم والأب والطفل. نواة شكّلها رائد يوسف القطناني بغلبة اللون الأحمر في وسط خلفية سوداء كختم من شمع يوصد على كل هرطقات الكيان الغاصب. حكم محكم يزهو بفنية وتعبيرية شفافة ومذهلة يتيح له الفنان أن يقول بثبات “مهما آلت إليه الأمور سينقلب السحر على الساحر حتما”.
يُذكر أن رائد يوسف القطناني من مواليد عام 1973، وهو من عائلة فلسطينية مهجرة ولاجئة تعود في أصولها إلى قرية يازور قضاء مدينة يافا الفلسطينية. تخرج من قسم التصميم الإعلاني (الاتصالات البصرية) بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1995.
شارك في معارض اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين فرع سوريا. وتسنى له العمل في مجالات التصميم الطباعي، وإدارة البرامج الغرافيكية منذ عام 1996، وكان آخرها أن عمل مدرسا في معهد تدريب دمشق التابع لوكالة الغوث الدولية في قسم التصميم الفني بسوريا.
وهو حاصل على مجموعة من الجوائز وشهادات التقدير عن مساهماته في مسابقات التصاميم الفنية لبطاقات التهنئة والمجوهرات وسواها. وهو عضو في رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين.
أقام ستة معارض شخصية له في عمّان والزرقاء وإسطنبول وشارك بعشرات المعارض الجماعية في الأردن وأوكرانيا وتركيا. وهو مقيم حاليا في مدينة عمّان. لم ير فلسطين يوما ويحلم بأن يقيم معرضا شخصيا له في القدس. وقد أعلمنا بأن هذه الفرصة جاءته بعد أن عرض عليه أحدهم ذلك. ولكنه رفضها لأنه كان سيضطر إلى الذهاب إلى سفارة الاحتلال الإسرائيلي. * المصدر : العرب
www.deyaralnagab.com
|