موفيولا: رواية عن اغتيال وطن!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 18.02.2020 ليس نقدا ما أكتبه عن هذه الرواية – موفيولا- للفلسطيني تيسير خلف، ولكنه ( تنويه) بها، وعندي أنها تستحق القراءة .
أسعى دائما، وكلما سمعت عن عمل روائي فلسطيني للبحث عنه لقراءته – وطبعا أنا اقرأ أغلب ما تصدره دور النشر من روايات في الوطن العربي الكبير، ولكنني أعتبر متابعة ما ينتجه الفلسطينيون جاذبا لي، ومهما كان المستوى، وأُسّر عندما أقرأ رواية جيدة.
عندما وعيت بقضيتنا الفلسطينية، وجمعت معلومات عمّا بلغته فلسطين بعد خروجها من تحت الحكم العثماني، ورغم الانتداب البريطاني والتسلل الصهيوني السري والعلني، فإنني أخرج بنتيجة موجعة: لقد تمّ اغتيال نهوض بلد، وحرمانه من أن يكون قلب الوطن العربي الغني، المتطوّر حضاريا ومدنيا، والجاذب لأبناء أمته مشرقا ومغربا..وبما يتناسب مع مكانه ومكانته.
قرأت رواية موفيولا في أقل من يومين، فأصابتني بالحزن الثقيل، والسبب أنها تقول: أنظروا أين كانت فلسطين ستبلغ حضاريا واجتماعيا وثقافيا..ولكن!
تقول الرواية هذا وأكثر، دون ادعاء، ولكن برواية بداية نهضة فلسطين، وتفتحها على منجزات زمنها في النصف الأول من القرن العشرين، والطموح الذي حرّك شبانا فلسطينيين ووجههم إلى السينما، وتوظيفها في خدمة مجتمعهم ووطنهم...
تبدأ الرواية بالفلسطيني إبراهيم سرحان يوم 18 أيلول 1982 في مخيم شاتيلا. وإبراهيم هذا الذي يعيش حياة بائسة في المخيم هو من ( صنع) آلة موفيولا – آلة مونتاج- بجهده الشخصي ، في فلسطين ، قبل النكبة..ولكنه انتهى في مخيم شاتيلا (مصلّح) بوابير كاز _ بريموس، وهي مهنة والده في فلسطين.
ينتهي الفصل الأول، الذي يعرّفنا بشئ عن حياة إبراهيم سرحان، وهو يصغي لأغنية محمد عبد الوهاب التي تنتهي ب: ما أقصر العمر حتى نضيعه في النضال..وصوت الرصاص ..وقنابل الإضاءة من جيش شارون المعسكّر في المدينة الرياضية التي تطل على شاتيلا..و: ينكسر باب الغرفة ..وينتصب شبحان أسودان لمسلحين.
لا يجد إبراهيم تفسيرا لما يرى، ويكتفي بنظرة ذهول وتساؤل إلى شعار شجرة الأرز على قبعة أحدهما.
من هنا تبدأ الرواية روايتها.
وحبكتها العلاقة بين إبراهيم عاشق السينما ومحمد صالح الكيالي، الطموح الذي سافر إلى باريس لدراسة السينما حرفيا، ولكنه نفر من أجواء السرياليين، وتوجه من بعد إلى روما حيث السينما الواقعية التي تهتم بحياة الناس، وتقدم جماليات تدفعهم للحلم والأمل..وليس العبث كما سينما الفرنسيين.
يمّر الروائي على رحلة الفلسطينيين العائدين من تشيلي إلى وطنهم، بدر وإبراهيم لاما، و..نزولهم في إسكندرية بسبب مرض بدر ومن ثم تقديمهم للكثير من الأفلام التي يتذكر بعضهما أبناء جيلي، وكانت ما تزال تعرض في دور سينما شعبية .. في دمشق في آخر الخمسينات.
لم يوثّق الروائي مسيرة حياة عاشقي السينما الفلسطينيين، ولكنه طمح أن يكتب مأساة فلسطين منذ الاحتلال البريطاني والتسلل الصهيوني، والخذلان الذي عانته فلسطين..وقيادتها( ورمزها الحاج أمين الحسيني).
ينصف الروائي الحاج أمين الحسيني – سبق وكتبت بعض المقالات ردا على من عمدوا إلى تشويه سمعة هذا الزعيم- ويقدّمه معذبا وهو يتنقل فارّا من الإنقليز إلى لبنان وسورية و..من ثم إيطاليا، ومن بعد ألمانيا..وبعد سقوط ألمانيا الهرب إلى سويسرا..وباريس..والاستقرار في مصر قبل الرحيل إلى بيروت حتى وفاته رحمه الله.
يضئ الروائي على أحداث ومناضلين في تلك المرحلة ، منهم ذو الكفل عبد اللطيف – وقد عرفته في عمّان، والتقيته مرارا ، وقرأت كتابه ( مذكراتي)، ودارت بيني وبينه حوارات جلها استفسارات منّي.
تكشف الرواية ، ما يعرفه بعضنا، من أن الحاج أمين الحسيني أراد في لقائه بهتلر أن يحصل على وعد بحق الفلسطينيين بحريتهم واستقلالهم، ولكن الفوهرر ماطل وتهرّب، وقد أدرك الحاج ما تخفيه السياسة من ألاعيب ومصالح.
هذه الرواية الطموحة تنصف الحاج أمين الحسيني، وتقدّمه ( إنسانا) من لحم ودم وأعصاب..إنسانا طيبا، حنونا، يحزن ويشعر بالوحدة والوحشة، ويحمل هم شعبه ووطنه وأمته..ومسلمي البوسنة والهرسك الذين استنجدوا به علّه ينقذهم من مذابح الصرب..الذين غض النظر عنهم هتلر وموسوليني الذي ادعى إعجابه بالإسلام، وأنه حامي المسلمين!
مصائر شخوص الرواية تتداخل بمصير وطنهم وشعبهم الفلسطيني، الذي نكب وتشرّد...
رواية موفيولا رواية جادة، مشغول عليها، كتبها الروائي بسرد سلس جذّاب، ولكن هذا لا يمنع أن لي بعض الملاحظات.
المشهد الأول في الرواية ينفتح على مذبحة صبرا وشاتيىلا، وإبراهيم سرحان متفاجئ بمسلحين أرزيين – يعني ممن اقرفوا مذبحة صبرا وشاتيلا – ومع ذلك فإن إبراهيم يموت في عام 1987 وخلف نعشه ثلاثة، هم: ابنه سرحان وزوجة ابنه، وابنته..فكيف نجا من المسلحين القتلة الذين اقترفوا المذبحة، وعاش حتى ذلك اليوم؟!
الملاحظة الثانية: بقدر ما أنصف الروائي تيسير خلف شخصية الحاج أمين الحسيني – وهو يستحق الإنصاف، فمن استهدفوا حياته ومسيرته وسمعته هم الصهاينة، ودول الغرب، وبعض السفهاء المنافقين في بلاد العرب..وهذا لا يعني أن الرجل فوق النقد ولكن وطنيته لا جدال حولها- فقد ظلم شخصية مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية الأستاذ أحمد الشقيري.
* صدرت الرواية عن دار فضاءات – عمان الأردن.
www.deyaralnagab.com
|