الرواية السودانية: مراجعات في تاريخها الادبي!!
بقلم : د.أحمد عكاشةاحمد فضل الله ... 16.11.2013
اهداني الاستاذ عوض عثمان عوض مؤلفه ‘ايقاع العودة’ (طبعة اولى 2013 دار الفارابي بيروت). ومما لا شك فيه ان هذا المؤلف احتوى العديد من النصوص السردية، ولعب الراوي في اغلبها الدور الرئيسي.
وبادئ ذي بدء لا بد من اثبات حقيقة ان لدى المؤلف ملكة ادبية معتبرة، وكذلك توفرت لديه المقدرة الواسعة على السرد والتعبير والتصوير. وهذا ما حفزني على مطالعة الكتاب والاهتمام بمحتوياته وتجاوبت مع سائر الاشخاص الذين شملهم السرد.ولما لم اكن بناقد ادبي يتعسر علي احكام نقدية. وفي واقع الحال فإن مثل هذه الاحكام متروك اصدارها الى القارىء والنقاد..
وعوضا عن هذا اود ان اقيم جهد المؤلف وكذلك اتناول ما قد يحدثه صدور هذا العمل الادبي من أثر ونتائج في الحياة الثقافية السودانية:
ـ فيما يتعلق بالمؤلف وجهده الادبي: فانه يتميز بحب للغة والكتابة ويملك خيالا صحيا ولديه فضول فيما يتعلق بالحياة السودانية وقضاياها في داخل السودان او في الهجرة الدولية. ويدل مؤلفه هذا على رغبة عارمة في التعبير ادبيا وابداعيا عما يجيش بخاطره.
ـ يوضح اصدار ‘ايقاع العودة’ ان كتابة الرواية هي مهمة فيها الكثير من التحديات عبر انها مهمة ممكنة اذا ما توفرت شروط منها الاعتداد بالذات والقدرات الادبية والدافع القوي والموهبة.
يعد صدور اي عمل روائي فرصة متجددة لمراجعة التاريخ الادبي للرواية السودانية وفي هذا الشأن نورد ما يلي:
ـ لقد الف السودانيون ان ينهض العمل بالسرد نثرا لوصف شخصيات (تكون في اغلب الاحوال خيالية) واحداث. وفي العادة يشكل الوصف حكاية مترابطة ومتتالية.
ـ لقد فضل الكثير من الروائيين السودانيين ومنهم مؤلف ‘ايقاع العودة’، الخروج على أو التمرد على ما يشكل تعريفا كلاسيكيا للرواية (وصفها الاشخاص والحوادث في شكل قصصي مترابط ومتتال، فقد عمد مؤلف، ‘ايقاع العودة’، مثالا الى ما يلي:
ـ القيام بسرد تتعدد فيه البيئات (السودان ومنافي المؤلف واسفاره المتعددة) الاشخاص والحوادث.
ـ معالجة الموضوعات والاحداث في فصول متفرقة.
وهذه امثلة قليلة لمحاولات تجديد سبل السرد الروائي وهي محاولات يغري القيام بها الولوج الحديث الى عالم كتابة الرواية ويعتمد تقييمها سلبا ام ايجابا على النقد الادبي واحكام القراء..
ومن بعد ان تلج الى واقع الرواية السودانية والتي بحلول العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين شارف تاريخها الادبي على اتمام قرن من الزمان، اضحت خلاله جزءا من الادب السوداني، اذ ألفت اولى السرديات السودانية المعاصرة في عشرينات القرن العشرين. واضحت منذ الخمسينات من اهم الانشطة الادبية من بعد قرض الشعر. وقبل استعراض تطور الرواية السودانية طوال النصف الثاني من القرن العشرين يجب ان نتطرق الى الانتاج الروائي الذي حدث في السنوات الاخيرة (سنوات مشارف انتهاء العقدين الباكرين من القرن الحادي والعشرين). فالى جانب ‘ايقاع العودة’ هنالك اعمال روائية منها ‘الجنقو’لعبد العزيز بركة ساكن ، ‘صمت فضائحي’ لسارة شرف الدين، ‘الجنرال والضفادع′، ‘نساء في مرمى البنادق’. ترى اية متغيرات ادخلها نشر هذه الاعمال الروائية في الاوضاع الراهنة للرواية السودانية؟
ـ هل يمكن مضمون اي عمل روائي جديد (جرى ذكره ام اغفل نسبه لعدم الالمام) من ضمه الى قائمة الكلاسيكيات الادبية المعاصرة ، مثال ‘موسم الهجرة الى شمال’ ـ الطيب صالح، ‘الازرق النيلي’ لجمال محجوب و ‘اضواء ملونة’ لليلى ابي العلا.
ـ وايضا هل بلغ اي من هذه الاعمال الروائية درجات القبول الواسع نسبيا الذي لقيته روايات امين تاج السر، طارق الطيب وخالد عويش؟
ـ هل استطاع اي واحد من هذه الاعمال واغلبها قد طبع من قبل دور نشر او طباعة عربية، استطاع جذب جمهور عربي عريض او تمت ترجمته الى لغات اخرى، اذ ان في مثل هذه النجاحات إن تحققت تقييما ادبيا قيما للرواية السودانية وللادب السوداني وتحديد درجة رقيه؟
ـ اي نجاح سجله كل واحد من هذه الاعمال الروائية الجديدة في وصف الحياة السودانية او المأزق الاجتماعي في السودان؟
لا تشكل اية نقطة اثيرت اعلاه الى بعد قد ينطبق على احد الاعمال الروائية الجديدة ولكنها تشير الى التوقعات التي يثيرها نشر اي عمل ادبي جديد.
هناك ظاهرة تحمد للروائيين السودانيين جميعا وتمثلت وتتمثل الى الان في تقديم رواياتهم على هيئة كتاب مؤلف ومطبوع من قبل طابعين عرب تأكيدا منهم للانتماء للادب العربي وجذبا لاهتمام قراء ونقاد عرب.
لعلها اثمرت كما في حالة الطيب صالح والذي اضحى علامة فارقة في تاريخ النثر الادبي السوداني والسرديات السودانية على السواء.
هنالك ملاحظة نابعة من التسميات التي حملتها الاعمال الروائية الجديدة، ففيها تقليل من الخيال ويخشى ان تعتمد في الشق الاكبر منها على التأملات الشخصية والاحداث الواقعية او الاخبار التاريخية، ومن عواقب مثل هذا الاستطراد في هذه المسائل هو التقليل من قدرة اي من المؤلفين على تأسيس وجهة نظر اخلاقية او فلسفية وكذلك يحرمه من تعديد وتنويع اكثر نضجا وتعقيدا لزوايا السرد ومن جعل الـstory line .في الماضي كان للرواية السودانية نجاحها الملموس.
ـ يدل النجاح الهائل لروايات الطيب صالح وجمال محجوب وليلى ابي العلا على انها عدت مساهمات اصيلة وكانت افكارا ذات مفهوم كامل وانها نجحت فيما هدفت الى وصفه من اشخاص واحداث وكان الـstory line في كل عمل روائي جرى ذكره على قدر عال من التعبير والابداع وتعددت زوايا السرد التي تتميز دائما بالقيمة الثقافية والعمق.
يتباين قدر نجاح اعمال روائية سودانية صدرت داخليا او في المهجر: اعمال امير تاج السر، طارق الطيب، خالد عويس. الا انه ما من عمل روائي لاحدهم استطاع الولوج بقوة وتوهج الى الساحة الادبية او تلك الدولية بحيث يعد كل واحد منهم علما من اعلام الرواية عربية ام عالمية كانت. وقطعا لا تعود الاسباب الى ضعف مواهبهم او تواضع قدراتهم على خلق عوالم مدهشة. لقد نشرت رواياتهم عربيا ولقيت بعض النقد والتقييم ادبيا وابداعيا، الا انه لم تدخل رواية احد منهم قائمة الاعمال المجازة (على المستوى الوطني، القومي او الدولي).
وحاليا صدرت اعمال روائية من ادباء محدثين وتنتمي الى القرن الحالي وعليه يطرح السؤال حول افاق الرواية والرواية في السودان:
ـ هل يقدر للاعمال الروائية والمؤلفين الانتشار وتلقي فرص من النقد والتقييم؟
ـ هل يقدر لاي عمل روائي سوداني جديد ان يضمن في قائمة الاعمال الادبية المجازة؟
ـ هل يمكن تحقيق ما سبق من نجاحات حققها ادباء سودانيون على رأسهم الطيب صالح، جمال محجوب وليلى ابو العلا؟
هنالك حقيقة رئيسية فيما يتعلق بفرص النجاح الاولى وهي ان درجات الاعمال الروائية تتفاوت من جهة النوعية الابداعية واصالة الاتهام (اصالة النص الادبي ـ بمعنى السبق الادبي) ـ وفيما يتعلق بالروايات السودانية فان اعلى تقييم هو ذاك الذي نالته رواية الطيب صالح ‘موسم الهجرة الى الشمال’ فقد اعتبرها Ancie Cagiane عملا كلاسيكيا اي انه اثر ادبي من الطراز الاول للادب الافروعربي ونشرت الرواية ضمن مجموعة Pinguin في العام 2002 . وترجمت اعمال جمال محجوب وليلى ابو العلا ـ التي ألفت باللغة الانكليزية ـ ترجمت للغتين الفرنسية والعربية. ونالت رواية ليلى ابو العلا المترجمة، جائزة الكتاب الاسكوتلندي الاول.
فيما يتعلق بالاعمال الروائية المكتوبة باللغة العربية التي تلت خلال نهايات القرن فلم اعثر على الكثير من المعالجة النقدية لها.
وكان يلزم ان يتناولها النقاد السودانيون ،ومرد حتمية القيام بذلك هو ضرورة ما يلي:
ـ ترى اي رواية سودانية تستحق ان توصف بأنها ‘رواية مؤسسة’ اي انها قد تكون ارست اسسا راسخة للسرديات والروايات السودانية؟
ـ واي عمل روائي سوداني قارب ان يدخل في قائمة المجاز من الروايات العربية او تلك العالمية؟
وكذلك ينطبق الحال على العديد من الاعمال الروائية التي صدرت وتتابعت خلال عامي 2012 و2013.
ولست على يقين من الاسباب التي ادت الى هذا الوضع الذي ندرت فيه الاحكام النقدية لهذه الاعمال. وعليه يبقى تخمين اسباب ذلك:
ـ قد تكون هذه الاعمال الروائية غير قادرة على جعل النقاد والقراء يتمعنون في دوافعهم الانسانية والتفكير في احوالهم الفكرية.
ـ على الرغم من محاولة الروائيين تجنب كتابة ما يسمى بالسيرة الذاتية المحضة فان اعمالهم الروائية تعج بالذكريات ومعايشة العهود والامكان المرتبطة بتجارب الروائيين.
ـ او ان هذه الاعمال الروائية غرقت بالرمزية الملتوية وغير المباشرة.
ـ او قد تكون بعض هذه الاعمال لم توفق في الاتيان بوجهة نظر اخلاقية او فلسفية تلفت الانتباه او تحث على اتباعها.
ـ قد يكون الـstory line على قدر ضئيل من التعقيد وكذلك تضاؤل عدد زوايا السرد.
وكثيرا قد تقل القيمة الثقافية للسرد وقد يكون فيه بعض الضحالة.
ـ فشل السرد في خلق عوالم مدهشة او تنويع الموضوعات.
هذه هي بعض المشكلات التي قد تعترض تطور الرواية السودانية، قد عددناها لا بغرض التقليل من شأن اي عمل روائي سوداني او من شأن ومقدرات الروائيين السودانيين.
وحقا فإن العمل الروائي الذي اصدره الاستاذ عوض عثمان عوض يستحق ان يقرأ وان يستوعب محتواه لما يحمله من وعد صادق لموهبة ادبية على الرغم من حداثة انشغاله بالتأليف، والسرد تميز برشاقة الاسلوب وحيوية السرد وطرح المشكلات وامعان الفكر النشط والثاقب فيها. املا ان يلقى عمله الروائي هذا قبولا واسعا. انني ابقى مدينا لحدث اصدار هذه الرواية لانها وفرت فرصة ثمينة للتمعن في امر الرواية السودانية وامكنني الوقوف على تجربة روائي سوداني وهي في بدايتها ولكنها تبشر بآفاق كبيرة للرواية السودانية. المصدر : القدس العربي
www.deyaralnagab.com
|