logo
مسلسل "شرف": محاولة رأب الغشاء الاجتماعي!!
بقلم : عدنان حمدان ... 04.07.2022

نشاهد كل يوم، هنا وهناك، وعبر نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، أخباراً عن قتل النساء وتعنيفهن، منها ما يأخذ حيزاً من الاهتمام، كقضية نيرة أشرف في مصر، ومنها ما يحدث وينتهي ويبقى طي الكتمان، أما العنوان العريض لكل هذا فهو "جرائم الشرف". قدّمت الدراما السورية سابقاً بعض الخطوط الدرامية ضمن المسلسلات، أو كحلقات تناولت هذه القصص، ولكن بشكلٍ خجول أو غير موسّع، مثل حلقة "القضية 508" في مسلسل "سيرة الحب" من بطولة ديما بياعة وميلاد يوسف، والتي تناولت القانون الذي ينص على تبرئة المغتصب في حال زواجه من الضحية.
ولكن خلال الشهر الماضي، وردت أكثر من حالة في الدول العربية لقضايا "الشرف" والنساء، وتزامن ذلك مع عرض عشارية "شرف" كتابة ديانا جبور، وأخرجها ابنها مجيد الخطيب كأول تجربة إخراجية في الدراما، وأنتجتها وعرضتها منصة "وياك"، إذْ كان من المفترض أن تُعرض خلال الموسم الرمضاني، ولكن لحساسية العمل وقضيته والجرأة في الطرح قرر صنّاعه تأجيل العرض للوقت للحالي.
يرتكز النص في العمل على حكايات النساء والمواجهة المباشرة مع الذكورية في المجتمع، من خلال التركيز على المجتمعات البعيدة عن الأضواء التي لم تتطور مع تطور الزمن، بل بقيت تعيش في عاداتها وتقاليدها الخاصة، ويحمل أكثر من جانب من معاناة النساء والفتيات، كحالات الاغتصاب في الطفولة، وما تتركه من آثار سلبية نتيجة صمت الفتاة وعدم جرأتها في الحديث عن الموضوع حتى لعائلتها أحياناً، وفَقد العذرية بقصد أو من غير قصد، بالإضافة لقضية الاغتصاب الزوجي. وهذا ما يبرر تأجيل العمل خارج رمضان كي يأخذ حقه في العرض، بالإضافة لاستخدام عبارة +18 في بدايته كدلالة واضحة على معرفة صنّاعه بدقة ما يُطرح فيه.
تنطلق الحكاية من خلال شخصية "آسيا" التي جسدتها الممثلة أمل عرفة، والتي يُطلب منها في بداية العمل من خلال سيدة تعرفها أن تكشف على ابنتها لمعرفة ما إن كانت عذراء أم لا. وحين تكتشف أنها ليست عذراء، بل وحامل أيضاً، تقرر "آسيا" أن تخفي الحقيقة، كي تنقذ الفتاة من "القتل". إذْ تحلف "آسيا" يميناً باطلاً كي تحمي الفتاة من مجتمعها، لأنها تعرف أن القتل هو المصير المباشر الذي سيواجهها وجنينها. لتبدأ القصة مع "آسيا" في صراعها بين الأفكار المزروعة في رأسها كفتاة شرقية تعمل في التمريض وتعيش مع والدتها الداية (القابلة القانونية) وبين مساعدة الفتيات وحمايتهن من المجتمع نفسه الذي تنتمي إليه من خلال عمليات تخييط غشاء البكارة وغيرها من الحلول.
ويبدو أن النص المحبوك والقصة المثيرة أثارا عرفة للموافقة على العمل، رغم أنها التجربة الإخراجية الأولى للمخرج. ولكن هذا ليس بالغريب عليها، لأنها حين وافقت على لعب بطولة مسلسل "القربان" لرامي كوسا، كانت التجربة الأولى بالنسبة إليه ككاتب، ولم يخذل مجيد الخطيب اختيارها. فهذا الشاب الذي لعب شخصية نزار قباني في طفولته، توقعنا أن يسلك مسار التمثيل لاحقاً، ولكنه قرر دراسة السينما في الولايات المتحدة، ليصبح مخرجاً كوالده باسل الخطيب الذي أخرج نزار قباني وغيره الكثير من المسلسلات. ودراسته السينمائية ظهرت جليةً في العمل من خلال ترجمة اللغة السينمائية في العمل وتركيزه على الديكور والإسقاطات والرموز، بحيث كانت معظم اللقطات منتقاة بعناية، وما من لحظات فارغة أو تطويل مقصود كما درجت العادة في المسلسلات الأخرى. ففي بداية العمل، اختار أن يبدأ من التركيز على رمزية "الديك" كدلالة على أن الممثلين في العمل في الغالب ينتمون إلى الفكر الذكوري الذي يتجسد في معاملة الديك للدجاجة.
ومن الصعب ربما أن يحاسب مجيد الخطيب كونه لا يزال في البدايات. ويمكن اختزال وقبول بعض الهفوات في المسلسل فيما بإمكانه في تجارب لاحقة الفصل بين الحالة السينمائية والحالة التلفزيونية، لأن الشاشة الصغيرة لا يمكن إغراقها بكثرة التفاصيل التي قد تُهمل أو لا تبدو واضحة للمشاهد، وبعين مخرج سينمائي.
اختيار الممثلين في "شرف" كان مناسباً بالإضافة للنص، الذي حمل دلالات لم توفر مشاهد الحرب السورية، ما جعل الترابط و"كيمياء" الممثلين حاضرة في ما بينهم. فراس إبراهيم وجوان خضر ومجد فضة قدموا أفضل ما يمكن في إطار مشوق، حتى الممثلات مثل هناء نصور وعبير شمس الدين. ويُحسب للعمل إعطاؤه الفرص للوجوه الشابة، مثل مرح حجاز وإليانا سعد اللتين قدمتا أدوراً مميزة تبشّر بهما كنجمات للمستقبل، وتأتي ثنائية وائل رمضان والممثلة دوجانا عيسى لتشكل انقلاباً إضافياً على التقليد في الأداء.
"مِشعَل": البحث عن إجابات معلّقة لخلاصٍ منشود (الملف الصحافي)
سينما ودراما
"مِشعَل": كتابة ذكية وحوارات تستعيد الإرث الاستعماري
دوجانا عيسى، الزوجة التي تتعرض للاغتصاب من زوجها السادي، صاحب النفوذ، تحاول منذ اليوم الأول لزواجهما أن تثنيه عن تعنيفها وضربها واغتصابها، تردد أكثر من مرة عبارة "أنا عرضك"، ليأتي جوابه: "عرضي وأنا حر بوسعه أو بضيقه على كيفي". تعيش حالة من الضياع، كل ذلك بسبب شراء الزوج لذمة الأهل ثمناً لسيارة يهديها لوالدتها أو وظيفةً يؤمنها لوالدها. ولكن حين يقرر أن يعطيها لرجلٍ آخر، تقرر أن تتحول إلى مجرمة مدافعةً عن نفسها، فتقوم بتعذيبه وقتله، لتضعك الحالة بين المتعاطف مع القاتلة والغاضب من المقتول.
أضافت الممثلة صباح الجزائري، بدور أم "آسيا"، القوة والضعف والحنان والقسوة، وشاهدنا ثنائياً شغوفاً جداً في الحوار بين عرفة والجزائري، ربما لأنها ليست المرة الأولى التي تجتمع فيها الممثلتان، إذْ عملتا معاً في "أيام الخوالي" و"عشتار". وبطبيعة الحال تستطيع الجزائري قلب مسار الحكاية، كما فعلت في مسلسل "مع وقف التنفيذ"، رغم قلة مشاهدها فيه أيضاً.
*الصورة المرفقة : الممثلة أمل عرفة والمخرج مجيد الخطيب


www.deyaralnagab.com